كما يقول المثل الشعبى المصرى «الأهم من الشغل ظبط الشغل»، هذا ما يعتمد عليه الشعب الإندونيسى فى معظم أعماله التى يقوم بها، والتى تكون غالبيتها أعمالا يدوية، حتى وإن كانت دول العالم أدخلت الماكينات فى تلك الصناعات، إلا أن الشعب الإندونيسى لا يزال يحافظ على تراثه وإرثه من الأعمال اليدوية.
مئات الملايين من المواطنين على مستوى العالم يدخنون السجائر باختلاف أنواعها، والمتعارف عليه فى صناعة السجائر أنها مصنوعة بطريقة مميكنة، ويتم «لف» السيجارة وتعبئتها فى العلبة الخاصة بها عن طريق ماكينات مخصصة لذلك، كما أن هناك أنواعا من شركات السجائر موجودة فى كل دول العالم، أينما تذهب تجدها لأنها شركات عالمية.
ولكن الشعب الإندونيسى قرر تغيير هذه العادة، واستمر فى الحفاظ على تراث بلده فى صناعة السجائر، والتى يعتمدون فيها على لف السجائر يدوياً ومن ثم تعبئتها فى العلب الخاصة بها، وتتميز السجائر المحلية الإندونيسية بأن جميعها بنكهة القرنفل، كما أنه من النادر هناك أن تجد أنواع السجائر العالمية المنتشرة فى دول العالم، لاعتمادهم على تشجيع الصناعة المحلية.
فى مدينة سورابايا الإندونيسية عاصمة ولاية جاوا الشرقية، قمنا بزيارة متحف ومصنع سجائر «سمبورنا»، للتعرف على كيفية صناعة السجائر فى إندونيسيا، والذى كان قبل تحوله لمصنع سجائر ملجأ للأيتام.
فور وصولك لموقع المصنع، تجده من الخارج أشبه بمتحف تاريخى يقصده السياح، ويتكون المبنى من طابقين، ولحظة دخولك من البوابة الرئيسية له تجد أن المصنع مصمم بالفعل ليكون الطابق الأول منه متحفا تاريخيا للمصنع، يحكى فيه كيفية نشأته، ويعرض صورا لبداياته، وأنواع التبغ التى يستعملونها، ويقصده السياح للتعرف على تلك الثقافة.
كما أن هناك مرشدين تابعين للمصنع، يصاحبون الأفواج السياحية لإخبارهم بكل ما يريدون التعرف عليه، ويوجد معرض صغير لبيع التذكارات.
وبعد الانتهاء من التجول فى هذا الطابق تصعد إلى الدور الثانى لتجد نفسك أمام مشهد رائع لعمال المصنع، وكانوا جميعهن سيدات، ولكنك لا تتمكن من التواصل معهم، بسبب وجود زجاج عازل فيما بينكم، ومعلقة عليه لافتة (ممنوع التصوير)، وتجد أمامك حوالى 400 عامل وعاملة يجلسون فى سكون تام، لا يركزون فى شىء سوى العمل.
وكانت المفاجأة أن السجائر الإندونيسية المشابهة لما يدخنه أى مواطن على مستوى العالم، ولكن يتم لفها على الأيدى واحدة بواحدة عن طريق هذه العمالة، ولهذا ينقسم العمال إلى مجموعات: الأولى تجمع التبغ، والثانية تحضر (البافرة)، والثالثة توفر (الفلاتر)، والمجموعة الرابعة وهى الأكبر عدداً من تشكل من كل هذه المكونات السجائر، والماكينة الوحيدة التى يستخدمها العمال هى التى تخرج مادة اللص لـ(البافرة)، وبعد ذلك تصل السيجارة للمجموعة الخامسة والأخيرة لتعبأ وتخرج إلى الأسواق.