مسرح القطاع الخاص فى ذمة الله

كتب: أميرة عاطف الثلاثاء 29-11-2011 14:51

 

ظل مسرح القطاع الخاص لسنوات طويلة يقدم أعمالاً ناجحة ارتبط بها عشاق «أبوالفنون»، وشهدت الحركة المسرحية منذ مطلع القرن الماضى حالة من الرواج عبر أجيال متعاقبة كان من رموزها نجيب الريحانى وعلى الكسار وإسماعيل يس وعبدالمنعم مدبولى وفؤاد المهندس وشويكار وسهير البابلى وعادل إمام وسعيد صالح ومحمد صبحى، لكن فى السنوات الأخيرة أصاب الكساد المسرح الخاص لدرجة أنه كاد يختفى تماما من على خريطة الفن المصرى. ولأن المسرح الخاص كان وسيلة مهمة لاكتشاف النجوم، تحاول «المصرى اليوم» الكشف عن أسباب تراجعه وتسأل عدداً من المبدعين عن كيفية عودته من جديد.

 

المؤلف المسرحى مجدى الإبيارى قال: نعانى من هذه المشكلة منذ 10 سنوات تقريبا، فالمسرح الخاص فى حالة احتضار كامل وأعلن وفاته رسميا، فبعد أن كانت لدينا 24 فرقة تعرض 24 مسرحية أصبحت وفرقتين فقط، وأعتقد أن السبب فى ذلك هو الحالة الاقتصادية وارتفاع ثمن التذاكر، فأقل تذكرة فى الصف الأخير ثمنها 100 جنيه، بينما تذاكر الصفوف الأولى تصل إلى 400 جنيه وهذه الأسعار مكلفة جدا وتفوق طاقة أى أسرة مصرية فى ظل غلاء المعيشة.

 

وأضاف مجدى: هناك أسباب أخرى لاختفاء مسرح القطاع الخاص منها انتشار المسرحيات على القنوات الفضائية، ففى اليوم الواحد يستطيع أى مشاهد أن يتابع 5 مسرحيات وبالتالى أصبح هناك عدم إشتياق لنجوم المسرح، كما أن إيجار المسارح نفسها مكلف جدا ويصل إلى 5 آلاف جنيه فى اليوم، وفى المقابل الفنانون لا يقفون بجوار المنتجين ولا يتنازلون عن أى نسبة فى أجورهم و يفضلون العمل بالدراما التليفزيونية التى يتقاضون فيها أضعاف ما يتقاضونه فى المسرح، فضلا عن أن العمل بالمسلسلات لا يمثل قيداً عليهم مثل عملهم فى المسرح.

 

وأشار إلى أنه فى ظل هذه الظروف اتجه مؤلفو المسرح إلى كتابة المسلسلات، موضحاً أنه حتى عام 2000 كان اهتمامه الأول بالمسرح لكنه اضطر لمسايرة السوق حتى يرى الجمهور أعماله فاتجه لكتابة المسلسلات.

 

وأكد مجدى الإبيارى أنه لكى يعود الجمهور لمسرح القطاع الخاص لابد من تخفيض أسعار التذاكر، مشيرا إلى أن مسرح القطاع العام لا يعوض غياب المسرح الخاص لأن ذوق جمهور المسرح الخاص يختلف عن ذوق جمهور مسرح الدولة.

 

وقال سعيد صالح: لا توجد حاليا خريطة فى أى مجال فنى وليس فى المسرح فقط، والبلد لا يرعى أى شىء فى ظل حالة العشوائية التى نعيشها والتى تشهد تقديم أعمال تافهة سواء فى المسرح أو السينما أو التليفزيون، ومنذ تقاعد سمير خفاجة، أعظم منتجى المسرح، وهناك حالة تراجع كاملة للمسرح الخاص.

 

وأضاف: أعتقد أن الإنتاج يتحمل مسؤولية غياب المسرح الخاص لأنه يتولى عملية الإنفاق على جميع جوانب العمل المسرحى من مؤلفين ومخرجين وممثلين وديكورات والعملية كلها مكلفة جدا وتحتاج لميزانيات ضخمة حتى يخرج العمل فى النهاية بشكل لائق.

 

وقال المؤلف والمنتج المسرحى أحمد الإبيارى: يجب أن تتبنى وزارة الإعلام مشروعاً لإحياء المسرح الخاص، فمسرح التليفزيون الذى شهد نجومية عبدالمنعم مدبولى وفؤاد المهندس كان ينفق عليه من أموال الدولة ولكنه كان يتسم بروح القطاع الخاص وليس مسرح القطاع العام الذى يقدم عروض المسرح العالمى البعيدة عن ميول الجمهور، ولكى ينجح هذا المشروع لابد أن يتولى إدارته شخص يمتلك عقلية القطاع الخاص ويعرف كيف يختار نصوصاً كتبها مؤلفون كبار مثل لينين الرملى ويقوم ببطولتها نجوم لهم قبول مثل عادل إمام وسمير غانم.

