36 عامًا فقط هى كل سنوات عمره، فى التاريخ هى سنوات قليلة لا تذكر، مجرد ثلاثة عقود وبضع سنين. كثير منا يفشل فى تحديد طريقه ورسم مستقبله فى مدة تماثلها، لكن عمر خورشيد نجح خلال تلك الفترة القصيرة فى أن يتحول إلى أسطورة تتناقل الأجيال حكايتها وموسيقاها وقصصها، لم يعد من المهم أن نحدد الخيال والحقيقة فيما يتم تداوله، المهم أن الأسطورة صنعت نفسها، وبمعنى أقرب إلى الواقع ولدت الأسطورة نفسها من شرنقة تفيض موهبة قلما يهبنا القدر مثلها.
تفاصيل حياة عمر خورشيد نفسها منذ طفولته كانت تنبئ بميلاد أسطورة. قصة عزفه للجيتار تذكرنا بأساطير الماضى التى تبدأ بكراهية وتنتهى بعشق أبدى لا يموت. طفل يتلقى دروسًا فى الموسيقى على كل الآلات، يسعد بآلة «الكمان»، ويحترف البيانو، ويدندن بالعود، لكنه يحمل كراهية شديدة تجاه آلة الجيتار ويرفضها تمامًا، وفجأة ودون مقدمات منطقية يقرر فى عامه التاسع شراء أول «جيتار» بـ 12 جنيهًا من أموال كان يدخرها، لتنفجر موهبته الموسيقية وتبدأ الأسطورة فى كتابة حكايتها.
وفاة عمر خورشيد أيضًا كانت أسطورة، المثبت بأوراق النيابة وبشهادة زوجته عارضة الأزياء اللبنانية جيرالدين، والفنانة مديحة كامل التى كانت بصحبتهما، أن سيارة كانت تلحق بسيارة عمر فى شارع الهرم، وفى موقع ينتصف المسافة بين فندق مينا هاوس ومطعم «خريستو»، اختل توازن السيارة وفقد عمر التحكم فيها وكان الاصطدام الذى توفى على أثره. المنطقى أن يكون معجبا أهوج، أو شابا يجرى فرحًا بسيارته، لكن مع «عمر الأسطورة» الأمر مختلف، وما بين أسباب سياسية وأخرى عاطفية، ولدت القصص ونسجت الحكايات حول وفاة عمر خورشيد، لتكون وفاته مثل حياته، أسطورية.
«المصرى اليوم»، تحيى ذكرى ميلاد الموسيقار الكبير مقامًا والصغير سنًا عمر خورشيد، بالاستماع إلى أقرب من صاحبهم فى حياته، فى محاولة لكشف بعض أسرار أسطورة الأساطير.
أدهم خورشيد: السادات برىء من دم شقيقى
كان لابد للوقوف على جوانب حياة الراحل عمر خورشيد الإنسانية، التوجه إلى شقيقه الفنان المصور الصحفى أدهم خورشيد، للحديث عن الأجزاء الخفية فى حياة عمر خورشيد الإنسان. يقول أدهم خورشيد: «عمر شقيقى الأكبر من الأب، والدة عمر كانت عواطف هانم رحمها الله، وبداية عمر مع الموسيقى بدأت مبكرًا أعتقد قبل بلوغه 7 سنوات، وكانت الحاجة جيهان شقيقته الكبرى أول من أهدت له (جيتار) هدية، وخلال مرحلة طفولة عمر كان يقابل السيدة أم كلثوم كثيرًا، نظرًا للصداقة التى تجمع بين خالة عمر وكوكب الشرق، وكان دائمًا ما يذهب إلى منزل (الست) ويعزف لها مقطوعات صغيرة وكانت دائمًا ما تثنى عليه لاختياره مقطوعات صعبة، لذلك عندما احترف الموسيقى طلبت أم كلثوم منه العمل لديها فى الفرقة، ووافق بالطبع على الفور، فقد كان العمل معها بمثابة شهادة تاريخية بموهبته أمام الجميع.
ويتحدث «أدهم» عن المواقف التى كانت تجمعه بشقيقه الأكبر خلال مرحلة الطفولة فيقول: «لم نكن نراه كثيرًا لانشغاله الدائم وسفرياته المتعددة، وما ساعد على البعاد بيننا أننا فى ذلك الوقت كنا نقيم فى بيروت وندرس فى مدرسة (سوق الغرب) ومعى شقيقى إيهاب، لذلك لم نكن نراه كثيرًا فى تلك الفترة، واستمر الحال على الوضع نفسه حتى انتقالنا إلى الإسكندرية للدراسة فى (فيكتوريا كولدج)».
