دراسة لمنظمة الصحة العالمية بـ4 آلاف مدينة فى 100 دولة أظهرت نتائج كارثية

90 % من البشر يتنفسون «هواءً مسموماً»
كتب: محمد منصور, محمود السيد الأربعاء 02-05-2018 08:49

في دراسة أجريت عن تلوث الهواء على أكثر من 4000 مدينة في 100 دولة كشفت منظمة الصحة العالمية أن 9 من بين 10 أشخاص في العالم يتنفسون هواء يحتوى على مستويات عالية من الملوثات، مشيرة إلى أن أكثر من 7 ملايين شخص يتوفون كل عام بسبب تنفس الهواء الملوث.

وقال الدكتور «تيدروس أدهانوم»، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إنه من غير المقبول أن أكثر من 3 مليارات شخص- معظمهم من النساء والأطفال- لا يزالون يتنفسون الدخان القاتل في كل مرة يستخدمون فيها المواقد الملوثة والوقود في منازلهم، مشيرًا في تصريحات نقلها البيان الصحفى الصادر عن المنظمة، الذي حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه، إلى أن الدول عليها «اتخاذ إجراءات عاجلة، فدونها لن نقترب أبدًا من تحقيق التنمية المستدامة».

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالى 7 ملايين شخص يموتون كل سنة جراء التعرض للجسيمات الدقيقة في الهواء الملوث، إذ تخترق تلك الجسيمات الرئتين والقلب والأوعية الدموية، مما يسبب الأمراض القاتلة، بما في ذلك السكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الانسداد المزمن والتهابات الجهاز التنفسى بما في ذلك الالتهاب الرئوى.

وتسبب تلوث الهواء المحيط في 4.2 مليون حالة وفاة في عام 2016، بينما تسبب تلوث الهواء المنزلى بسبب أعمال الطهى باستخدام الوقود في وفاة ما يقدر بنحو 3.8 مليون شخص في الفترة نفسها.

وتحدث أكثر من 90% من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، خاصة في آسيا وأفريقيا، تليها البلدان منخفظة ومتوسطة الدخل في منطقة شرق المتوسط وأوروبا والأمريكتين.

ولا يزال حوالى 3 مليارات شخص، أكثر من 40% من سكان العالم، غير قادرين على الوصول إلى تقنيات طهى حديثة، ما يُسبب تلوث الهواء الداخلى للمنازل، وتقول منظمة الصحة العالمية إنها تقوم منذ عقد من الزمان برصد تلك المستويات الآخذة في الارتفاع.

إنفوجرافيك يوضح مستويات تلوث الهواء

ويُعد تلوث الهواء عامل خطورة حاسما للأمراض غير السارية، إذ يُسبب 24% من جميع حالات وفيات البالغين بأمراض القلب، و25% من السكتات الدماغية، و43% من أمراض الانسداد الرئوى المزمن، و29% من أمراض سرطان الرئة.

ويؤدى التعرض للهواء الملوث داخل المنزل إلى ارتفاع خطورة الالتهاب الرئوى في مرحلة الطفولة إلى الضعف، وتقول المنظمة إن أكثر من نصف الوفيات الواقعة بين صفوف الأطفال دون الخامسة تحدث بسبب الإصابة بالالتهابات في الجهاز التنفسى السفلى بسبب استنشاق الجسيمات الموجودة في الهواء الداخلى الملوث بسبب حرق الوقود الصلب، والذى ينجم عنه أيضًا مرض القلب الإفقارى.

وتُعد النساء الفئة الثانية الأكثر تعرضًا للأمراض الناجمة عن التلوث الداخلى، بسبب احتمالات تعرضهن لمستويات عالية من الدخان المنبعث في الأماكن المغلقة، وتقول الدراسات السابقة إن النساء اللائى يستخدمن وقودًا نظيفًا أقل عرضة لأمراض الانسداد الرئوى المزمن بنحو 3 أضعاف، أما التلوث بالجسيمات في الأماكن المفتوحة فيؤدى إلى سرطان الرئة، إذ إن تلك الجسيمات مُصنفة ضمن المواد المسرطنة، كما تؤدى إلى التهاب المسالك الهوائية وإضعاف الاستجابة المناعية والتقليل من قدرة الجسم على حمل الأوكسجين.

ويوجد دلائل على وجود صلات بين تلوث الهواء وانخفاض الوزن عند الولادة، والإصابة بداء المياه الزرقاء وسرطان الأنف وسرطان الحنجرة، كما قد ينجم عنها ارتفاع ضغط الدم.

وتُعد الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية حديثًا هي الأكثر دقة من نوعها، إذ شملت قاعدة بيانات تضم أكثر من 4300 مدينة في 108 دول.

وقامت المنظمة بقياس تركيزات المواد الدقيقة في الهواء الجوى، علاوة على الملوثات الغازية كالكبريت والنترات والكربون الأسود، والتى تشكل أكبر المخاطر على صحة الإنسان.

وقالت المنظمة في الدراسة إن الكثير من المدن الضخمة في العالم تتجاوز المستويات الإرشادية فيما يتعلق بجودة الهواء بأكثر من 5 أضعاف، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على صحة البشر، حسب الدكتورة ماريا نيرا مدير إدارة الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية.

