الكاتب والمحامى الكبير رجائى عطية: نجاح الانتخابات الرئاسية بداية «جنى الثمار» (حوار)

كتب: طارق صلاح الخميس 10-05-2018 06:26

«لم يعد للموت ميادين، بل صار فى أعراف الإرهاب ساعياً إلى عباد الله فى كل مكان قتلاً وتدميراً، بلا سبب أو هدف إلا بث الرعب والترويع».

فى تلك اللحظات كان الكاتب والمفكر والمحامى الكبير، رجائى عطية، فى حالة استدعاء لـ«حالة من نزف الروح»، مستغرقاً فى تأمل ما فعله «الإرهاب» فى وطن كل جريمته أنه «أراد الحياة». وسرعان ما تبدلت مشاعر الرجل، خلال الحوار الذى استغرق أكثر من 90 دقيقة، والذى لم يتخلَّ خلاله عن جرأته المعهودة، والإبحار فى «أحلام وآلام الوطن»، وهو يترقب جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى.

وشدد «رجائى» على أن نجاح مصر فى انتخابات رئاسة الجمهورية، قبل أسابيع، والتى فاز بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والعملية الشاملة للقضاء على الإرهاب فى سيناء، أهّلا البلاد لأن تكون صاحبة اقتصاد قوى فى المستقبل القريب، واعتبر حكم جماعة الإخوان لمصر خلال «عام الرمادة» جلب لمصر أطماعاً خارجية ومؤامرات لا حصر لها، ووضع البلاد فى أخطار محدقة من كل اتجاه.

ووصف «رجائى» النخبة والمثقفين بأن أداءهم «غير مُرضٍ»، وطالبهم بالتخلى عن الخلافات والعمل من أجل المشاركة فى بناء الوطن، الذى يحتاج إلى الجميع للوصول به إلى الأمل المرجو.. وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور«رجائى عطية »

■ فى البداية.. ما تقييمك لانتخابات الرئاسة؟

- فى تقديرى أن نجاح الرئيس السيسى فى الانتخابات الرئاسية بأغلبية كاسحة هو البداية الحقيقية لجنى ثمار قرارات الإصلاح.

ومن المهم جداً إدراك طريقة تعامل الرئيس مع الوطن وإيثاره له على أى شىء آخر حتى لو كانت شعبيته، فما من حاكم إلا وفى ذهنه أن يرضى الناس، ليأمن استقرار حكمه واستدامته ما أمكن، ونادراً جداً بين الحكام على مدار التاريخ مَن قدّم الصدق على الاسترضاء.

والناس تحب ما يريحها ويوافق مطالبها ويلبى احتياجاتها ويؤمِّن لها يومها قبل غدها على طريقة «إحيينى النهارده وموِّتنى بكرة»، وبُعد النظر والصدق مع النفس والغير شميلة جميلة وعزيزة ومأمولة، ولكنها قد تأتى بما لا تستقر به المطالب الآنية.

والمضى فى الاسترضاء بالتمويه والترحيل والمسكنات والخضوع لإملاءات الخارج على حساب الأمن القومى للبلاد، والمستقبل، وعلى حساب السيادة والكرامة الوطنية، أمر لا يقيم دولاً، فما أسهل الاسترضاء، الذى لا يؤمن به السيسى.

وما أصعب الصدق مع النفس، خاصة لو كان الحاكم يواجه صعوبات ومشاكل ومعضلات من الجذور، والطريق إلى ذلك شاق وطويل، ويستنزف رصيد أى حاكم ويأخذ من شعبيته.. خيار المواجهة صعب، لكن ما أسهل خيار الاسترضاء.

وقد تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم وهو يتمتع من قبل أن يتولاه بشعبية حقيقية جارفة تغرى أى حاكم بأن يستزيد منها، لكن الرجل جازف برصيده الشعبى الهائل من أجل أن يكون لمصر والمصريين لا عليهم، واختار الطريق الصعب، وتوالت القرارات بعيدة النظر، التى تُصْلح الخرق ولا تسترضى، والتزم العلاج من الجذور، وتكبد الكثير من المشاق والصعاب التى لا يستطيبها معظم الناس، وأيقن أنه لن تخْضَرّ الصحراء إلا بعمل مُضْنٍ مخلص وجاد ودؤوب.

