كتب الرصيف.. «سحر وجنس وروايات مضروبة»

كتب: هيثم عبدالشافي الجمعة 27-04-2018 09:41

الكتب على أرصفة وسط المدينة، لا تشكل فقط جزءا من وعى بسطاء القراء، فالباحثون عن كتب التراث والمؤلفات القديمة فى نسخها الأولى، تجدهم أيضا أمام الباعة يسألون هنا ويبحثون هناك عن طبعات بعينها لأصناف أدبية مختلفة ومتنوعة، حتى لو كانت نسخا مزورة طبعت فى مطابع غير رسمية، المهم أن سعر الكتاب يناسب ميزانيته، ولا يضطره للجوء إلى المكتبات الكبيرة ودور النشر.

المؤلفات كان من بينها كتب مغلفة ونظيفة تشبه النسخ الأصلية إلى حد كبير، وأخرى قديمة ومتهالكة ومرممة بعض الشىء، ووفقا لمزاج صاحب «الفرش» ومعادلة «الأكثر مبيعا»، يصدر فى الصفوف الأولى الإصدارات التى تذهب إليها عيون الزبائن دائما، فأحدهم صدّر مؤلفات التنمية البشرية فى المقدمة، وآخر راهن على الكتب الدينية، وثالث كان أشد ذكاء وفضل التنوع بين كتب الجنس وتفسير الأحلام والأبراج، وفى الأخير وضع عدة روايات، وكلها ختم غلافها بعبارة: «الكتاب الأكثر مبيعا».

«رجوع الشيخ إلى صباه، كيف تروج لنفسك، لماذا يتصادم المريخ والزهرة، لأنك الله، مخطوطة بن شيطان، 100 من عظماء الإسلام غيروا التاريخ، رياض الصالحين، سيرة بن هشام».. منذ فترة طويلة يحرص «م.ط»، على تصدير هذه العناوين، وأخرى مشابهة، فى مقدمة «فرشه» بالقرب من كوبرى قصر النيل، فالرجل يعرف جيدا سر التركيبة، ومنحته الخبرة ما يكفى ليعرف طلبك من مظهرك وطريقة كلامك.

صاحب الـ56 عاما، الذى رفض الإشارة إلى اسمه خوفا من تعقب البلدية والمسؤولين فى الحى، يقسم زبائنه لعدة شرائح، الأولى شريحة الشباب، وهذه إقبالها على القراءة محدود، وتشغلهم كتب الأبراج ومؤلفات التنمية البشرية بشكل كبير، خاصة مؤلفات الراحل الدكتور إبراهيم الفقى، أما الروايات والكتب التاريخية والفكرية فلا يسأل عنها إلا من تخطوا الـ50 عاما، أما قراء المحافظات والأقاليم فحصرهم صاحب «الفرش» فى الكتب الدينية، خاصة السيرة النبوية والتفسير.

انشغل الرجل لدقائق مع زبون يسأله عن نسخة قديمة لـ«نهج البردة» لأمير الشعراء أحمد شوقى، والأعمال الكاملة للشاعر الراحل أمل دنقل، وبعد بحث طويل، اعتذر منه بخصوص «نهج البردة»، ووعده بنسخة جيدة الأسبوع المقبل، وباع له أعمال «دنقل» كاملة بـ75 جنيها.

بعدها جلس قليلا، وبدأ يعد الروايات الأكثر مبيعا لديه، ومن بينها: «ساق البامبو، لسعود السنعوسى، وتذكرة وحيدة للقاهرة، لأشرف عشماوى، ولو بعد حين، لدعاء عبدالرحمن، وعزازيل، ليوسف زيدان»، موضحا أن طفرة غريبة حدثت فى مبيعات أغلب مؤلفات الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، خاصة بعد وفاته بداية الشهر الجارى.

زبون آخر، يسأل عن كتاب «رجوع الشيخ إلى صباه» لأحمد بن سليمان بن كمال، لكن أخبره صاحب الفرش أن الكتاب «ناقص» منذ فترة طويلة، ولما سأله عن كتاب «نحو مجتمع إسلامى» لسيد قطب، ضحك وقال له: «ده مخدرات.. خلاص الكتب دى ممنوعة يا أستاذ».

