«الاستثناء المغربى».. مقولة ترددها الحكومة المغربية للتأكيد على أن طبيعة المغرب الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن غيرها من الدول التى اجتاحها شبح «الربيع العربى»، خاصة بعد تساقط الزعماء فى تونس ومصر وليبيا كأوراق الخريف، وبالرغم من احتجاج آلاف المغاربة للمطالبة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، المقررة غدا الجمعة، تخوفاً من ألا تتسم بالديمقراطية، تمثل هذه الانتخابات اختباراً حقيقياً لتعهدات ملك المغرب، محمد السادس، الإصلاحية.
ويدّعى أصحاب هذه المقولة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى المغرب أفضل بكثير مما عليه غيرها من دول «الربيع العربى»، بينما أثبت أحدث التقارير أن المغرب يعانى من بطالة لحوالى ثلث عدد الشبان، ومن ارتفاع فى معدلات الفقر وتردى النظام التعليمى، ومشاكل المحسوبية والفساد، مما يجعل أوضاعها تشبه الظروف التى أشعلت فتيل السخط الشعبى فى دول «الربيع العربى»، وفقاً لما يؤكده مراقبون سياسيون.
وقد تكون هذه الأسباب هى التى دفعت عشرات المواطنين لإطلاق مظاهرات استمرت لبضعة أشهر، قادتها حركة «20 فبراير» (وهو اليوم الذى نظمت فيه الحركة أول مظاهرة لها)، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ومن أبرز مطالب حركة «20 فبراير»: حل الحكومة والبرلمان، وإنشاء جمعية تأسيسية لدستور ديمقراطى جديد، وإقرار ملكية برلمانية، ومحاسبة المفسدين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.
وعقب سقوط النظامين التونسى والمصرى، استجاب ملك المغرب لمطالب الشعب، وتعهد بإجراء إصلاحات سياسية وتعديلات دستورية(تمنح لرئيس الوزراء دوراً أكبر فى النظام السياسى المغربى على حساب صلاحيات الملك)، وتسليم بعض سلطاته لمسؤولين منتخبين، كما وعد بأن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة، لكنه احتفظ لنفسه برأى قاطع بشأن القرارات الاستراتيجية.
ويقتنع طيف واسع من شباب التغيير بأن النظام المغربى غير جاد فى محاربة الفساد والمفسدين وحماية الثروات الوطنية من النهب، مستدلين على قناعتهم بصمت الحكومة وتجاهلها كل التقارير الرسمية والمستقلة التى تكشف قضايا الفساد المالى والاقتصادى أو تدعو إلى كشفه وفتح تحقيقات قضائية بشأنه، بحسب ما يؤكده بعض المراقبين.
يأتى ذلك بينما اعتبر محللون سياسيون أن النظام المغربى يختلف عن غيره، وأن دولة المغرب تحمل نظاماً ملكياً يقوم على «إمارة المؤمنين»، وهو ما يمنحه شرعية دينية وتاريخية ترفعه عن أى نقاش محتمل حول استمراريته.
ورأى بشير عبدالفتاح، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى اتصال هاتفى مع «المصرى اليوم»، أن المظاهرات فى المغرب لم تصل قط إلى حد المليونيات، ولم تطالب بإسقاط النظام أو تتصادم مع الملك، لكنها طالبت بتغيير الحكومات واستئصال الفساد، وأضاف أن الوضع الملكى فى المغرب يختلف عن غيره فى الدول الجمهورية، كما أن وضع ملك المغرب يختلف عن غيره لشرعيته الدينية التى يستمدها من كونه «أمير المؤمنين». وتابع «عبدالفتاح»، وهو مدير تحرير مجلة «الديمقراطية» التابعة للأهرام أيضاً، أن الملك لم يستعمل سياسة قتل المتظاهرين أو ادعاء وجود «مؤامرات خارجية ضده»، مثلما فعل من قبله الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك، أو الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، أو العقيد الليبى الراحل معمر القذافى، بل أخذ تظاهر المواطنين واحتجاجهم على محمل الجد، وحاول أن يحتوى هذا الغضب، واتخذ خطوات إصلاحية. ورأى «عبدالفتاح» أن ملك المغرب تمكن بتعهداته الإصلاحية من استقطاب قطاع كبير من الثوار مما أدى إلى حدوث صدع وشرخ فى صفوف المتظاهرين.
فيما رأى الكاتب الأمريكى، لارى داياموند، فى مقال بمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، أن ملك المغرب مازال يحظى بالتبجيل فى الداخل، وينظر إليه كإصلاحى من وجهة النظر الدولية أيضاً، لكنه لم يبد رغبة فى كبح جماح مصالح المرتشين المحيطين بالعرش وتركيز الثروة والمصالح التجارية بأيدى هؤلاء، مما يزيد من عزلة الملك ويعزز من قوة العاصفة السياسية التى تتجمع تحت سطح هادئ. واعتبر «داياموند»، وهو أيضاً باحث بارز فى معهد «هووفر» ومعهد «سبوجلى» للدراسات الدولية، أن النظام الملكى المغربى اكتفى بتشكيل لجنة لدراسة الإصلاح السياسى دون التقدم نحو تغيير سياسى حقيقى، وأكد أن «هذه اللعبة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد».
وعلى الرغم من تأكيد أحدث الأبحاث الصادرة عن «المندوبية السامية للتخطيط» بالمغرب، وهى مؤسسة رسمية تعنى بالتخطيط والإحصاء، فى شهر سبتمبر الماضى، على تحسن فى آراء وتقييم الأسر المغربية تجاه مستوى المعيشة، والعمل والقدرة الشرائية والتطور المستقبلى لوضعيتها المالية، إلا أن خبراء اعتبروا أن الواقع على الأرض يكذب هذه المزاعم جملة وتفصيلاً. وأوضحوا أن التذمر من الوضعية الاقتصادية المزرية فى البلاد هو السائد وسط هذه الأسر.
وكشفت آخر الأرقام الصادرة ضمن تقرير البنك الدولى، فى شهر يوليو الماضى، عن أن المغرب لا يزال لم يبرح خانة الشريحة الدنيا بين البلدان متوسطة الدخل، وأن نسبة الـ20% الأكثر فقرا فى المغرب يستهلكون 8.5% من الدخل القومى، فيما تستحوذ نسبة الـ20% الأكثر غنى على 47% من الدخل القومى، بينما تصل نسبة الأمية فى هذا البلد إلى 56%.