■ لماذا اختار الرئيس السيسى الطريق الصعب من وجهة نظرك؟

- الرئيس آمن بأنه يجب أن ينهض المصريون لتحيا مصر وتخرج من الكابوس من خلال مواجهة المشكلات بشكل حقيقى، وليس عن طريق وضع حلول مؤقتة بهدف استرضاء الناس، وكان من السهل ألا يتكبد مشقة إنجاز المشروعات الكبرى، ومن بينها حفر قناة السويس الموازية، التى كانت مشروعاً قومياً، إلى جانب إنشاء مشروعات المدن البديلة، وتقوية الكهرباء ومَدّ شبكة الطرق الضخمة والجسور فى ربوع مصر لخدمة التنمية، وحفر الآبار والسحارات والأنفاق أسفل قناة السويس لتهيئة الأسباب والسبل لتعمير سيناء وإغلاق وتجفيف منابع الإرهاب وتأمين حدودنا الشرقية، فضلاً عن نفقات المشروعات العملاقة فى كل باب ليكون لمصر ما تحيا عليه بثرواتها وسواعد بنيها، ودعم الجيش المصرىـ برياً وجوياً وبحرياًـ ليكون درعاً وسيفاً لمصر، يحمى حدودها وشطآنها، ويؤمِّنها فى باب المندب، ويحمى غازها فى البحر الأبيض المتوسط، ويصد الطامعين فيه وفينا.

■ ماذا عن قرارات الإصلاح الاقتصادى؟

- الإصلاح والتنمية الحقيقية لا يتحققان بالتمنى، وإنما هما عبء لابد أن تتحمله الأوطان التى تحمى حاضرها وتنظر إلى غدها، وبقى أن أقول إنه غير صحيح أن تُعزى زيادة الأسعار فقط إلى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة أو تعويم الجنيه، وإن كان ذلك يبدو ظاهرياً السبب الحقيقى فى نظرى.

وكما قلت سلفاً- فى حديث سابق معك- إن المشكلة تكمن فى التعامل على مدى أكثر من 60 عاماً بمنطق المسكنات وترحيل المشاكل، تفادياً لما عساه يضعف النظام، دون الانتباه إلى ما لهذا من أثر مدمر فى إضعاف مصر نفسها.

■ هل كان الواقع فى السابق مريراً إلى هذا الحد؟

- بالطبع.. وإذا أردت أمثلة، فانظر إلى العشوائيات، وتأمل كيف تراكمت على مدى عشرات السنين دون أن يواجهها أحد بالحل السياسى والاقتصادى الواجب، ما أدى إلى تآكل الرقعة الزراعية، وتحول القرية المصرية من مركز منتج يمد المدينة والشعب إلى مركز «طارد» يهرب منه أفراد القرية طلباً للطموح فى حياة المدينة، وأملاً فى حياة أفضل من الحياة فى القرية، التى أُهملت فيها كل أنواع المرافق حتى لم تعد تصلح إلا للحيوان، وما ترتب على ذلك من ازدحام المدن وضمور دور القرية المنتجة.

وانظر أيضاً إلى أن الأصل فى قيمة العملة الوطنية مستمد فى الحقيقة من درجة متانة اقتصادها، فإذا ما تآكل الإنتاج والاقتصاد، انخفضت قيمة العملة الوطنية، وما يقال عن هذه وتلك يقال عن الخلل الرهيب فى ميزان المدفوعات، وعن كثير من المشاكل التى رحّلناها على مدى أكثر من 60 عاماً، وتعاملنا معها بمنطق المسكنات، وهربنا من المواجهة إلى العلاجات المخدرة، فأدى ذلك إلى تفاقم المشكلات حتى تحولت إلى معضلات.