«رجوع الشيخ إلى صباه»، أخرجه صاحب الفرش بعد أن رحل الزبون بقليل، وقال إن الكتاب سعره 85 جنيها، وأنه لا يبيع مثل هذه المؤلفات لغير زبائنه، إنه لا يثق فى زبون يأتيه لأول مرة ويسأل عن كتاب دينى أو جنسى، لكن من الممكن أن يعرض عليهم كتبا أخرى لمصطفى محمود، والإمام محمد الغزالى، وعباس محمود العقاد. ومن «فرشة» قصر النيل إلى أخرى مقابلة لميدان التحرير، هناك العناوين كانت متشابهة مع «الفرشة» السابقة فى عدة عناوين، لكن الميزة لدى «حسن.ف»، عامل بـ«اليومية»، ركن الكتب الإنجليزية.

«حسن» يبدأ عمله فى التاسعة صباحا، وينهى يومه وفقا لحركة البيع، لكن لا يتأخر عن منتصف الليل، لأنه يضيع ساعة تقريبا فى مراجعة الحسابات مع صاحب «الفرش»، قبل أن يعود لمسكنه. صاحب الـ26 عاما، لا يحب القراءة أصلا ويراها عملية مملة، لكن يتمتع بحالة من الرضا، خاصة بعد أن ترك البيت والمقهى ووجد عملا يضمن له 3 وجبات يومية وعلبة سجائر.

الروايات الأكثر مبيعا عند «حسن» لا تقارن بمبيعات مؤلفات أخرى مثل: «كيف تروج لنفسك، لآرتش لاستبيرج، وسعره 45 جنيها، لأنك الله، لعلى بن جابر الفيفى، وسعره 35 جنيها، ودرب عقلك لتصبح غنيا، تأليف ‎لى هاوسنر، تيريسا أوبل، دوج فريمان‎، وسعره 35 جنيها، والعادات السبع للمراهقين الأكثر فاعلية، تأليف شين كوفى، وسعره 35 جنيها، ومخطوطة ابن شيطان، لعمرو المنوفى، وسعره 40 جنيها، 100 من عظماء الإسلام غيروا التاريخ، لجهاد التربانى، وسعره 75 جنيها، إنسان جديد، لمصطفى حسنى، بـ45 جنيها».

وبالقرب من محطة مترو البحوث، تجلس سيدة ترتب الكتب فى انتظار زوجها، «أشرف.ن»، 42 عاما، صاحب «فرشة» لبيع الكتب القديمة، فالرجل يمتلك كتبا تاريخية، وقانونية، ودينية، ومجلات ديكور، وأخرى للأطفال، تحتوى على نسخ نادرة من «ميكى، وعلاء الدين»، وإصدارات لعدة سلاسل ثقافية من بينها «كتابى». منذ أسبوع مضى، بدأ «أشرف» إعادة ترتيب الكتب بما يتناسب مع موسم شهر رمضان الكريم، فالرجل قرر أن يهتم أكثر بالعناوين الدينية، وكتب التفسير، وقصص الأنبياء، والمصاحف، مع تخصيص مساحة صغيرة للأذكار اليومية والمصاحف والمسبحة «الصينى». «قصص الأنبياء، وروايات الجيب، ومجلات ميكى، وسمير، سلسلة كتابى، جلال الدين الحمامصى، ورياض الصالحين»، أشهر العناوين الرائجة عند صاحب الـ42 عاما»، كما اعتاد، مؤخرا، تصوير نسخ نادرة من كتب بعينها، وبيعها لزبائنه بأسعار تبدأ من 30 جنيها، وعلى رأسها كتاب شمس المعارف الكبرى، لأحمد بن على البونى، وتتراوح سعر نسخته المصورة بين 100 و150 جنيها، فالنسخة العادية 100 جنيه، عبارة عن ورق مصور فقط، أما النسخة الثانية، فمغلفة ومجلدة يدويا.