تواجه الجماعة الإسلامية تحديات كبيرة فى أول انتخابات برلمانية تقرر خوضها بعد ثورة 25 يناير، إذ كانت «الجماعة» فى السابق تحرم التصويت، فضلاً عن الترشح فى المجالس البرلمانية من باب أن المشاركة فى هذه المؤسسات كفر، وربما أول تحد لها - رغم أنها التجربة الأولى - أن أغلب مرشحيها ينافسون فى دوائر محافظات الوجه القبلى، التى يعرفها البعض بأنها دوائر شلالات الدماء، نظراً إلى أن مركز ثقل التنظيم فى صعيد مصر، فى الوقت الذى يراهن فيه أعضاء الحزب الوطنى المنحل على هذه الدوائر، معتدين على العصبيات القبلية التى تملك الخبرات اللازمة لإدارة العملية الانتخابية، فكثير من عائلات الصعيد كان أبناؤها ينتمون للحزب الوطنى «المنحل»، وكان الحزب يختار مرشحيه من بينهم، فأصبحت أغلب العائلات الكبيرة بطبيعة الحال تضم أعداداً كبيرة ممن يطلق عليهم الآن «فلول الحزب الوطنى» دون أن تدرى وبالتالى دخلت فى المنافسة الشرسة مع التنظيم الدينى الأقوى فى الصعيد.
الجماعة الإسلامية مازالت تلملم شملها بعد أن خرج أغلب أعضائها من السجون، عقب إطلاق مبادرة وقف العنف عام 1997 وتم تفعليها عام 2002، لدرجة أن «الجماعة» مازالت تجد مشكلة أمام تحركها الدعوى فى المساجد خاصة فى الوجه القبلى الذى يستحضر أهله العمل المسلح كلما همت «الجماعة» بأى نشاط ودائماً ما يكون تعليق الأهالى: «سيبونا بقه فى حالنا، كفاية اللى حصلنا من تحت راسكم»، عبارات تسمعها الجماعة فتعوقها عن العمل والتحرك الجماهيرى ليس فى مجال الدعوة فقط، وإنما فى مجال السياسة أيضاً، فالجماعة لا تمتلك آلية لمواجهة مرشحى الوطنى المنحل بعد أن فشلت مع غيرها من القوى السياسية فى خروج قانون العزل السياسى إلى النور.
هناك دوائر كثيرة مؤهلة للحسم باستخدام العنف بشكل كبير لأسباب لها علاقة بالقبلية فى الصعيد، وهناك دوائر معروف عنها العنف خاصة فى محافظات أسيوط وسوهاج والمنيا وهى المحافظات التى تطرح فيها الجماعة أكبر عدد من المرشحين، والسؤال المطروح الآن: هل يمكن أن تعود الجماعة لممارسة العنف المسلح فى الانتخابات؟ وماذا سيكون رد فعلها على أى أعمال عنف وبلطجة فى مواجهتها، وهى مظاهر تشهدها دوائر الصعيد فى كل انتخابات، خاصة أن من بين مرشحى الجماعة الإسلامية من كان له فى السابق دور بارز فى العمل المسلح، وهناك أيضاً من لا يملك السيطرة على أنصاره الذين يمتلكون السلاح وربما يستخدمونه إذا اقتضى الأمر، هل ينظر للجماعة الإسلامية بعين الريبة وهل تنسب هذه العمليات المحتملة إلى بعض المرشحين الذين كانت لهم علاقة بالعمل المسلح؟ وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً، هل تكون هذه الانتخابات بداية حقيقية لعودة العنف مرة ثانية، فبدلاً من أن تمارس الجماعة السياسة تعود مرة أخرى لممارسة العنف.
نفى الدكتور، حاتم مختار راجح، أحد كوادر الجماعة ومرشحها فى الأقصر، أى احتمالات لعودة العنف من قبل الجماعة لأنها تدرك حجم التحديات التى تواجهها ولذلك لن تقع فى فخ الاستفزاز، خاصة أنها تنظر إلى البرلمان على أنه أداة تغيير وليس غاية فى ذاتها، فإن جاء فأهلاً وإن لم يأت فهناك طرق ومنابر كثيرة سوف تشارك الجماعة من خلالها فى العمل العام من أجل الوطن.