يضيف: «فى ذلك الوقت كان عمر متزوجًا من الـ(ميك أب أرتست) وعارضة الأزياء اللبنانية جيرالدين، ولها ابن من زواج سابق يدرس معنا فى المدرسة نفسها ببيروت، وفوجئت وشقيقى إيهاب وابن جيرالدين، بأن المدرسة اتفقت مع عمر على إحياء حفل موسيقى كبير فى المدرسة، وبالطبع كانت سعادتى لا توصف وشعرت بالفخر، لدرجة أننى كنت أتوجه إلى مدرسيىّ وزملائى وأخبرهم أن عمر شقيقى، خاصة مع ملاحظتى تهافت الجميع على حضور الحفل».
ويسرد «أدهم» ذكرياته عن حفل المدرسة فى بيروت قائلًا: «أحيا عمر حفلًا رائعًا وسعد الجميع بمقطوعاته الموسيقية، وبعد انتهاء الحفل، طلب من إدارة المدرسة رؤيتنا نحن الثلاثة، وجلس معنا فترة، واطمأن علينا واستمع إلى طلباتنا ثم انصرف، فقد كان حنونًا جدًا ومستمعا جيدا».
عاد «أدهم» وشقيقه «إيهاب» إلى مصر للدراسة فى «فيكتوريا كولدج»، ومن ثم أقاما فى الإسكندرية: «كنا فى ذلك الوقت نمتلك شاليها فى المعمورة بمجموعة (صلاح الدين أ)، وكنا نقيم هناك، وأتذكر أن عمر كان يمر علينا كلما سمح الوقت بذلك، وفى تلك المرات كان يقضى معنا اليوم بأكلمه نشاهد مباريات كرة القدم لأنه كان يشجع الأهلى بشدة، ثم نتناول الغداء».
يضحك خورشيد ويقول: «كان عمر يأتى بسيارة أمريكية الصنع ويتركها أمام الشاليه وكانت لافتة للنظر جدًا، وفوجئنا بعد فترة أن جيراننا أطلقوا على الشاليه اسم شاليه عمر خورشيد، وكنا نجد بعض محبيه يطرقون الباب أملًا فى مقابلته، وكنا نحاول إقناعهم بأن هذا ليس منزله ولكن منزلنا ونحن أشقاؤه فقط، وبالطبع كان البعض يقتنع والبعض الآخر يشكك فى حديثنا، لكن فى النهاية أصبح اسمه شاليه عمر خورشيد».
يضيف: «حضرت مع أشقائى بعض حفلات عمر فى القاهرة، وحضرت حفلا فى فندق فلسطين عندما كنت فى المرحلة الإعدادية، وحفلا آخر فى نادى اليخت وكان يعزف معه فى الفرقة أفضل الموسيقيين فى مصر مثل إبراهيم توفيق (بركشن) وجمال وفؤاد رحيم (كمان)، ومحمد أمين، لكن لم أحضر أى حفل لفرقة (بى تى شا) فقد كنت صغيرًا آنذاك».
ويستكمل أدهم ذكرياته مع شقيقه عمر قائلًا: «كان مكتب عمر فى حى الزمالك بجوار منزلنا، وكنا دائمًا ما نتوجه إليه أثناء الإجازة وأتذكر أنه كان يمنحنى شرائط كاسيت عليها معزوفاته الموسيقية الجديدة التى لم يسمعها أحد من قبل، مثل الفوازير والأفلام، وكم كانت سعادتى وأنا أستمع إلى أعمال سيسمعها الجمهور بعد شهور».
وعن عدد زيجات عمر يقول: «عمر تزوج 5 مرات، فى البداية لينا السبكى، ثم الفنانة ميرفت أمين، ثم جورجينا رزق ملكة جمال لبنان، ثم الـ(ميك أب أرتيست) وعارضة الأزياء اللبنانية جيرالدين، وأخيرًا الفنانة مها أبوعوف، وفى الحقيقة عمر كان حنونًا جدًا ودبلوماسيًا ويجيد الاستماع لمن حوله، وكان إنسانا بمعنى الكلمة».
ويستكمل: «فى أيامه الأخيرة لاحظنا أنه يسرح كثيرًا، خاصة فى إحدى حفلات الفنان محرم فؤاد (كان متاخد قوى)، وكان ذلك بعد عودته مع الرئيس السادات من كامب ديفيد وعزفه أمام الرئيس الأمريكى، وبالمناسبة كل ما قيل عن شائعات تربص السادات له أو أنه مدبر الحادث كل هذا محض خيال ولم يحدث وما هى إلا أكاذيب اختلقها الناس الذين ربطوا بين وفاته وبين سفره إلى كامب ديفيد مع الرئيس السادات لتوقيع معاهدة السلام، لكن بالطبع هذا لم يحدث و السادات برىء من دم شقيقى».
