«فى كواليس الصحافة والسياسة»

كتب: ماهر حسن الجمعة 27-04-2018 09:41

يعرض كتاب «فى كواليس الصحافة والسياسة» تجربة صحفية جاوزت نصف القرن، خاضها الكاتب الصحفى الكبير عاطف الغمرى فى ظل خمسة رؤساء تعاقبوا على مصر وتباينت فيها ظروف العمل الصحفى، ووثقها فى هذا الكتاب الصادر حديثا عن الهيئة العامة للكتاب.

والكتاب على حد وصف الغمرى «تجربة ذاتية» تضمنت الكثير من الكواليس الصحفية والسياسية، ومما قاله عاطف الغمرى فى توصيف كتابه إنه حصاد تجربة ذاتية فى عالم الصحافة، فليس كل ما يجرى فى عملية صناعة الصحيفة يصل للقارئ، فالمتاح هو المنتج النهائى، أما الكواليس ففيها أحداث قد تحجب معلومات بشأنها عن القارئ لأسباب مهنية أو رقابية أو لطبيعة صناعة الصحيفة. وينقل الغمرى فى كتابه هذا الكثير من هذه التفاصيل، ويقول فى مقدمة كتابه: «كلما أمسك القارئ كل صباح بصحيفته يطالعها فهو يجدها تصحبه إلى عالمين الصحافة والسياسة، والاثنان تجمع بينهما روابط ليست قابلة لأن تنقطع، فكلاهما يأخذ من الآخر ويعطيه، ومن أصل وجوهر هذا الترابط يستمد القارئ العلم بما يريد معرفته، ويستلهم مما هو مسطور أو ما بين السطور».

ويقول الغمرى فى مقدمته «إنه بالنظر إلى حال الصحافة فى الفترات التى تمتلك فيها حرية التعبير بغير قيود، نجدها تخلق مناخا من العطاء المتبادل بينها وبين القارئ، فتسهم فى خلق رأى عام واع ونشط ومستنير، كما أنها فى مساحات الحرية حملت أفكار الإصلاح الدينى للإمام محمد عبده والإصلاح السياسى، متمثلا فى الزعماء مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وغيرهم، كما كانت الصحافة طوال تاريخها شريكا رئيسيا فى إثراء الوجدان المصرى، وكان دستور 1923 مؤكدا على حرية الصحافة، وعاشت الصحافة منذ 1946 أزهى عصور حريتها بالتوازى مع صحوة فكرية أيقظت وألهبت الرأى العام.

عاطف الميرغنى عرض لكثير من كواليس الصحافة، بداية من عهد عبدالناصر منذ كان مراسلا للأهرام فى بريطانيا وأمريكا لسبع سنوات،

وهناك عناوين عامة تمثل محاور وحكايات رئيسة فى الكتاب، لم يسردها الغمرى كحكايات مثيرة مجردة وإنما كانت مصحوبة بالتحليل، ومن هذه العناوين «المحاور» و«الوقائع» أيضا.. الموظف الذى يستدعى كبار الصحفيين بالتليفون، وهو الموظف الذى جاء به الوزير كمال رفعت، والذى كان مديرا لمكتبه فى أخبار اليوم.. وتحت عنوان «موسى صبرى رئيسا للتحرير ومحررا فى نفس الوقت» نعرف أن موسى صبرى لم يبق فى مكتبه المقرر فى الدور التاسع وإنما فضل البقاء فى صالة التحرير بالدور الأول، فكان يقوم بدور رئيس التحرير والمحرر فى نفس الوقت، وتحت عنوان «الرقيب يمنع نشر إعلان عن حفل لمطربة مشهورة» نعرف أن الرقيب منع إعلانا عن حفل لمها صبرى لأنها كانت زوجة على شفيق، سكرتير المشير عامر، كما ذكر الغمرى تفاصيل ومجريات وإجراءات الرقابة على الصحيفة آنذاك، وتحدث الكتاب عن تجربة إحسان عبدالقدوس فى «أخبار اليوم» وحكايات ومواقف فى كواليس تلك الفترة، وكان المؤلف قريبا جدا منه، وكيف كانت الأجواء فى الصحيفة فى أعقاب نكسة 1967، وأن صداقة عبدالناصر وإحسان كانت صداقة مشروطة، كما أورد قبسات من روايات مراد غالب عن عبدالناصر بعد النكسة من خلال حوار أجراه معه المؤلف فى منظمة التضامن الأفريقى الآسيوى.. كما ذكر المؤلف ذكرياته حينما كان موجودا فى كهف بإحدى قرى فيتنام أثناء الحرب الأمريكية عليها حين سأله أحد القرويين: «أنتم من بلد عبد الناصر؟».

