هنا محطة قطار قنا، ربما تكون المرة الأولى فى تاريخ المحافظة أو على الأقل فى السنوات العشر الأخيرة التى لا تستقبل فيها قطارات قادمة من «القاهرة» أو «وجه بحرى»، كما يحلو لأهلها أن يقولوا.. المزلقان لا يغلق «يدوياً أو أتوماتيكياً».. مغلق «بشرياً» بمئات من الشباب افترشوا السكة الحديد على بعد أمتار قليلة من مبنى المحطة. مساء السبت الماضى، شهد اللحظة الأولى للتوقف الإجبارى، كما يقول محمد حسن، ناظر محطة قنا ــ وهو فى العقد الخامس ومن محافظة الأقصر ــ يضطر يومياً أن يستقل سيارة أجرة من هناك إلى مقر عمله فى محطة قنا، وأن مسافة 60 كيلومتراً. قال ناظر المحطة لـ«المصرى اليوم»: «فوجئنا بقرابة ألف شخص يوم السبت دخلوا المحطة وقالوا من النهارده مفيش سكة حديد.. وافترشوا القضبان عند مزلقان سيدى عبد الرحيم الذى يبعد عن المحطة حوالى 50 متراً».
يضيف: «اتصلت برئيسى فى العمل وأخبرته بالوضع وساعتها كان القطار رقم 80 قادماً من القاهرة إلى الأقصر وأسوان وهو درجتان ثانية وثالثة، وكان قد وصل دشنا التى تبعد 20 كيلو متراً عن محطة قنا ووقف هناك والناس نزلوا منه وأخذوا مواصلات عادية إلى بلادهم قبلى خصوصاً أسوان». وقال محمد حسن: «من يومها والله ما سمعنا صوت صفارة قطر.. والقطارات اللى جاية من قبلى تقف فى الأقصر.. والركاب ياخدوا مواصلات عادية.. اللى هى الميكروباصات والسبعة راكب إلى مدينة نجع حمادى ويكملوا سفرهم.. والأمر نفسه ينطبق على القادمين من القاهرة.. ينزلوا نجع حمادى ويركبوا مواصلات عادية لحد الأقصر.. ومن هناك لإدفو ومنها لأسوان شغالة قطارات الركاب العادية وهى التى تتوقف أمام كل محطة وقرية واسمها (الركاب أو القشاش) أى اللى بيقش كل المحطات.. والناس خلاص رضيت بيه لأنه الحل البديل».
محطة قنا التى لم تعمل منذ السبت الماضى، تستقبل العشرات من الركاب الذين حجزوا تذاكر سفر إلى القاهرة شمالا وأسوان جنوباً ودفعوا قرابة 100 جنيه عن كل تذكرة درجة أولى أو 70 جنيهاً درجة ثانية، العاملون على شباك التذاكر لم يجدوا أموالاً يردونها لأصحابها ويكتبون على ظهر التذكرة إن لصحابها قيمة كذا يستردها عندما تصل أموال.. وينطلق أصحاب التذاكر إلى ناظر المحطة ويسألون: «إحنا نعمل إيه.. ذنبنا إيه إن القطر مجاش.. إحنا مش فى محل بقالة وعايزين فلوسنا».. ويرد الرجل بهدوء: «والله أنا لو معاى فلوس فى جيبى هدفع.. لكن مفيش فلوس فى المحطة خالص.. لأننا وردناها»، ويقاطعه أحدهم: «طب أنا هعمل محضر».. ويرد الرجل، ويكاد يبكى من ندرة ردوده: «مكتب المأمور آخر الرصيف.. إعمل محضر هناك». يضع الرجل رأسه على مكتبه المتواضع وبجواره تليفون السكة الحديد القديم وهو ينظر إليه ويقول: «من يوم السبت مرنش».