«ثائرات فى الميدان تركن بيوتهن وانشغلن بمستقبل مصر، إيمانا منهن بدور المرأة فى بناء هذا البلد، وحتى لا يشعر الرجل بأنه يحمل الهم بمفرده، وقفت المرأة المصرية بفتياتها ونسائها جنباً إلى جنب الشباب منذ اندلاع الثورة، بعيدا عن التعصب والإقصاء لأى طائفة من طوائف الشعب المصرى.
«المصرى اليوم» تجولت بين ثائرات الميدان عقب خطاب المشير، لمعرفة ما يجول بخاطرهن وكيف يرسمن ويحلمن بمستقبل هذا البلد.
كانت نقطة البداية عند لجان التفتيش، التى أقامتها اللجان الشعبية، وهى بوابة دخول الميدان، حيث تقف وفاء إمام سعد، التى تعمل فى مجال السياحة، مع صديقاتها ممن يشاركن فى اللجنة، وبعدما تستأذن وفاء كل فتاة أو سيدة تقوم بتفتيشها، تبتسم ثم تقول: «تفضلى»، وتمنحها جواز المرور إلى ميدان الثورة.
اعتادت وفاء، التى تقيم فى شارع قصر العينى خلال أيام ثورة 25 يناير أن تعود من عملها وتذهب متطوعة للوقوف فى إحدى اللجان القريبة من منزلها، إيمانا منها بدورها فى دعم الثورة، وتقول: أشارك حالياً من أجل حماية الثورة من البلطجية والمندسين لتظل ثورتنا نظيفة.
وتؤمن وفاء بدور المرأة فى دعم الثورة التى تتقاسمها كل طوائف الشعب، لكن ما يقلقها هو تصاعد الموقف المضاد للمرأة من بعض التيارات السياسية، لاسيما الدينية، وتؤكد أن المرأة المصرية هى امرأة تحظى باحترام المجتمع ولا يمكن لأحد إقصائها بأى حال من الأحوال.
تستكمل الحديث زميلتها هايدى محمود، ماجستير تنمية إدارية، وتقول مستنكرة: بعدما نجحت المرأة فى المشاركة فى الثورة ونجحت فى الترشح للانتخابات تم وضع وردة بدلا من صورتها، وليست هذه هى الإهانة الأولى للمرأة الثائرة، بل سبقها قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحديدا فى 9 مارس، عندما اضطروا إلى وضعها فى الانتخابات بقانون ينص على أنه يشترط فى كل قائمة أن تتضمن امرأة واحدة على الأقل، ولولا هذا القانون لن تجد معظم الأحزاب حرجا فى استبعاد المرأة من قوائمها وفى النهاية ذيلوا بها انتخاباتهم.
توافقها الرأى صديقتهما منى رأفت، خريجة سياحة وفنادق، وتقول: أشعر بالفخر عندما أجد ثائرات نجحن فى أن يصل صوتهن إلى العالم، وكم أسعدنى ترشيح إسراء عبدالفتاح لجائزة نوبل للسلام.
ما أن تتوسط الميدان إلا وتقابل «حبيبة» بائعة الشاى، يعرفها الثوار بجلبابها الأسود وغطاء رأسها المحكم المعصوم، لم تبرح الميدان منذ اندلاع الثورة، يعرفها الأمن جيدا ويصطدم بها ويبعدها عن الميدان، وكم تلقت ركلاته أحيانا أو 50 عصا ضربا على جسدها، أو دهس كؤوس الشاى الذى تمنحه مجانا للثوار، وبسعر رمزى للزائرين، وتعفى منه من لا يملك ثمنه، تعرف أن دورها لا يقل أهمية عن دور الثائرات، فتحمل المصابين إلى مستشفى الميدان، ولا تبالى فى الاندفاع نحو شارع محمد محمود، وسط الأدخنة الخانقة، ظنا منها أن تجد صديقتها «سماح»، التى اندست بين المتظاهرين ولم تعد منذ يومين، ولا أحد يعرف مصيرها.