■ هل تتفق مع من يرون أنه لم يكن هناك بديل حقيقى لإنقاذ البلاد سوى ذلك؟

- بالتأكيد.. فلم يعد هناك غناء أو بديل سوى العلاج من الجذور ومواجهة الواقع بما يقتضيه ودون مجاملة أو تجميل لأحد، فإننى أرى سياسة اتجهت وتتجه إلى العلاج من الجذور، وأرى لها مردودات لتحويل مصر إلى دولة أكثر إنتاجاً، وتبنى مشروعات رائدة تحقق هذه الغاية، ومواجهة الواقع بما يقتضيه، وهذا هو فى نظرى سبب تعويم الجنيه ليساير واقعه فى سعر الصرف، ولسبب ارتفاع الأسعار لست أبتغى إحصاء الإنجازات، ولا المديح والإطراء، وإنما أن أضع يدى على مغزى ما كان من موقف وسياسة الصدق مع النفس والغير، ومغزى وآية ما كان من موقف الشعب المصرى!.

ويقول لنا التاريخ إن الظروف جعلت الناس تدبر عن الإمام على وتقبل على معاوية، والتاريخ ملىء أيضاً بحكام أثاروا حماس الناس ورضاءهم، فتحقق لهم امتلاك الشعبية وإحكام القبضة، ولكنهم قادوا شعوبهم فى النهاية إلى كوارث، وليس بعيداً ما كان من أمر نابليون بونابرت، ولا ما كان من أمر موسولينى وهتلر.

■ وفى تقديرك كيف تعامل الشعب المصرى مع هذه الطريقة؟

المصري اليوم تحاور«رجائى عطية »

- الاسترضاء يرضى ومستطاب والصدق مع النفس والغير يستنفد من الرصيد ومن الرضاء، ولكن فضيلة الصدق مع النفس والغير أم الشمائل، التى بها تعمق رؤية البشر وتستقيم مقاصدهم وأعمالهم على المحجة التى تنصلح بها الحياة وحيواتهم فيها.

وإذا كان يُحسب للصادق أنه لم يتردد فى اختياره، فإن الآية الكبرى تُحْسب للمصريين، أنهم على خلاف المتوقع وعلى خلاف المجريات العادية للأمور، فهموا وقدَّروا، ولم يكن ما يتكبدونه فى سبيل الإصلاح منزلقاً لاستنفاد الرصيد الكبير الذى بدأ مع حمل الرئيس أمانة الحكم، وإذا بالمصريين يمنحونه من الثقة ما سبق أن منحوه إياها قبل 4 سنوات.

■ كيف تقرأ عملية «سيناء 2018»؟

- هذه عملية عظمى مشتركة بين الجيش المصرى بقواته البرية والجوية والبحرية وبين الشرطة بجميع أجهزتها للقضاء على منابع الإرهاب فى مصر، بل أرى أن هذه العمليات هى الحل الوحيد لاجتثاث جذور الإرهاب من مصر، ليس فقط فى سيناء، وإن سُميت العمليات باسمها، وإنما أيضاً فى الوادى وفى ظهيره بالصحراء وعلى حدودنا الغربية، فضلاً عن الحدود الشرقية الشمالية، التى تجرى فيها معظم العمليات الحربية الدفاعية للتصدى للإرهاب الأسود، ومحاصرته فى جميع الجبهات، واقتلاعه من بلادنا، واجتثاث جذوره حتى لا يعود للظهور فى موقع آخر لتشتيت قوانا العسكرية والبشرية والاقتصادية والمعنوية.

بل دعنى أقل إن هذه العمليات تحية أيضا وسلام إلى شهدائنا الأبرار، الذين جادوا بأرواحهم وأُريقت دماؤهم وهم يدفعون عن مصر وشعبها هذا الإرهاب الأسود الذى تقف وراءه قوى كبرى وأخرى صغرى تدّعى كذباً أنها ضد الإرهاب، وهى عمليات تجدد ذكرى شهداء لنا رحلوا فى عمليات إرهابية خسيسة، وتستحضر دماء شهدائنا القائمين الآن بتأمين مصر وبنيها، وآخرين يعرّضون حيواتهم، حتى ليصدق فيهم قول الحق عز وجل: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (الأحزاب 23). لا يعرف أحد منا ما نصيبه من هذه الشهادة، غداً، فلم تعد الشهادة مقصورة على مَن يخوض غماراً، أو يقاتل أو يدافع لرد أذى، أو يرابط على حراسة ثغر أو مرفق، أو ينتظم فى صفوف مكلفة بواجب حماية مصر والمصريين، أو يتعقب شراً ليكفى الناس أذاه، أو يفى بما تتطلبه واجبات عمله أن يكون فى مواطن الخطر، حيث ينشر الإرهاب الأسود شبح القتل والذبح والنحر والسحل والإهلاك فى كل ربع من ربوع مصر وفى كل مكان، وقد يلتزم بهدف ضرير حيناً، ولكنه يضرب ضربات عشوائية بلا هدف فى كثير من الأحيان، لا يعنيه مَنْ القتيل، ولا بأى ذنب قُتِل!.

