أعدت مجموعة من الخبراء والقوى السياسية، مذكرة مطولة تتضمن خارطة طريق لعبور مصر المرحلة الانتقالية بسلام، ويعتزمون تقديمها إلى المجلس العسكرى خلال أيام.
وتقترح المذكرة، التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها، تشكيل حكومة إنقاذ وطنى، ثم انتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد ثم انتخاب رئيس الجمهورية، وفور انتهائها تنتهى صلاحيات المجلس العسكرى ليعود إلى مهمته الأساسية، ويعقب ذلك إجراء الانتخابات التشريعية وفقاً لما سيحدده الدستور الجديد.
ومن أبرز المشاركين فى إعداد المذكرة والتوقيع عليها، أسامة الغزالى حرب والدكتور محمد البرادعى، وعبدالجليل مصطفى ومحمد أبوالغار وطارق الغزالى حرب وجلال عامر ووسيم السيسى وعلاء الأسوانى وسكينة فؤاد. و«المصرى اليوم» تنشر النص الكامل للخطاب الذى يطرح فى حملة جمع التوقيعات خلال الفترة المقبلة.
السيد المشير محمد حسين طنطاوى
وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
السادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة
تحية طيبة وبعد
يتقدم بهذا الخطاب إليكم مجموعة من المواطنين المصريين الذين يساورهم القلق بشأن الأوضاع الراهنة فى مصر، ويشاركون أبناء الشعب تساؤلاتهم حول مستقبل الوطن، خاصة أننا على أبواب انتخابات برلمانية، يتصور أن يليها استكمال مؤسسات الدولة المصرية فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 العظيمة.
يدفعنا ويشجعنا على تقديم هذا الطلب إليكم، ليس فقط اضطلاعكم بمسؤولية إدارة البلاد فى الوقت الراهن، وإنما تقديرنا للموقف المشرف الذى اتخذته القوات المسلحة المصرية، والذى يتسق مع تاريخها الوطنى كله، إلى جانب الشعب المصرى وانحيازها بلا تردد إلى ثورته العظيمة فى 25 يناير 2011.
إن ذلك القلق والتساؤلات المحيطة به تتعلق فى الأساس بثلاث قضايا حيوية:
القضية الأولى، هى تدهور حالة الأمن فى البلاد.
فلا شك أن هناك إحساساً جارفاً لدى جميع المواطنين فى جميع أنحاء مصر بالافتقار إلى الأمن، والذى يتمثل أهم مظاهره فى الغياب شبه الكامل حتى الآن لجهاز الشرطة، وسيادة مظاهر من الفوضى الشاملة وانتشار أعداد كبيرة من البلطجية والخارجين على القانون، الأمر الذى وصل إلى ممارسة الجرائم وأعمال البلطجة فى وضح النهار، وفى أكثر المدن والأحياء ازدحاماً بلا أى رد فعل أمنى.
إننا ندرك تماماً أن جهاز الشرطة كان فى مقدمة الأجهزة التى تأثرت سلباً بقيام الثورة، بسبب الممارسات اللاإنسانية، والمنافية لأبسط حقوق الإنسان التى دأبت عليها قبل الثورة بعض العناصر فيه، خاصة فى جهاز مباحث أمن الدولة.
ولكننا نعتقد الآن أن ثمانية أشهر تمثل فترة كافية كان ينبغى على السيد وزير الداخلية ومساعديه العمل بدأب على إعادة بناء الشرطة بسرعة وبإيقاع يتناسب مع التحديات الأمنية القائمة، ومايزال هذا مطلباً ملحاً ينبغى إعطاؤه ما يستحقه من أولوية، وفى الوقت نفسه فإننا نتصور أن القوات المسلحة المصرية كان ومازال ممكنا قيامها بجهد أكبر - بشكل مؤقت - فى هذا المجال، على نحو أفضل مما تم فعلاً بواسطة جهاز الشرطة العسكرية، فى معالجتها للأحداث المؤسفة التى وقعت مؤخراً، وكان آخرها أحداث منطقة ماسبيرو عند مبنى التليفزيون المصرى وسط القاهرة.
