الكثير من الخلفاء والولاة لم يفرقوا بين المال العام ومالهم، فكان الواحد منهم قائما على مال الله وعلى ماله وكأنهما شىء واحد، فهذا بيت مال المسلمين فى يد عثمان يغدق منه على أرحامه، وفى يد معاوية يعتبره هبة الله، يهب من بنى أمية ما يشاء، وهذا الوليد بن عقبة فى الكوفة يغرف منه كما يريد، وهذا ابن عباس فى البصرة يحمل منه الجمال فى خفارة أقربائه هاربا إلى حمى مكة، وهذا أبوهريرة يعزله عمر من ولاية البحرين، بعد ما عرف وسمع عنه، وهذا عمرو بن العاص فى مصر الضيعة، لا يفيق إلا لحظة الموت على تلال الذهب التى اختصها لنفسه، ساعتها أحس أنها هباء منثور، وإياك أن تقول إن هؤلاء كانوا لا يعرفون الحد الفاصل بين الحلال فى مال الله وحرامه، فهذه حكمة تتوارثها الأديان «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، إلا أن شبهة الظلم فى جمع هذا المال قد جرأت هؤلاء عليه، وجعلته سهلا فى النهب كما كان سهلا فى الاستلاب!!
».
فلما تولاها فى عهد معاوية ورد إليه اعتباره، أوقف معاوية الضيعة كاملة وأهلها له، يجمع ما يقدر عليه، واشترط له ألا يرسل منها أموالا إلى الخليفة فى دمشق، فلما احتاج معاوية من ضيعة مصر أموالا لسداد رواتب الجند واحتياجات الخلافة وعطايا القرشيين، فى عام قل فيه الخراج وعزت فيه الجباية، وأرسل يطلب منه الغوث والنجدة، ويعطيه بعضا من خراج ضيعته، لم يفعل ولم يستجب أو يلب، وذكره بالشرط الذى اشترطه عليه: «وما نلتها عفوا ولكن شرطتها» ولم يفعل معه ما فعله حين أغاث الخليفة عمر فى عام الرمادة، وأرسل له قوافل المدد أولها فى قصره فى مصر وآخرها فى قصر الخليفة بالمدينة، وأسرها معاوية فى نفسه، واختزنها لعمرو، ولما مات صادر أمواله كلها، وعرف المسلمون من يومها فكرة المصادرة، فالعلاقة قد بنيت على المصلحة والمنفعة، حين طلبها عمرو كانت بمقابل، وحين مات صادر هذا المقابل وانتزع ما جمعه من أموال وقال «نحن نأخذه بما فيه»، بما فيه من سحت وظلم، ولم يكن هذا القرار إلا إيمانا ويقينا بعدم أحقيته فيما جمعه، ولماذا تركه يجمع كل هذا دون حق؟، هى المظالم المشتركة فى جمع كل هذه الأموال فى دولة الخلافة، والكل فيما يصنعون سواء.
.