وعرض عاطف الغمرى تجربته فى جريدة الأهرام فى عهد السادات، وتحدث عن لقائه بأول رئيس جمهورية لمصر بعد ثورة يوليو، وهو الرئيس محمد نجيب، حين التقاه فى الأهرام فى مكتب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير على حمدى الجمال، وكان نجيب قد بلغ من العمر ثمانين عاما وقال: «أنتم الصحفيون حصن يحمى الوطن، الكلمة الحرة هى التى تبنى الأوطان وتحمى الشعوب»، ثم عرض المؤلف لتجربته تفصيلا فى الأهرام، كما تحدث عن إقناع منصور حسن للسادات بالتراجع عن تحويل نقابة الصحفيين إلى ناد، وكيف أن السادات يريد أن يكون قريبا من الصحفيين، وأن يقتنعوا بأن ما يفعله هو لصالح البلد، كما تحدث المؤلف عن لقاء الصحفيين بالقذافى فى جريدة الأهرام، وعرض لنظرية الرئيس السابق مبارك فى أن يجعل الصحفيين يكتبون ما يريدون وأن يفعل هو ما يريد، رغم أنه بدأ عهده مقتنعا بحرية الصحافة. وعن السؤال الذى وجهه عبدالستار الطويلة لمبارك لماذا لم يعين نائبا له؟، فكان رده: «الشخص الذى أريده لابد أن يكون وطنيا مخلصا عفيف اليد» وكأنما يسيطر عليه شعور بأنه لا يوجد فى مصر من يملك هذه الصفات غيره.

الكتاب حافل بالحكايات والمحاور التى لا يتسع المجال لذكرها جميعا، فقد عرض للقائه السرى مع جلال طالبانى، وحديث «ريستون» عميد الصحفيين الأمريكيين عن طريقة عمل الرؤساء الأمريكيين، وحكايات (هيلين توماس) عميدة مراسلى البيت الأبيض عن ستة رؤساء حكموا أمريكا.

وعرض المؤلف لذكرياته عن فؤاد زكريا وحواره مع مبارك عن ضرورة الأخذ بالديمقراطية ورد مبارك عليه منفعلا بأنهم بهذا السؤال والطلب يريدون أن يصل الإخوان إلى الحكم، كما عرض للبعد الأمريكى فى الصراع بين مصر وإسرائيل، وقال إن علاقة مصر بأمريكا ستظل جيدة ولكن بشرط، كما تحدث عن الكاتب المسرحى الأمريكى الشهير (آرثر ميللر) وحوار دار بينهما إثر عرض مسرحيته «علاقات مستر بيتر» وكان حوارا غنيا ونادرا كنا نتمنى إعادة نشره.

الحقيقة الكتاب غنى بالحكايات التى يكشف عنها المؤلف لأول مرة على نحو كبير من المكاشفة، وعلى نحو يغلب عليه السرد الجاذب، وهذا ليس بغريب على مؤلف له منتج مسرحى ممتاز،نندهش لعدم إعادة قراءته أو ترجمته مسرحيا.

بقى أن نقول إن عاطف الغمرى له مؤلفات أخرى كثيرة، منها (خطايا النكسة) و(أزمة الديمقراطية) و(الإصلاح السياسى من أين يبدأ؟) و(الثورة والمؤامرة) و(وثائق البيت الأبيض تتحدث) و(اختطاف الثورة) و(القرن الآسيوي) و(من يحكم أمريكا؟) و(الشرق الأوسط الكبير) و(حائط السلام) وفوق كونه كاتبا ومحللا سياسيا، فإن له مسرحيات منها (حضرة صاحب الدولة) و(بيت الأصول) و(تأشيرة دخول للوطن) و(كبار الزوار) و(السادة النواب) و(بيت العرايس) وغيرها، كما أن له مسرحيات مترجمة، منها (نيكسون نيكسون) و(أشياء تحدث) و(رفس حصان ميت) و(لعنة العائلة المحرومة).