القضية الثانية، هى تكرار أحداث الفتنة الطائفية التى تصيب فى الصميم قلب الوطن، وتحدث أخطر الشروخ فى تماسك الأمة المصرية، ولا شك أنه مما يثير الريبة أن تشهد مصر - فى خلال ما لا يزيد على ثمانية أشهر بعد الثورة - عشرات من تلك الأحداث، وليست أحداث أطفيح (مارس 2011) وإمبابة (أبريل 2011) وشبرا الخيمة (أغسطس 2011) وماسبيرو (أكتوبر (2011)، بما شهدته من عنف وقتل لعشرات المواطنين الأبرياء إلا فقط الحالات الأكثر شهرة.
ومع تقديرنا للقاء الذى تم مؤخراً بين قيادة القوات المسلحة وقداسة البابا شنودة الثالث، فإننا نتصور أن الحل الجذرى لمشكلة الفتنة الطائفية يتجاوز بكثير مثل تلك اللقاءات، ويتعلق بالضرورة العاجلة لرسم وتنفيذ سياسات جادة وبعيدة المدى فى مجالات الإدارة والعدالة والتعليم والإعلام والثقافة لإزالة سلبيات تراكمت طوال العقود الماضية، وخلقت مناخاً مشوهاً للتعصب والشك بين المواطنين، وعلى وجه التحديد فإننا ندعو إلى تشكيل لجنة وطنية توضع أمامها جميع التقارير والتوصيات التى سبق أن توصلت إليها اللجان المعنية بشأن الأحداث الطائفية التى وقعت فى مصر، وعلى رأسها التقرير المهم الذى وضعته لجنة د. جمال العطيفى عام 1972، عقب أحداث الخانكة فى ذلك العام، والتى أهمل النظام السابق الأخذ بها طوال أربعين عاماً، بالرغم من تكرار ذكرها والإشارة إليها عقب كل حادث طائفى! إننا نعتقد أنه قد آن الأوان هذه المرة لتطبيق تلك التوصيات ووضعها موضع التنفيذ وفق جدول زمنى محدد.
القضية الثالثة، هى الأوضاع الاقتصادية المتردية التى تهدد بانفجار اجتماعى لا تحمد عقباه فى أى وقت، إن الرخاء أو الازدهار الذى تعرفه قطاعات من المواطنين أو مناطق معينة، يقابله بؤس وفقر مدقع لملايين المصريين محدودى الدخل، فضلاً عن الملايين التى تقطن ما يقرب من ألف منطقة عشوائية تفتقر إلى الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الآدمية، ولذلك فإن اتخاذ إجراءات جادة ومدروسة للإنعاش الاقتصادى (والتى يسبقها بالضرورة استقرار أمنى) بات مسألة شديدة الإلحاح، وتبدو هذه الإجراءات أكثر إلحاحاً فى مجال إعادة الحياة إلى النشاط السياحى، الذى يمثل مصدراً للرزق لملايين المصريين، وإحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المصرى، الذى يمكن من خلال إجراءات سريعة وحاسمة إنعاشه ببرنامج عاجل للتحفيز الاقتصادى قصير المدى يسعى لخلق المناخ الجاذب للاستثمار، وعودة الاستثمار العربى والأجنبى على نحو سريع وملموس.
فى ضوء هذه الحقائق، فإننا نعتقد أن مسار الانتخابات التى يجرى التحضير لها الجمعه تحت ضغط المعطيات المشار إليها «غيبة استتباب الأمن - المشكلة الطائفية - المصاعب الاقتصادية» محفوف بالمشاكل، فالسماح لفلول الحزب الوطنى المنحل - الذين أفسدوا الحياة السياسية وشلوا قدرة البرلمان على القيام بمسؤوليات الرقابة والتشريع - بالترشح فيها ليكونوا ربما جزءاً من برلمان الثورة المنتظر، إضافة إلى لجوء بعض التيارات إلى استغلال بعض الشعارات الدينية وبعض دور العبادة فى التسويق الانتخابى لفئات بعينها رغم تجريمها قانوناً، كل ذلك يثير مخاوف حقيقية لغيبة أى قدر من اليقين حول كيان ومكونات هذا البرلمان الذى وضع بين يديه اختيار اللجنة التأسيسية التى ستكتب الدستور الجديد. نحن نعتقد أن هذا مسار محفوف بالمخاطر المنذرة بتفجر العنف فى البلاد على نطاق واسع مما يهدد بتعويق العملية الانتخابية ذاتها، ويفاقم اهتزاز أمن الدولة واستقرارها.
