طارق حسن

عمرو الشوبكي الإثنين 09-04-2018 20:58

أعرف طارق حسن من مظاهرات جماعة القاهرة فى بداية الثمانينيات، أى منذ 35 عاما، حين أشعل طلاب جمعية الدراسات العربية فى كلية الحقوق مظاهرات ضد اللائحة الطلابية، تطورت وطالبت بالحريات السياسية داخل الجامعة وخارجها، وناقشت قضايا المشاركة السياسية والتغيير.

وكان طارق، لمن لا يعرفه، فى ذلك الوقت من قيادات الحركة الطلابية، وكان يساريا أقرب للماركسية، وأحببت إخلاصه وتفانيه وموهبته فى الخطابة و«التربيط السياسى»، واعتبرته أحيانا ثوريا أكثر من اللازم. فى حين كان يعتبرنى ناصريا «معتدلا» و«إصلاحيا»، وكان كثيرا ما يقول لى: «مش ماشيين مع بعض».

مازلت أذكر أننا خطبنا معا لأول مرة أمام سلالم قبة جامعة القاهرة، تقريبا فى عام 1983، وأدنا القيود المفروضة على الحركة الطلابية وعلى حرية الرأى (الهامش السياسى فى ذلك الوقت أكبر من الحالى)، وكانت كلماتنا متشابهة على خلاف كلمة ممثل الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) التى رأيناها مراوغة وممالئة للنظام الحاكم.

كانت لحظة تاريخية، ذكّرت كل واحد منا بجيل 72 الذى دخل القاعة الكبرى بالجامعة واعتصم بداخلها، فى حين أننا بعد عشر سنوات اعتبرنا أن مجرد الحديث على سلالمها انتصار مبين.

وبعد التخرج تفرقت بنا السبل والمواقف، ولم يعد طارق حسن هو نفسه المعارض اليسارى الثورى إنما أصبح جزءا من نظام مبارك الذى عارضه حين كان طالبا فى الجامعة، واستمررت أنا كمعارض لنفس النظام، ولكننا لم نسئ ولا مرة لبعضنا البعض، وكان بيننا احترام ومودة متبادلة.

وكنا نتواصل فى ظل الخلاف السياسى دون أى مشاكل أو حواجز أو اتهامات، وعملنا فى مؤسسة واحدة (الأهرام)، وكان يقدر دائما ما أقوم به وأكتبه حتى لو اختلفنا، ودائما ما قدرت موهبته الكبيرة فى الكتابة وفى متابعة الشأن العربى والفلسطينى بدقة شديدة.

فى عصر مبارك، كانت هناك مساحة لأصحاب القناعات، وليس فقط المطبلين والهتيفة ومندوبى الأجهزة، فكنت تجد كثيرين يرون أن الإصلاح لن يتم إلا من داخل المؤسسات القائمة والحزب الحاكم مثل طارق حسن وآخرين، وهناك من رأى (مثلى) أن الإصلاح لن يتم إلا من داخل الدولة وليس النظام بمعناه الضيق، أى من خارج معادلة التوريث، وهناك رأى ثالث رأى أن الإصلاح لن يأتى إلا عبر ثورة شعبية تسقط نظام مبارك برمته.

وجاءت ثورة يناير، وتصورنا أن المدارس السياسية الثلاث هى التى ستحسم المشهد، إلى أن فوجئنا أن هناك «مباركيين» تحولوا لثوّار، وشاهدنا مؤيدين ومرفهين وتافهين تقمصوا دور الثوار (راجع مقالنا ثوار بعد الثورة) وإخوانا انتقلوا من المحافظة إلى الثورية للاستفادة من اللحظة.

وهنا بقى طارق حسن (وآخرون أحياء كمحمد على إبراهيم وغيره) على نفس مواقفه السابقة كمؤيد عاقل لمبارك، ولم يركب موجة الثورية، ولم يرتدِ أى ثوب آخر جديد، فنال احترام الجميع حتى من اختلفوا معه.

طارق حسن يستدعى معانى محترمة فى الاتفاق والاختلاف على أفكار ورؤى وطرق فى الكتابة والتفكير، لأنه كان رجلا مهنيا صاحب رؤية وموقف، ولا ينتمى للمدرسة الجديدة فى الصراخ والشتائم والهتافات الفارغة.

للأسف، لم أستطع تقديم واجب العزاء فى وفاة طارق، لوجودى خارج مصر، وسأدعو له بالرحمة والمغفرة، ولأسرته بالصبر والسلوان.

amr.elshobaki@gmail.com