تختلف صلوات الأقباط في «أحد الشعانين» أو ما يعرف بـ«أحد السعف» عن الصلوات العادية طيلة العام، فبعد انتهاء قداس أحد الشعانين، في الثانية عشر ظهرا في أغلب الكنائس، لا ينصرف المصلون بل يجتمعون بصحن الكنيسة، لحضور التجنيز العام، ويصطفون لتصلى عليهم جميعا صلوات الجنازة.
ويحضر المصلون الأقباط صلاة الجناز العام بطيب خاطر، وهم يشعرون أنها تصلى عليهم كأموات وهم أحياء، ويقام هذا الطقس منذ مئات السنين، وأكدت مصادر كنسية أن الصلاة على الأقباط صلاة الأموات، ليس مرتبطا بحدث أو ظروف سوى التركيز في آلام السيد المسيح، وهو طقس قديم قدم المسيحية.
وقال الأنبا مكاريوس، الأسقف العام للمنيا، إن الغرض الأساسي من صلوات التجنيز للشعب هو خشية أن يتوفى أحدهم في أسبوع الآلام، فهذا التجنيز يغني عن تجنيز الأربعة أيام التي لا يجب فيها رفع البخور، وهي أيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، من أسبوع البصخة المقدسة.
وأضاف مكاريوس: «إذا توفي قبطي في أحد أيام أسبوع البصخة المقدسة أو ما يعرف بأسبوع الآلام، يحضر به مشيعوه للكنيسة، وتقرأ فصول وقراءات ما يلائم ساعة دخول المتوفى للكنيسة، بدون رفع بخور المعتادة في الجنازات في أيام السنة العادية».
وفسر القس يوساب عزت، أستاذ القانون الكنسي والدين المقارن بالكلية الإكليريكية بالمنيا وراعي كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا الجديدة، سبب عدم إقامة صلاة جناز للمتوفين الأقباط أثناء أسبوع الآلام، بأن هناك 3 أسباب رئيسية، الأول أن هذا الأسبوع خصص كنسيا لعمل تذكار آلام السيد المسيح، والثاني أن المسيح قد قاسى في هذا الأسبوع آلاما مرة، لهذا رأت الكنيسة ألا تشترك في حزن آخر غير حزن المسيح محور اهتمامها.
وأضاف عزت أن السبب الثالث أن الكنيسة قد خصصت هذا الأسبوع لصرفه في الصلاة والتسبيح والصوم، وهي حزينة على خطايا البشر، مشتركة في آلام السيد المسيح، عملا بقول الكتاب المقدس: «لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة، أما حزن العالم فينشئ موت».
أوراق سعف النخيل ورموزها..
وتعد أوراق سعف النخيل في المعتقد المسيحي وخاصة لدى أقباط مصر، خصوصية ومكانة خاصة جدا يرجع لعدة أسباب، منها ارتباطه بعدد من آيات الكتاب المقدس ومنها ما هو أصيل لدى التقاليد المصرية القديمة.
وأوضح إسحق الباجوشي، الباحث في التاريخ القبطي، أن سعف النخيل في الحياة المصرية القديمة كان من أهم النباتات المميزة للبدايات المبشرة بالخير، وكان سعف النخيل الأخضر يرمز لبداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة.
وتابع: «السعف يخرج من قلب الشجرة وكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة التي يعلقونها على أبواب المنازل ويحملونها كذلك، لتوضع في المقابر ويوزعون ثماره الجافة صدقة على أرواح موتاهم، وظلت تلك العادة حتى وقت ليس ببعيد في صعيد مصر كما كانوا يصنعون من السعف أنواعا مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس لتجديد الحياة في العام الجديد».
وأضاف: «في المسيحية في العهد القديم يشير السعف إلى النصرة وحمل سعف النخيل كان يمثل دورا رئيسيا في الاحتفال بعيد المظال، (وفيه كان اليهود يسكنون في خيام ومظال ويذبحون فيها الذبائح تذكارا لأجدادهم الذين عبروا من أرض مصر وكانوا يستقبلون العيد بالسعف ابتهاجا به)، فكان علامة للبهجة بالعيد».
وأشار الراهب القس كاراس المحرقي إلى أن سعف النخيل والنخل ذُكر في الكتاب المقدس عدة مرات، بخلاف ذكره في استقبال السيد المسيح وقت دخوله أورشليم «أحد السعف»، أولها عندما كتب القديس يوحنا عن المنتصرين قائلا: «نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ» (رؤ9:7(.
وتابع المحرقي: «كما يقول القديس أُغسطينوس فإن سعف النخيل شعار للمدح ويرمز للنصرة، فقد كان السيد المسيح قادما للنصرة على الموت بالموت، وهزيمة الشيطان بصليبه الغالب»، مضيفا: «الله شبه الصدِّيق بالنخلة (اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو) (مز12:92)، لِمَا بين الصدِّيق والنخلة صفات مشتركة».
ولفت إلى أن هذه الصفات تتمثل في:
أولا: النخلة تمتاز بالاستقامة، والصدِّيق أيضا مستقيم في علاقته مع الله والناس.
ثانيا: سعف النخيل ليس فقط قلب النخل، بل هو أيضا جديد وأبيض وهما أيضا صفتان لازمتان للقلب النقي، أن النخلة لها قلب أبيض، والصدِّيق قلبه نقي ليس فيه مكر أو غش أو خِداع.
ثالثا: الصفات التي تجمع بين النخلة والمؤمن، أن حياة النخلة في رأسها فلو قُطعت ماتت وانعدم ثمرها، والصدِّيق حياته في رأسه ولهذا يجب أن يكون له فكر المسيح، فإن تخلّى عنه مات روحيا وأدبيا.
رابعا: للنخلة سلالم نتسلّقها لنقطف من ثمارها، والصدِّيق هو سُلُّماً يصعد عليه الناس، ليقطفوا من ثماره الروحيّة أعني: الفرح والسلام والعطاء.. فيتغذّوا وينمو روحيّاً.
خامسا: النخلة ترمز إلى المحبّة والاحتمال، فإذا ضربتها بالحجارة أرسلت لك من ثمارها لتأكل، وهكذا الصدِّيق يُضطهد فيحتمل، ويُشتم فيُبارك.
سادسا: ورق النخيل له رؤوس كالإبر الحادة، إشارة إلى الصليب المُقدَّس، الَّذي هو حربة المؤمنين المسنونة ضد إبليس وكل جنوده الأشرار.
سابعا: النخلة أيضا شجرة ناسكة، تمثل الاحتمال والرضا بالقليل، لذلك يمكن أن تسكن في البراري وتحتمل الحر والعطش، وهكذا كانت تمثل طعام بعض الآباء النساك في الصحارى.
وقال المهندس الزراعي ماجد نبيه إن النخل عند العرب له دلالات عديدة أبرزها أنه يرمز للكرم والجود العربي، كما أن النخيل من أقدم الشجر الذي عرفه الإنسان.
وتابع نبيه: «النخل يعد مدخلا أساسًيا للعديد من الصناعات؛ سواء كان ذلك من ثمره أو كربه أو سعفه أو ليفه، وهو مادة أولية لصِناعة السكر السائل والدبس والخل».