تقول حبيبة: أفتخر بشباب الثورة، وأعتبر نفسى أماً لشباب الثورة وقلبى يسع الجميع، فالكل يعرفنى ويبادلنى الاحترام، إلا الأمن فلا يعرف سوى لغة العنف والبطش، تقول إنها بمجرد أن تستشعر غدر الأمن فإنها تقوم بتكسير الطوب إلى قطع صغيرة ليستخدمها الثوار فى الدفاع عن أنفسهم.
تقف الدكتورة مروة محمد، مدرس مساعد بكلية طب قصر العينى، متطوعة فى أحد مواقع مستشفى الميدان، وتصف نفسها قائلة: «أنا محظوظة لتواجدى فى الميدان منذ 28 يناير، وفى الميدان عرفت قيمة الاستقلالية التى تعلمتها من أسرتى، والتى أتاحت لى أن أشارك فى صياغة مستقبل مصر ومستقبل أبنائى».
جاءت شيماء شوقى محمد، ربة منزل، برفقة زوجها إلى أرض الميدان، تبحث عن حق شهداء الثورة – وإن لم يكن لديها شهيد – فهى تتردد على الميدان منذ الثورة رغم مرضها الذى يستدعى دخولها المستشفى أوقات كثيرة ويحرمها من المشاركة فى الثورة.
عادت علياء كامل، مهندسة كمبيوتر، من غربتها بعد أن أمضت 4 سنوات خارج البلاد، فالغربة حرمتها من المشاركة فى الثورة، وإن كانت تتابعها لحظة بلحظة فى وسائل الإعلام المختلفة، وما إن وطأت قدماها أرض مصر الأحد الماضى، كان قرارها الأول هو الذهاب إلى ميدان التحرير. تقول علياء: عندما كنت أتابع هتاف الثوار باسم الثورة، كنت أتساءل: هل هذا كلام إعلام أم أن هذا حقيقة ما يحدث؟! وتؤكد أن نصف الثورة من حق المرأة، خاصة أنها حين كانت تجلس بين صديقاتها فى الخارج كانت تلمح فى أعينهن نظرات الاحترام والتقدير للمرأة الثائرة فى الميدان.
تركت الدكتورة عزة إسماعيل، الأستاذة بمركز البحوث الزراعية، وكيل مؤسسى حزب الغد، حملتها الانتخابية بمدينة السويس عقب تلقيها رسالة على هاتفها المحمول جاء فيها «إحنا بننضرب برصاص مطاطى، لازم كل الناس تنزل»، هنا قررت عزة الحضور إلى ميدان التحرير، برفقة أبنائها الثلاثة، وانضمت ابنتها الكبرى، طالبة الطب، إلى مستشفى الميدان، وتؤكد أنها شاركت فى أحداث الثورة منذ 25 يناير، ولم تتوقع أن يأت يوم إقصاء المرأة واختزال دورها، كما فعلت بعض التيارات الدينية أو ما قامت به جميع الأحزاب السياسية بأن ذيلت قوائمها الانتخابية بامرأة.
دوافع كثيرة زادت من إصرار مشاركة المرأة فى الأحداث الأخيرة لأيام وليالى الثورة، حنان شاكر، مدرسة إنجليزى، كان نزولها ليلة الجمعه بدافع جديد عن الأيام الأولى للثورة، منذ أيام استمعت حنان إلى شكوى امرأة بسيطة من عدم قدرتها على شراء كيلو أرز لارتفاع ثمنه إلى 4 جنيهات، فى هذه اللحظة اصطحبت أبناءها، ورغم أن الساعة تجاوزت الـ 11 مساء إلا أنها نزلت الميدان لتشارك وتعرف آخر تطورات الأحداث وتناقش ثائرات التحرير فى خطاب المشير الأخير.
أما «أم أمير» فقد جلست بجوار هبة سيد على أحد أرصفة الميدان، حيث جمعت بينهما المصادفة وإن كانا من سكان حى واحد، ليلة خطاب المشير هى الليلة الأولى التى نزلت فيها أم أمير إلى أرض الميدان بعد أن سمعت ورأت حالات القتلى والجرحى فقررت النزول «عشان تعرف هو فيه إيه» وتقول: «هى الحكومة مش عارفه إن الشباب دول عايزين يتجوزوا ويفتحوا بيوت، أنا عندى عروسة عمرها «30 سنة» مش عارفة أجوزها».