وبناءً عليه، وحرصاً على مصلحة الوطن، وعوضاً عن تضييع بضعة شهور أخرى تضاف إلى حالة التوتر وعدم اليقين الحالية فإننا نطالب بما يلى:
أولاً: تشكيل حكومة «إنقاذ وطنى» من شخصيات وعناصر تعبر عن روح الثورة المصرية، وتوحى للمواطن المصرى، بشكل لا لبس فيه، أن هناك تغييراً حقيقياً قد حدث فى السلطة التنفيذية يتناسب مع عمق وأصالة الثورة المصرية. وأن تتمتع هذه الحكومة بصلاحيات كاملة تمكنها من المواجهة الفعالة للتحديات التى يواجهها الوطن، وفى نفس الوقت يستمر المجلس العسكرى - رئيساً وأعضاء - فى أداء دورهم المؤقت بالمرحلة الانتقالية لممارسة مهام رئاسة الدولة.
ثانياً: تتولى هذه الحكومة مسؤولياتها لمرحلة انتقالية محددة سلفاً، وفقاً لما تقدره، بالتعاون مع أجهزة الدولة الأخرى، يتم فيها إنجاز المهام الأساسية لإطلاق عملية إعادة بناء الدولة، وفى مقدمتها إعداد الدستور الجديد، من خلال جمعية تأسيسية تمثل جميع قوى وفئات الشعب يشكلها البرلمان المنتخب طبقاً للمعايير والآليات التى تتوافق عليها القوى السياسية، «وهو الأمر الذى سبقتنا إليه تونس فى الأسابيع القليلة الماضية».
ثالثاً: تدير حكومة الإنقاذ الوطنى البلاد خلال الفترة الانتقالية، إلى حين الانتهاء من وضع الدستور والموافقة عليه، وتفعيل نصوصه لإعادة ترتيب أوضاع السلطة السياسية فى البلاد، وفى مقدمتها انتخاب رئيس الجمهورية بالكيفية والصلاحيات الواردة فى الدستور.
رابعاً: بمجرد انتخاب رئيس الجمهورية تنتهى صلاحيات المجلس العسكرى، الذى يعود لمزاولة دوره فى الدفاع عن الوطن، الذى سوف يحدده ويضمنه الدستور الجديد.
خامساً: يلى ذلك الإعداد للانتخابات التشريعية، وفقاً للدستور الجديد، الذى سوف يحدد طبيعة تكوين المجلس التشريعى الجديد «بما فى ذلك حسم قضايا مثل تمثيل العمال والفلاحين وكوتة المرأة، والأعضاء المعينين.... إلخ».
فى هذا السياق العام، فإننا نرحب بالحكم الذى أصدره القضاء الإدارى بحق المصريين فى الخارج فى التصويت فى الانتخابات، وبمبادرة الحكومة إلى وضع آليات تنفيذه على الفور، كما أننا ندعو إلى القبول الواضح بوجود رقابة مدنية دولية على الانتخابات، إلى جانب الرقابة الداخلية من منظمات المجتمع المدنى المصرية، تأكيداً لنزاهة الانتخابات وشفافيتها، وتجاوباً مع واحد من أسس التغيير الديمقراطى الذى وقع على المطالبة به مليون مصرى ومصرية قبل ثورتنا المجيدة.
سادساً: إجراء حوار وطنى شامل حول الوثيقة التى قدمها الدكتور على السلمى، نائب رئيس مجلس الوزراء، تشترك فيه كل القوى السياسية والحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة للوصول إلى توافق وطنى حقيقى حول المبادئ الأساسية للدستور المنشود لحماية الحريات الأساسية وديمقراطية النظام الجديد، وحول المعايير العامة لاختيار أعضاء لجنة وضع الدستور لضمان تمثيل جميع فئات المجتمع وقواه السياسية بجانب إعادة صياغة المادتين 9 و10 من الوثيقة لضمان مدنية الدولة وعدم تسييس المؤسسة العسكرية.
إن استكمال المهام السابق الإشارة إليها تبدو الجمعه شديدة الإلحاح، لذا فإننا نتوقع من المجلس العسكرى أن يتجاوب مع المطالب السابقة بروح وإيقاع يتناسب مع هذا الإلحاح، ومع الدور الوطنى الإيجابى، الذى لعبه المجلس فى مساندة الثورة المصرية.