■ ما قراءتك لتحركات الجماعات الإرهابية فى الفترة الأخيرة؟

- أخطر ما فى هذا الإرهاب الأسود عشوائياته، أيًا كانت كياناته ومسمياته وأعنى بالعشوائيات الإرهابية أن كل هذه الكيانات الضالة والمأجورة قد أجمعت على استباحة الأرواح والدماء فى عمليات عشوائية تختار هى لها المكان والزمان والظرف لتكون مفاجأة للأمن المصرى بعامة، ويتعذر من ثم التصدى لها. هذه العمليات الدنيئة قوامها الغدر والخسَّة والنذالة، تحصد الأرواح حصدًا فى كل اتجاه، فلم تعد الشهادة مقصورة على جند مصر، وإنما طالت الأطفال والنساء والشيوخ، قد ينفجر فيهم قنبلة أو لغم، أو تصيبهم طلقات طائشة، أو تأتى عليهم حرائق، أو يستشهد أحدهم فى ميتة عبثية لا يبالى بأسبابها أشاوسُ الإرهاب وزرَّاع الموت والهلاك! حتى سلام الدفن الذى يُبرِّد بعض نار الثكالى والأيتام، قد حُرِمَ منه كثيرٌ من الشهداء الذين تطايرت وتناثرت أجسادهم أشلاءً فى التفجيرات الضريرة، أو فى التعامل مع قنبلة مزروعة لتأمين الناس منها، حتى جددنا فكرة قبر «الجندى المجهول»، لنقيم نُصُبًا «للشهيد المجهول».. ليجد فيه أهالى الشهداء، من العسكريين والمدنيين، من الفتية والشيوخ والنساء والأطفال، عزاءً فى زيارتها بعد أن عَزَّ عليهم جمع ودفن أشلاء شهدائهم!. وتعددت وتتعدد وتختلف وتتباين صور وأشكال شهداء الإرهاب، ولكن يجمع بينهم جميعًا، على اختلافهم واختلاف الظرف الذى قتل فيه كل منهم، أنهم قد قتلوا ظلمًا وعدوانًا.. وأنهم يصدق عليهم ما قاله القرآن المجيد: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا» (الإسراء 33).. ويجمع بينهم أنهم جميعًا عند الله شهداء، مِنَ الذين يصدق عليهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

ومن هؤلاء الشهداء من توقع الشهادة وتوقعها ذووه، وربما طلبها ـ قيامًا بواجبه ـ حتى ليصدق عليه الحديث الشريف: «من سأل الله الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء وإنْ مات على فراشه».

لكن من هؤلاء الشهداء من قُتِلَ غيلةً وغدرًا، فى داره أو مكان عمله أو فى طريقه ومسعاه إليه، فتأتى مفاجأة ذويه فى فقده مفاجأة مزدوجة، على غير حسبان ولا توقع، فلم يعد للموت ميادين، بل صار فى أعراف الإرهاب ساعيًا إلى عباد الله فى كل مكان، يعمل فيهم القتل، بلا سبب وبلا غاية وبلا هدف، إلاَّ بث الرعب والترويع، وأيضًا لغير ما هدف أو غاية يعرفها العقلاء، فما لمثل هذه الأعمال الطائشة الضريرة أن تولِّى حُكْمًا أو تقيم نظامًا.