وقال راجح: «فلول الوطنى» فرضوا علينا المواجهة وعلى الشعب أن يختار بيننا وبينهم فهم الذين أفسدوا الحياة السياسية على مدار عقود طويلة، ونحن نثق فى وعى الشارع الذى سيختار الأصلح بين المرشحين».
وقال إن «الجماعة» لن تعود بأى صورة للعنف ولن تستخدمه مهما كان الوضع، حتى لو استخدمه الطرف الثانى، هذا لأننا نؤمن بأهمية التغيير السلمى. ولفت إلى أن دائرته من أهدأ الدوائر ولم يعرف عن مرشح الوطنى فيها سابقاً وحالياً وهو الدكتور بهجت الصنّ أن استخدم العنف أو مارسه، مؤكداً، أن رهان الجماعة الوحيد على وعى الناس وثقتهم الكبيرة فى مرشحى حزب البناء والتنمية. وقال محمد حسان حمّاد، السكرتير الإعلامى لمجلس شورى الجماعة الإسلامية: إن العنف غير وارد فى الدوائر التى رشحنا كوادر الحزب فيها، كما أن أغلب مرشحينا من عائلات كبيرة لها احترامها، وبالتالى لن تكون هناك فرصة لعائلات أخرى للدخول معها فى صراع أو صدام مسلح.
واختتم كلامه، بأن الجماعة لن تدخل فى أى صدام مسلح ومحتمل مع مرشح آخر مهما كان انتماؤه وحزبه وسوف تترك مرشحيها وعائلاتهم يتعاملون مع الموقف.
تأكيدات الجماعة الإسلامية بعدم ممارسة العنف المسلح وإصرار قياداتها على أن هذا من رابع المستحيلات مهما كان استفزاز الطرف الثانى، تذكرنا بأحداث الثمانينيات التى طرح فيها التنظيم مبادرات سابقة لوقف العنف، كانت بدايتها عام 1983 من خلال كرم زهدى، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، حيث طرح 3 مبادرات لوقف العنف آنذاك، أولاها مع اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة المنحل الأسبق، الذى تعامل معها بإيجابية، إلا أن القيادة السياسية رفضت هذه المبادرة، ومبادرة أخرى كان الشيخ محمد متولى الشعراوى، وسيطاً فيها ولم تتفاعل معها الحكومة، ومبادرة ثالثة كانت من خلال ضباط أمن الدولة الموجودين بسجن ليمان طرة فى هذا الوقت، وتعامل معها الجهاز بنفس الطريقة التى تعاملت معها القيادة السياسية قبل ذلك.
ورغم أن الجماعة هى التى طرحت هذه المبادرات وكانت لديها نية «صادقة» فى وقف العمليات المسلحة، التى بدأها التنظيم عام 1981 باغتيال الرئيس محمد أنور السادات، فإن الجماعة انقلبت على هذه المبادرات وقامت بتكليف مصطفى حمزة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية بالخارج، والدكتور محمود حفنى، الذى تم اغتياله فى أفغانستان، وممدوح على يوسف، مسؤول الجناح العسكرى للجماعة فى مصر، المحبوس على خلفية قضية الجهاد الكبرى، بإعداد رؤية وتصور للجناح العسكرى من داخل السجن، وقاموا بتشكيله فعلياً عام 1988 عندما خرجت هذه القيادات بعد انتهاء فترة العقوبة، ونفذ عملياته بمحاولات اغتيال وزراء الداخلية وبعض الشخصيات العامة فضلاً عن الصراع المسلح مع بعض قيادات الأجهزة الأمنية، خاصة جهاز أمن الدولة المنحل، الذى راح ضحيته المئات من الطرفين.
وتنفيذ هذه العمليات كان تالياً لمبادرات أطلقتها الجماعة من طرف واحد، فقامت بتنفيذ عملياتها المسلحة، فضلاً عن إنشاء الجناح العسكرى، وهو ما يلقى بظلال من الشك والخوف من العودة إلى العنف مرة أخرى، رغم إطلاق المبادرة الشهيرة عام 1997.