هانى شنودة من على سرير «القلب المفتوح»: نجم لن يتكرر
تعاون عمر خورشيد خلال مسيرته الفنية مع الموسيقار هانى شنودة، وكان لهما محطات فنية هامة، وعندما تواصلنا مع الموسيقار هانى شنودة، فوجئنا بإجرائه عملية «قلب مفتوح»، لكن المثير أنه رغم اعتذارنا تمسك بالحديث عن عمر خورشيد رغم آلامه، قائلًا: «لازم أتكلم عن عمر خورشيد الفنان اللى عمره ما هيتكرر».
يقول الموسيقار هانى شنودة: «كنا معًا فى فرقة (بى تى شا)، وكان عمر فى ذلك الوقت يعزف فى الفرقة الماسية، ثم كلفنى عبدالحليم حافظ بتكوين فرقة صغيرة تنضم إلى فرقته فى الحفلات، وبالطبع تواصلت مع عمر لأنه كان أفضل من يقوم بهذا الدور لأنه كان يحفظ غربى وشرقى وكان هذه هو المطلوب بالفعل».
يلتقط «هانى» أنفاسه معتذرًا عن حديثه المتقطع قائلًا: «عمر كان متعدد الأوجه، كان منتجا سينمائيا كبيرا وناجحا ويفهم معنى الإنتاج ولا يبخل على أعماله، وكان نجمًا سينمائيًا شهد له الجميع، وبالطبع كان عازف جيتار من الدرجة الأولى، وموسيقيا موهوبا معجونا بالفن، كان (حاجة ما بتجيش كتير فى الزمن) لكن هذا هو حال الدنيا».
حلمى بكر: ظاهرة فنية شاملة وشهرته لم تأت من فراغ
الموسيقار الكبير حلمى بكر، كشف جزءًا كبيرًا من بدايات عمر خورشيد الفنية، موضحًا أن عمر دخل عالم الموسيقى الشرقية من خلاله، وعن ذلك يقول: «كانت صداقته معى أول صداقاته فى عالم الموسيقى الشرقية، واستمر التعاون بيننا كثيرًا واستعنت به فى أغنية (ياللى الهوى رماك) مع محمد رشدى، وكان معه مجدى الحسينى، وكان هذا أول دخول له فى عالم الأغنية العربية، وأتذكر أنه عندما قابلتهما كان يمتلك سيارة كاديلاك مكشوفة وجاء مع مجدى الحسينى وكانا مندهشين جدًا من وجودهما فى فرقة شرقية، وبعد نجاح الأغنية بدأ عمر فى تكوين فرقة موسيقية خاصة به، ونجح فى إثبات نفسه بشدة، لدرجة أنه تلقى عدة طلبات من لبنان لإحياء حفلات موسيقية هناك».
يستكمل الموسيقار حلمى بكر ويقول: «استعان عبدالحليم حافظ بعمر خورشيد فى فرقته فى البداية ثم استعانت به أم كلثوم، ومن هنا بدأت شخصية عمر خورشيد الموسيقية المستقلة تظهر بشدة، ودخل عالم التمثيل وأثبت نجاحه أيضًا ثم بدأ يدخل عالم الإنتاج ويصبح ظاهرة، لدرجة أن الشباب الصغير بدأوا يتمرنون على عزف موسيقاه، وبدأ جيل كامل من الشباب يمسك الجيتار بطريقته، وأكثر ما نجح فيه كان تعريب أو تمصير الجيتار ولذلك هناك جمل موسيقية له محفورة فى الأذهان حتى الآن سواء فى أفلام أو مقطوعات منفردة».
وعمن كان له السبق فى عزف آلة الجيتار فى مصر يقول «بكر»: «عمر خورشيد أول من عزف الجيتار بشكل غربى، ثم مجدى الحسينى، لكن فى عالم الموسيقى الشرقية كانت بدايتهما معى فى الأغنية التى ذكرتها، ثم تعاونا مرة أخرى فى أغنية فيلم لفؤاد المهندس وشويكار ثم مرة أخرى فى فيلم لسمير صبرى ونيللى والأغنية كانت بعنوان (مبروك للعروسة)، ثم بعد ذلك كونا فرقة ثم استعانت بهما الفرقة الماسية ومع صلاح عرام، ثم أصبح لكل منهما شخصية مستقلة».
