أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن مدينة الإسكندرية تمثل تجسيدا لقيم التعايش المشترك، معربا عن سعادته باحتضانها لهذا الاحتفال لإحياء جذور الجاليات اليونانية والقبرصية.
وقال الرئيس السيسي خلال كلمته مساء اليوم أمام الاحتفال بإطلاق مبادرة «العودة للجذور»، بمشاركة نظيريه اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس، والقبرصي نيكوس اناستاسيادس بمدينة الإسكندرية ـ أن الهجرات اليونانية والقبرصية أثرت في المجتمع المصري، مشيرا إلى أن آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان نموذج يحتذي به في منطقة شرق البحر المتوسط.
وأكد أنه لا يحب قول كلمة «الجاليات»، مضيفًا «إننا في مصر حريصون أن نكون مواطنين، وكل شخص له حق المواطنة».
ووجه الرئيس السيسي التحية لكافة الحاضرين على وجودهم في مصر ومشاركتهم في هذه الاحتفالية، وقال «إن اليونانيين والقبارصة شاركوا المصريين في إحداث نهضة تجارية وفنية وثقافية في البلاد».
وفيما يلي نص الكلمة الكاملة للرئيس السيسي:
السيدات والسادة،
فيما يلي نص كلمة السيد الرئيس خلال افتتاح أسبوع إحياء الجذور للجاليات المصرية اليونانية القبرصية:
«بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس/ نيكوس أناستاسياديس، رئيس جمهورية قبرص،
فخامة الرئيس/ بروكوبيوس باڤلوبلوس، رئيس الجمهورية اليونانية،
السيدات والسادة الوزراء، وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي المعتمدين في القاهرة والإسكندرية،
السيدات والسادة ممثلي الجاليات اليونانية والقبرصية،
اسمحوا لي في البداية أن أتوجه لكم جميعاً بكل التحية والتقدير، أهلا وسهلاً بكم على أرض مصر في مدينة الإسكندرية العريقة التي تحتل مكانة خاصة في قلوب المصريين، وأبناء منطقة البحر المتوسط على حد سواء.
إنني أود الإعراب عن سعادتي الغامرة باحتضان الإسكندرية لهذا الاحتفال بإحياء جذور الجاليات اليونانية والقبرصية في مصر، فليس أدل على عمق الأواصر بين الشعوب الثلاثة، من هذه المدينة التي أرسى دعائمَها الأولَى الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، لتصبح إطلالة مصر على شاطئ المتوسط، ونقطة التقاء الحضارات، وحاضنة الثقافات والتراث، ومازالت تمثل تجسيداً، لقيم التسامح والتعايش المشترك والتواصل الإنساني، وهي القيم التي شجعت مئات الآلاف من شعوب المنطقة، على اختيار مصر مقصداً للإقامة في مجتمعها، الذي احتضنهم دون تفرقة، وكان على رأس هؤلاء، الآلاف من اليونانيين والقبارصة، الذين انصهروا في نسيج هذا البلد، فمثلوا إضافةً كبرى للحركة الاقتصادية والعلمية والثقافية في مصر.
إن الأسطورة الإغريقية القديمة «نوستوس»، تحكي عن بطلٍ أسطوري يشرع في مغامرة بحرية، تجرفه بعيداً عن مسقط رأسه، وتختبره الرحلة، دون أن يفقد بوصلة انتمائه الراسخ، الذي يدفعه للعودة إلى وطنه، تلك الأسطورة التي نستحضرها اليوم، عنواناً لاحتفاليتنا، ليست مجرد حكايةً تُروَى، ولكنها ترمز إلى ما شهدته مياه المتوسط، من تنقّل لشعوبه بين ضفتيه كبطل الأسطورة، حتى تأسست هوية متوسطية، قوامها الانفتاح والاعتدال، والإيمان بالمشترك الإنساني والتواصل الحضاري، ونبذ دعاوى الانغلاق والتطرف.
السيدات والسادة،
لقد شهد التاريخ عبر العصور، تفاعلات خالدة بين شعوبنا، منذ الحقبة الهيلينية والبَطْلَمِيّة، التي قدمت للعالم إسهاماتٍ بارزة كان من بين إنجازاتها مكتبة الإسكندرية، التي انطلق منها العلماء لإنتاج ثروةٍ من العلم والثقافة، من ضمنها ترجمة أعمال هامة من اللغة المصرية القديمة، فضلاً عن نقل المنجزات العلمية، للحضارة الهيلينية، وحمايتها من التدمير، وهو ما شكَل، في مرحلةٍ لاحقةٍ من تاريخ مصر، الأساس الذي استند إليه «شامبليون»، في فك رموز الحضارة الفرعونية، وكَشْف التاريخ المصري القديم، ولا يفوتني هنا، أن أتوجه بالشكر إلى صديقي فخامة الرئيس «أناستاسياديس»، على إعادة قبرص لعدد من القطع الأثرية المصرية، التي خرجت من مصر بطريقة غير مشروعة.
كما أسهمت الهجرات اليونانية والقبرصية الحديثة إلى مصر، اعتباراً من نهايات القرن الثامن عشر، في إثراء تعددية المجتمع المصري حيث شارك اليونانيون والقبارصة، إلى جانب إخوانهم من المصريين، في إحداث نهضةٍ تجاريةٍ وثقافيةٍ وفنية وعملوا في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية بما في ذلك التجارة والصناعة وبناء السفن والإرشاد البحري في قناة السويس والسياحة والزراعة، والطباعة والنشر وشهدت محافظات مصر تأسيس تنظيمات للجاليات اليونانية في المنيا عام 1812 والزقازيق عام 1850 والقاهرة عام 1856 والمنصورة عام 1860 وبورسعيد في عام 1870.
وخلال السنوات الأخيرة، كانت آلية التعاون الثلاثي، بين مصر وقبرص واليونان، التي نجحنا في إطلاقها، والحفاظ على قممها الدورية واجتماعاتها الفنية، انعكاساً واضحاً لمتانة العلاقات التاريخية بين دولنا، ونموذجاً يحتذى به في منطقة شرق المتوسط بأسرها، ولاشك في أن الزيارات المتواترة لكبار المسئولين من دولنا، تمثل دليلاً واضحاً، على عزمنا استثمار نجاح هذه الآلية، ودفعها للأمام وتطويرها بما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار منطقة المتوسط، ويحقق لشعوبنا ما نرجوه من تنمية ورخاء.
السيدات والسادة الحضور،
في الختام، فإنني أغتنم هذه المناسبة، لأعرب لكم عن تقدير الشعب المصري، لما تمثلونه من قيم المحبة والإخاء، والتعايش السلمي بين الحضارات والثقافات، وعن تطلعنا الدائم إلى زياراتكم المتواصلة لوطنكم مصر، إخوة وأصدقاء كرام.
شكراً جزيلاً، وأهلا بكم مرة أخرى في مصر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».