وإذا كان كل من ينال الشهادة غدرًا وغيلةً على غير توقع، هو عند الله شهيدا، فإننى كثيرًا ما تساءلت ماذا عساه يقول لنفسه كل جندى وضابط، من الشرطة أو من الجيش، وهو يغادر كل يوم بيته وأسرته مودعًا.. هل وداعه ككل الناس، مثلى ومثلك، ذهاب إلى إياب، أم أنه وداع مودع حاضر فى وداعه أنه قد يكون بلا عودة، فالموت مزروع أمامه فى كل لحظة، وهو يبذل روحه فداءً لوطنه وشعبه، يصدق عليه أنه يبذلها أريحية ونخوة، لا لمنفعة أو غنيمة.

ومصر كانت تودع كل يوم شهداء من جندها وضباطها ومدنييها، من رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، إليهم وإلى ذويهم، وقد نلحق بهم غدًا، نزجى تحيةً وسلامًا.. وبشارةً إلهية عزيزة، أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحون بما آتاهم الله من فضله ما تعرضت وتتعرض له مصر، من حصد أرواح بنيها، وهدم وتدمير مرافقها، وممتلكاتها العامة والخاصة، وإهلاك الزرع والضرع، ومصادرة حاضرها ومستقبلها ـ قد استوجب أن تكرس الدولة عمليات عسكرية شاملة: برية وجوية وبحرية، فى سيناء بعامة، ووسطها وشمالها بخاصة، وفى الدلتا، وفى الظهير الصحراوى غرب وجنوب الوادى، لاستئصال شأفة الإرهاب، وتجفيف منابعه، وحماية مصر وأمنها القومى ستحيا مصر وإن رغمت أنوف المتربصين بها.

■ لكن ما التحدى الأخطر الذى ترى أنه واجه مصر؟

- واجهت البلاد تحديًا خطيرًا بدأت نذره من قبل يناير 2011 واشتدت بعده، وبلغت حدًّا بالغ الخطر إبان سنة حكم الإخوان، وواجهت مصر فى أعقابه أخطارًا محدقة من كل جانب. ما بين تربص وتآمر وأطماع دول كبرى وفى أذيالها صغار، وما بين إرهاب يعيث فى الوادى حرقًا وتدميرًا واغتيالاً وقتلاً وسحلاً، ويعلن حربًا ضروسًا فى سيناء، وما بين أزمة اقتصادية طاحنة بلغت غاية مداها من الخطر المشرف على الإفلاس.

كان هذا الإفلاس نتيجة حتمية جاوزت التوقع إلى اليقين المحقق القادم ووَازَى ذلك قنابل متفجرة من جراء طول سياسة الترحيل والتسكين بالمسكنات، ونمت العشوائيات على مدار سنين حتى صارت معضلات مستعصية تركها على حالها نذير شؤم على البلاد والعباد، وشاع فيها البؤس والفقر، وأدى الاختناق إلى أمراض عضال جاوزت المخدرات وتوابعها إلى زنا المحارم، فى غياب القيم وغياب الأمن وغياب المرافق على السواء ميزان المدفوعات بلغ حد الخطر، والديون الخارجية أقساطها متلاحقة تستنزف الحاضر والمستقبل، والكهرباء متهالكة، والمصانع شبه متوقفة، والتجارة الخارجية فى أدنى مستوياتها، والبطالة ضاربة أطنابها، والأزمة بلغت حدودها القصوى حتى أشرفت مصر على الإفلاس والتوقف عن الدفع، والأزمة قد استفحلت بين سعر الصرف الواقعى وسعر الصرف المفروض حتى فقدت العملة الوطنية معظم قيمتها، وتزايدت أعباء الدعم التى استمرأت الاسترضاء بالمسكنات دون تبصر بخط النهاية المرّة التى اشرأبت.

■ وكيف ترى مصر خلال السنوات القليلة المقبلة، بعد هذين الحدثين، انتخابات رئاسية وحرب على الإرهاب؟

- أرى خيرًا محققًّا، فالإرهاب يتداعى ويلفظ آخر أنفاسه، وانتصارنا عليه أحرج كثيرًا من القوى المستترة والظاهرة الواقفة من ورائه دعمًا بالمال والسلاح والتأييد.

