تخلص العالم من كابوس مرعب ظل جاثما على صدره لسنوات عديدة، بإعلان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فى بلدة أبوت أباد الباكستانية قرب العاصمة إسلام أباد فى عملية عسكرية استغرقت 40 دقيقة قادتها قوات كوماندوز أمريكية بمساعدة الاستخبارات الباكستانية فى تطور يمثل ضربة قاصمة للقاعدة وحركة طالبان فى أفغانستان وباكستان على حد سواء، وتتويجا للجهود الأمريكية والبريطانية والعمليات التى يقودها حلف شمال الأطلنطى فى محاربة القاعدة فى أنحاء العالم.
وكشفت وسائل إعلام أمريكية وبريطانية تفاصيل حادث مقتل زعيم تنظيم القاعدة، وأعلن مسؤولون أمريكيون أن بن لادن قتل برصاصة فى الرأس بعد مقاومة شديدة منه إثر عملية اقتحام قامت بها عناصر من الكوماندوز الأمريكية بدعم قوات استخبارية باكستانية استهدفت مقر إقامته المكون من 3 طوابق فى منطقة «أبوت أباد» على بعد 50 كيلومتراً شمالى العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وأضافت المصادر أن العملية استغرقت 40 دقيقة دون خسائر تذكر من جانب الأمريكيين، لكنها أسفرت عن مقتله وأحد أبنائه وقد يكون الأكبر و3 آخرين وسيدة، فيما اعتقل 6 من أبنائه وبعض حراسه.
وشاركت فى العملية 4 مروحيات أمريكية وتحطمت إحداها بسبب «عطل فنى» مما أجبر أعضاء الكوماندوز على تدميرها، وكانت المروحيات تحلق باستمرار، والمجمع السكنى الذى قتل فيه زعيم القاعدة بُنى قبل نحو 5 سنوات وبلغت تكلفته مليون دولار وبناه البشتون، ومحاط بأسلاك شائكة ويقع قرب قاعدة عسكرية باكستانية ولا تعرف الولايات المتحدة منذ متى كان يقطنه بن لادن، واستهدف الهجوم المجمع الذى تبلغ مساحته 3 آلاف متر مربع وتحيط به جدران عالية يبلغ ارتفاعها 14 قدما وتحيطها أسلاك شائكة وكاميرات مراقبة، ويقع فى منتصف المجمع بناية تتكون من 3 طوابق بحسب ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سى».
وقالت مصادر استخباراتية أمريكية إن معارك دارت بين بن لادن ومن كانوا معه فى المجمع السكنى المحصن فى بلدة أبوت أباد، ويقع المجمع على بعد 800 متر من أكاديمية عسكرية تعد الأرقى فى البلاد وكما يصفها المراسلون بأنها تشبه أكاديمية ساندهرست العسكرية فى بريطانيا. كما يقع المجمع بالقرب من مقار عسكرية للجيش الباكستانى ودائما ما تشهد المنطقة تواجداً أمنياً مكثفاً ونقاط تفتيش.
وبدأت العملية التى أسفرت عن قتل بن لادن فى الخامسة والنصف مساء الأحد بتوقيت جرينتش، ووفقا لشهود عيان، شارك فيها 4 مروحيات وكانت تحلق بشكل مستمر فوق المجمع، مما أثار ذعر السكان.
وبعد هبوط المروحيات التى تحمل فرقة الكوماندوز الأمريكية القادمة من أفغانستان خارج المجمع نزل منها رجال وتحدثوا إلى السكان باللغة المحلية البشتون ثم طلب منهم إطفاء الأضواء وعدم مغادرة منازلهم، وبعد قليل سمع دوى إطلاق نيران كثيف وأسلحة ثقيلة، وذكرت وكالة أسوشيتدبرس للأنباء أن هناك بوابتين للمجمع الذى لم يكن مجهزا بخطوط هواتف أو خدمة الإنترنت، ونقلت الوكالة عن شهود عيان قولهم إنهم شاهدوا ألسنة نيران داخل البناية بعد انتهاء الهجوم، وأضافوا أنه كان هناك نساء وأطفال داخل المجمع، ونقلت اسوشتيدبرس عن مسؤولين فى الاستخبارات الأمريكية قولهم إن البناية صممت بطريقة خاصة لإيواء «إرهابى». وأضافت أن الخبراء الأمريكيين بحثوا عمن يمكن أن يكون داخل مثل هذه البناية وقرروا أنه لا يمكن أن يكون شخصاً سوى بن لادن.
وصرح أحد السكان المحليين بأن المجمع بُنى منذ 10 أو 12 عاما وبناه رجل من البشتون ولم يكن سكان المنطقة على علم بهوية ساكنى المجمع. ووصلت قوات الأمن الباكستانية إلى موقع الهجوم بعد نهايته وقاموا بمحاصرة وتأمين المنطقة.
وقادت سنوات من الجهود الاستخباراتية الأمريكية إلى شن الغارة على مخبأ بن لادن بعد أن نجح عملاء أمريكيون فى تعقب مرسال كان محل ثقة لـ«بن لادن» قبل 4 سنوات، ليحقق الانفراج الذى طال انتظاره لاصطياد بن لادن بحسب مسؤول أمريكى، وقال المسؤول، الذى لم يكشف عن اسمه، إن أشخاصا مشتبهاً بضلوعهم فى الإرهاب قالوا خلال التحقيقات معهم إن هذا الرجل هو أحد مراسلى القاعدة القلائل الذين يثق فيهم بن لادن، وأضاف أن المتهمين قالوا إنه هو الشخص الذى ربما يعيش مع بن لادن ويحميه، إلا أننا لم نتمكن، على مدى سنوات، من التعرف على اسمه الحقيقى أو على موقعه.