وترى «ماريا» وجوب تسريع الاهتمام السياسى بهذا التحدى العالمى، عبر الزيادة في أعداد المُدن التي تم تسجيل ومراقبة وتقييم نوعية الهواء بها.

ورغم أن البيانات الحديثة تُظهر مستويات تلوث لا تزال مرتفعة بشكل خطير إلا أنها تُظهر أيضًا بعض التقدم الإيجابى في بعض الدول، فعلى سبيل المثال؛ وفرت الهند وقودًا نظيفًا لنحو 37 مليون سيدة يعشن تحت خط الفقر في إطار دعمها لاستخدام الطاقة المنزلية النظيفة والمجانية.

وتقول المنظمة إن المكسيك أيضًا تتخذ خطوات جادة في الانتقال إلى الحافلات الخالية من السناج، وحظر السيارات الخاصة التي تعمل بالديزل عام 2025.

وتعد المصادر الرئيسية لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة هي الاستخدام غير الفعال للطاقة من قبل الأسر والصناعة وقطاعى الزراعة والنقل ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، علاوة على جزيئات الغبار الرملية والصحراوية وحرق النفايات وإزالة الغابات والعوامل الموسمية.

وتشير الدراسة الصادرة من المنظمة إلى أن تلوث الهواء لا يعترف بالحدود، وبالتالى فإن تحسين متطلبات نوعية الهواء يجب أن يتم بالتنسيق على المستويات الحكومية، إذ تحتاج البلدان للعمل سويًا لتقديم حلول مستدامة تشمل قطاعات الطاقة وإدارة النفايات والتخطيط الحضرى والتنمية الريفية والنقل.

وشكلت منطقة إقليم شرق المتوسط وجنوب شرق آسيا أعلى مستويات تلوث الهواء في العالم، فيما انخفضت تركيزات المواد الملوثة في كل من أوروبا والأمريكتين.

وجاء على رأس قائمة المدن الأكثر تلوثًا بالجزيئات التي يقل قطرها عن 10 ميكرون مدينة «دلهى» الهندية، بمتوسط سنوى يصل إلى تركيز 280 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء (14 ضعف المتوسط العالمى الموصى به)، تليها القاهرة الكبرى المصرية بمتوسط سنوى يصل إلى تركيز 270 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء (13.5 ضعف المتوسط العالمى الموصى به)، واحتلت مدينة المعامير في البحرين المرتبة الثالثة في المدن الأكثر تلوثًا بالجزيئات التي يقل قطرها عن 10 ميكرون بمستويات 260 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء (13 ضعف المتوسط العالمى الموصى به) وحلت مدينة الرياض في المرتبة الرابعة بمستويات 210 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء، وجاءت مدينة لاهور الباكستانية في المرتبة الخامسة بتركيز جزيئات وصل إلى 10 أضعاف المتوسط العالمى الموصى به.

واستخدمت منظمة الصحة العالمية البيانات المدرجة في قواعد معلومات الدول استنادًا للقياسات اليومية، أو البيانات التي تم تجميعها بوسائل اختبار علمية من أجل تقييم نوعية الهواء الذي يتعرض له الإنسان، ومعظم القياسات الحضرية تمت باستخدام وسائل القياس الثابتة التي غطت فترة زمنية محدودة، كما قامت المنظمة بإنشاء محطات قياس متنقلة في النقاط الساخنة أو المناطق الصناعية، وقامت بمراقبة المتوسطات بطريقة إحصائية لضمان الدقة.

وكان للدراسة مجموعة من المحددات لضمان دقة القياس شملت أخذ عينات من مواقع مختلفة، واستخدام طرق قياس مختلفة وتغطيات زمنية مختلفة للابتعاد عن احتمالات الخطأ بسبب الموسم الذي تم القياس فيه، كما قامت بقياسات في مناطق ذات أحجام سكانية مختلفة؛ إذ لم يقتصر القياس على المدن الكبرى فحسب، بل امتد ليشمل مدنا صغيرة لا يسكنها سوى بضعة آلاف من البشر.

وقامت المنظمة بإغفال البيانات غير الكاملة، كما أبدت مجموعة من الملاحظات والتحسينات على قواعد البيانات القديمة، لضمان شمولية الدراسة.

وتقول المنظمة إن مستويات التلوث ترتفع- بشكل عام- في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، فيما تقل في البلدان ذات الدخل المرتفع، وقد تبين أن معدلات التلوث تؤثر على العمر وتخفض من متوسط العمر المتوقع لمدى يصل إلى 24 شهرًا.

ورغم المستويات العالية للتلوث والتى سجلتها المنظمة مؤخرًا، إلا أن «تيدروس أدهانوم»، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، يقول إن هناك خبرًا سارًا، إذ إن القادة السياسيين على جميع المستويات الحكومية بمن في ذلك محافظو المدن «يبدون الاهتمام الآن، إذ إن الحكومات ملتزمة برصد التلوث ومحاولات الحد من مصادر التلوث».

ونهاية أكتوبر القادم، ستعقد منظمة الصحة العالمية المؤتمر العالمى الأول حول تلوث الهواء وأثره على الصحة العامة، في محاولة لوضع استرايجيات لتحسين جودة الهواء.