وسقوط الإرهاب يعنى أمان مصر وأمان شعبها وأمان مشروعاتها وأعمالها، وأمان يومها وغدها، ويعنى إيقاف نزيف الدماء الزكية التى تُهدد بغير حق، ويعنى توقف التدمير والإهلاك اللذين يستهدفان خراب مصر وتركيعها لصالح القوى المستترة وراء الإرهاب، ويعنى تخفيف ما نتكبده من أرواح وعتاد وسلاح وأموال فى مقاومته، إلى جانب أن الفترة المقبلة ستشهد جنى ثمار قرارات الإصلاح، والمشروعات التى تم تشييدها.

وفى كل هذا خير محقق لمصر وأرى بالتوازى معه خيرًا آخر أستطيع أن أتوقعه أو أراه ماثلاً فى الأفق فمن المتوقع أن يستكمل الرئيس مشروعاته الإصلاحية الكبيرة فى مصر، فاكتمالها خير محقق لمصر، وأتوقع مع ذلك تخافت الأعباء التى حملناها أو تحملناها تحقيقًا لأمل مصر والمصريين فى غدٍ مشرق نتابع فيه نهضتنا. هذا التوقع ليس محض حلم، وإنما أصول الاقتصاد والصناعة والتجارة تؤيده، فالنجاح المتتابع للمشروعات المستكملة يأتى بدخل للبلاد، وفى الوقت نفسه يرفع عن كاهلها ما كانت تتحمله لترميمها وإصلاحها والنهوض بها. وهلم جرا لا أخفى أنى متفائل، ولكنه تفاؤل محسوب برؤيته وأسانيده وموجباته.

■ أراك متفائلاً جداً بأن الخير قادم قريباً؟

المصري اليوم تحاور«رجائى عطية »

- ذكرت لك أن سياسة الصدق مع النفس بدلاً من الاسترضاء، سياسة مكلفة، ولكنها تكلفة أو معاناة مؤقتة، تأتى بثمارها المؤكدة حين تفلح سياسة الإصلاح فى الوصول إلى غايتها فيخف العبء ويأتى الدخل وما أراه مما تحقق فى السنوات الأربع القصيرة الماضية، يطمئننى إلى أن القادم أفضل بإذن الله.

■ وما تقييمك للأحزاب حاليًا؟

- فى الواقع لا وجود لها، وإن كان هذا الواقع مرًّا وسلبيًّا وموجعًا!

■ هناك شكوى من الأحزاب بعدم وجود مساحة حرية للعمل السياسى؟

- هذه مبررات، فالمساحة موجودة ولكنها لا تُمَارس، ويقتصر أداء الأحزاب على خمسة أو عشرة من المتحكمين فيها بالظهور التليفزيونى والإعلامى لعرض أنفسهم، دون مردود حقيقى على أحزابهم، بينما العمل الجماهيرى للأحزاب صامت صمت القبور لا حياة فيه!

■ كيف ترى الحريات العامة الآن؟

- لا بأس بها فى ضوء ظروفنا الصعبة الحالية التى نمرّ بها، ومحاصرتنا فضلاً عن الإرهاب بقوى داخلية وخارجية تريد الإضرار بنا لكنى مع ذلك أطمع فى المزيد، وأن يلقى هذا الملف مزيدًا من الإنعاش، لأن فيه المستقبل الحقيقى والآمن لمصر.

■ وما تقييمك لأداء النخبة والمثقفين؟

- لا أملك تقييم النخبة والمثقفين، ولكن المحقق أن النخبة موجودة، والمثقفون موجودون وإنما يرد التقييم على أداء النخبة والمثقفين، وهل يتفق من عدمه مع إمكانياتهم واحتياجات مصر؟! الواقع أنى لست راضيًا عن هذا الأداء، فهو ليس على ما يرام، وظنى أنه واجب على النخبة والمثقفين الخروج من وهدة الخلافات أو السلبيات والقيام بدور فاعل ومجدٍ وبَنَاَّء لمصر والمصريين.