وقبل عامين أعلنت الاستخبارات الأمريكية أنها حددت مواقع يعمل فيها هذا المرسال وشقيقه لكن بصعوبة تحديد مكانه بسبب دقة الإجراءات التى كانا يتبعانها، وقال المسؤول الأمريكى «عندما شاهدنا المجمع الذى يعيش فيه المرسال وشقيقه صدمنا لما رأيناه» لما له من بوابتين مؤمنتين وأكبر بكثير من باقى المنازل فى المنطقة ورغم أن قيمته تبلغ مليون دولار لكنه كان خاليا من الهاتف أو الإنترنت والإجراءات الأمنية التى تحيط بالمجمع غير عادية، وخلصت المخابرات الأمريكية إلى أن مواصفات المجمع وإجراءاته وشكله وموقعه كانت تتناسب مع المواصفات التى حددها الخبراء لما قد يكون عليه مخبأ بن لادن.
لكن قرب المجمع من إسلام أباد والإجراءات الأمنية جعلا فى عملية اقتحامه خطورة بشكل خاص، وأضاف «خطط المسؤولون الأمريكيون للعملية منذ شهر واجتمع أوباما مع مسؤوليه وجعل العملية سرا ولم يطلع عليها حتى باكستان، وفى الساعة 8.20 الجمعة الماضى بتوقيت واشنطن أصدر أوباما أوامره بساعة الصفر لتنفيذ غارة جراحية بمشاركة مروحيات عسكرية.
ومن جانبه، سرب معهد ستراتفور للدراسات الاستخباراتية المعروف بقربه من المخابرات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» بعض التفاصيل عن العملية التى استهدفت زعيم تنظيم القاعدة، وقال فى تقرير إن بن لادن قتل فى عملية نفذتها قوات أمريكية خاصة فى مدينة أبوت أباد، وسط معلومات عن تعاون استخباراتى باكستانى فى تقديم المعلومات الخاصة بالعملية.
وأثار المجمع الفخم، الذى أقام به بن لادن وزوجته الصغيرة، وعدد من أعضاء العائلة، شكوكا لدى المخابرات الأمريكية بحسب المعهد، فالإجراءات الأمنية كانت صارمة، حتى النفايات كانت تحرق ولا توضع فى المكان المخصص لجمعها، إلا أن المعلومات الأولية أفادت بأن بن لادن وأحد أبنائه كانا مختبئين فى منزل تحت حراسة مشددة لكن دون أى اتصالات لحظة وقوع العملية. وأفادت مصادر أمريكية بأن واشنطن أدركت إمكانية اختباء بن لادن فى المجمع مطلع هذا العام، وفى فبراير الماضى أكدت المعلومات المتوفرة إمكانية التحرك لاقتناصه، وفى منتصف مارس الماضى رأس الرئيس الأمريكى باراك أوباما سلسلة اجتماعات مع طاقمه الأمنى، ومع تأكيد آخر معلومات وردت فى 19 و28 أبريل الماضى، أعطى أوباما الضوء الأخضر للعملية الجمعة الماضى.
ونقل تقرير المعهد عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن العملية استغرقت 40 دقيقة اشتبك فيها بن لادن وحراسه مع المجموعة المغيرة التى قتلته وعددا من حراسه وسط معلومات عن مقتل ابنه لدى اقتحام المجمع. اللافت للنظر فى تقرير ستراتفور قوله إن الاستخبارات الباكستانية قدمت دعما معلوماتيا لكن الحكومة الباكستانية لم تعرف بتفاصيل العملية مسبقا، مما يشير إلى أن الخطة بقيت طى الكتمان حتى لحظة تنفيذها. وكشفت مصادر أمريكية رفيعة أن إدارة أوباما، تكتمت على المعلومات الاستخباراتية التى جمعتها حول مكان بن لادن قبيل العملية، ولم تطلع أى دولة، بما فيها باكستان، عليها لدواع أمنية. وعلمت قلة من المسؤولين الأمريكيين مسبقاً بالعملية التى انتهت بتصفية ألد أعداء الولايات المتحدة بعد مطاردة دامت زهاء 10 أعوام.
وذكرت مصادر إعلامية أخرى أن مدير المخابرات المركزية الأمريكية ليون بانيتا، المرشح لتولى منصب وزير الدفاع خلفا لروبرت جيتس، استدعى إلى الكونجرس فى وقت مبكر من صباح أمس للإدلاء بتفاصيل العملية.
وبينما رفض مصدر أمريكى تأكيد مشاركة الجيش الأمريكى فى العملية، إلا أن مصدراً عسكريا آخر كشف أن عناصر من القوات الأمريكية الخاصة التابعة للبحرية - سيلز«SEALs»- شاركت فى تنفيذها بعد أن تدربت عليها عدة مرات، وانتقلت القوة عبر مروحية عسكرية من أفغانستان.
وذكر المسؤول أن 3 رجال قتلوا أثناء العملية، بجانب امرأة استخدمت كدرع بشرية لدى اقتحام المجمع، نافيا سقوط أى ضحايا بين القوة الأمريكية المهاجمة، وأظهرت مقاطع فيديو عرضتها قناة «جيو» الباكستانية ألسنة اللهب تتصاعد من المجمع.