وعن اختفاء العازف الظاهرة فى مصر يقول: «كان من الممكن أن ينجح بعض من تعلم من عمر وأن يكون لهم مستقبل كبير لكن للأسف هؤلاء كل شاغلهم الأموال، وهذه النقطة سبب تراجعهم واختفائهم، هؤلاء لم يدركوا أن كلمة (سوليست) صعبة جدًا».
ويختتم قائلًا: «عمر كان فنانًا شاملًا نجح فى السينما والموسيقى ونجح كعازف لأنه كان يحب عمله ويحب الفنانين الذين يعمل معهم ولم يكن مجرد زائر للاستديوهات أو المسارح، الجميع أحبه بداية من عبدالوهاب لأم كلثوم لعبدالحليم حافظ، ولذلك كان عبدالحليم يمنحه الوقت ليعزف منفردًا، نجومية عمر خورشيد لم تأت من فراغ».
هانى مهنى: سبق عصره بالحداثة والنجومية كانت تبحث عنه
الموسيقار هانى مهنى كان صديقًا للراحل عمر خورشيد، وعزفا معًا مع كبار المطربين المصريين، وكان بينهما ذكريات كثيرة جمعتهما، وبالتواصل مع الموسيقار هانى مهنى قال: «عمر خورشيد كان من الموسيقيين الطموحين جدًا، ومن القلائل الذين أخلصوا للعزف الموسيقى، وشهرته بدأت أثناء عزفه الغربى مع فرقة (بى تى شا)».
ويضيف الموسيقار هانى مهنى: «إخلاص عمر للموسيقى وأمانته فى عمله بدأت تظهر بشكل أكبر بعد دخوله عالم الموسيقى الشرقية عن طريق بليغ حمدى وعمله مع كبار المطربين فى عصره مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد، وخلال تلك الفترة بدأت بصمته تظهر وتصبح واضحة للجميع، خاصة أن إحساسه بالموسيقى كان له عبق خاص، وأم كلثوم تحديدًا تكاد تكون احتضنته إنسانيًا وفنيًا أولًا لإيمانها بموهبته الفنية، ثانيًا لصداقتها مع أسرة والده مدير التصوير الراحل أحمد خورشيد، وعندما توفى والده تعاملت معه مثل ابنها تمامًا».
وتطرق «مهنى» إلى الاحترافية العالية التى كان يمتلكها عمر خورشيد خلال عزفه على الجيتار قائلًا: «كان يراعى عدم وجود (الربع تون) فى الجيتار، ومن مميزاته التى تحترم فى الحقيقة رفضه إدخال (الربع تون) على الجيتار لأنه اعتبر ذلك أمرا غير منطقى، لأن الجيتار مختلف عن البيانو وكان مؤمنا بأن الجمهور لن يصدقه، لكن عمر وبحرفية شديدة نجح بأدائه فى الاقتراب من الموسيقى الشرقية خلال العزف دون أى تعديلات على الجيتار، وهذا يحسب له بالطبع ويدل على احترافه وإحساسه بالجمهور».
ويتابع: «للأسف بعض الملحنيين الشرقيين عارضوا فى ذلك الوقت وجود الأورج والجيتار فى الفرق الموسيقية الشرقية، واعتبروا وجودهما تشويها للموسيقى لكننى نجحت مع عمر فى إثبات العكس وكان مبدأنا أن معظم الآلات مثل الكمان أو التشيللو صناعة غربية فى الأساس لكن العزف هو الذى يمصر الآلة وليست الآلة هى من تمنح جنسيتها لعازف، بدليل أن أفضل عازف كمان فى العالم لن يستطيع العزف مثل أحمد الحفناوى ملك الكمان فى مصر والوطن العربى، لأن إحساس أحمد الحفناوى بالموسيقى الشرقية أقوى، والحمدلله أثبتنا منذ ذلك الوقت أن دخول الأورج والجيتار لم يكن تشويهًا».
ويسترسل: «عمر كان سابقًا لعصره بمقطوعات موسيقية وكان لديه حداثة موسيقية مستقبلية، ولم يكن محبًا لأى شىء تقليدى قد ينتهى مع الأيام لذلك عاشت أعماله كل هذه السنوات حتى الآن، بدليل وجود (رينج تون) لمقطوعاته الموسيقية بين الشباب الذين لم يعاصروه، وللأسف عمر رحل عن عالمنا ولم نجد حتى الآن البديل».
ويختتم: «النجومية كانت تبحث دائمًا عن عمر لذلك جذبته السينما إليها وشارك بالتمثيل فى أكثر من فيلم وكان تمثيله محترما جدًا سواء مع صباح أو محمود عبدالعزيز أو نجلاء فتحى، وأفلامه لايزال الشباب يشاهدها، ورغم أن عمره الفنى لم يكن طويلًا فإنه موجود بيننا حتى الآن».