 

وأضاف الإبيارى: منذ حوالى 4 سنوات واجه المسرح الخاص حربا شرسة سواء من نقابة المهن التمثيلية أو الضرائب أو جهاز أمن الدولة، كما أننا عانينا كثيرا من غلاء أسعار الإعلانات وبيروقراطية المحافظة وكان هناك شبه تعنت مع المسارح ولا يعمل فى هذه الظروف سوى «المهووس» بالمسرح فأنا مثلا ظللت أدفع لمدة 3 سنوات ضريبة قدرها 1200 جنيه على اللافتة الموجودة على واجهة المسرح رغم أن المسرح نفسه كان مغلقاً ولا يقدم أى عروض.

 

وأوضح أن النظام السابق كان من أسباب اختفاء المسرح الخاص لأنه ظل يحارب العروض بدليل أن التليفزيون فى بعض الفترات كان يطلب مبالغ تعجيزية للإعلان عن المسرحيات، مؤكدا أن إهمال الدولة للمسرح كان مثل إهمالها للسكة الحديد لأن البهوات من المسؤولين لا يركبون القطارات ويستخدمون السيارات فوجهوا اهتمامهم إلى رصف الطرق.

 

وأشار الإبيارى إلى أن الشركات فى الماضى كانت تشترى تذاكر المسرح وتوزعها على العاملين بها وهذا النظام كان ينشط الحركة المسرحية لكنه لم يعد موجودا مؤكداً، أن هناك إنفاقاً ببذخ فى مسرح الدولة لكن العروض التى يقدمها تجعل الجمهور يكره فن المسرح.

 

وقال المخرج عصام السيد: هذه المشكلة إقتصادية فى المقام الأول، فكل ما يتعلق بالمسرح أصبح مكلفاً جداً سواء فيما يتعلق بأجور الفنانين أو الدعاية أو الديكورات أو الملابس وبالتالى تزيد أسعار التذاكر، والمحصلة هى غياب الجمهور البسيط الذى تراجعت قدرته الشرائية.

 

وأكد أنه حتى فترة الثمانينيات والتسعينيات كان السائح العربى يعوض غياب الجمهور المصرى، موضحا أن تراجع المسرح الخاص ليس له علاقة بقلة الإبداع لأن مصر طوال تاريخها مليئة بالمبدعين.

 

وقال المؤلف والمنتج المسرحى فيصل ندا: قبل الثورة قلت إن المسرح الخاص فى غرفة الإنعاش، والآن أقول المسرح مات ولم تشيع جنازته بعد، فالمسرح عانى فى السنوات الماضية من انصراف الجمهور عنه نتيجة عدة عوامل، أهمها أن العروض المقدمة لا تجذب الجمهور إلى جانب انتشار الفضائيات وصعوبة المواصلات وارتفاع أجور الفنانين وتكاليف الدعاية وتخاذل الدولة والمؤسسات الثقافية عن الاهتمام بفن المسرح وهذه الجريمة لن يغفرها التاريخ للمسؤولين عن الثقافة.

 

وأضاف ندا: فترة الستينيات على سبيل المثال شهدت نهضة مسرحية كانت سبباً فى التوهج الفنى الذى عاشته مصر خلال تلك الفترة، لكن الإهمال أدى بنا إلى هذه المأساة التى لا نعرف كيف نخرج منها، فقد تغير ذوق الجمهور وأصبح المسرح فى آخر دائرة إهتماماته، فلم نرب الجيل الجديد على حب المسرح منذ سنوات التعليم الأولى، فزمان كان المسرح وجبة شيقة للتلاميذ فى المدارس وأغلبية المبدعين خرجوا من مسرح الجامعة.

 

من جانبه قال المخرج سمير العصفورى: قبل حوالى 9 سنوات كان المسرح الخاص يضم فرقاً مسرحية كبيرة يتزعمها محمد صبحى وعصام إمام وكنا نجد أعمالاً محترمة، وكان لدينا مسرح الزمالك الذى قدمنا عليه مسرحيات مثل «كده أوكيه» و«عفروتو» و«حزمنى يا»، وبعد هذه الأعمال الناجحة اختفى المسرح الخاص وكان عادل إمام آخر من اختفوا وحالياً تبدو العلاقة مقطوعة تماما بين المسرح والجمهور، وأعتقد أن ذلك يرجع لأسباب اقتصادية حيث لا يوجد فى ميزانية الأسرة الشهرية مبلغ مخصص للترفيه، إلى جانب وجود القنوات الفضائية التى أصبحت ترضى رغبات الجمهور.

 

وأضاف: المنتجون خافوا من الاستمرار فى الإنتاج المسرحى لأن التكلفة كبيرة والأجور مرتفعة وبالتالى زادت أسعار التذاكر، كما أن الجمهور عندنا يتعامل بنظرية أن «الغالى تمنه فيه» وإذا لاحظ أن هناك تقصيراً فى الإنفاق سيتراجع عن الذهاب للمسرح، ورغم أنف من ينتقدون المسرح الخاص فإن عدم وجوده خسارة كبيرة، فعندما يكون المسرح الخاص ناجحاً فإن مسرح القطاع العام سيعمل بجدية وحماس، رغم أن مسرح الدولة يعانى نفس المشكلة من ضعف الميزانيات وغياب الجمهور.