أوجاع الانتظار أمام «مشرحة بدر»

كتب: عاطف بدر, آيات الحبال الخميس 01-03-2018 23:57

مبنى صغير مكون من طابق واحد، اختفت من عليه اللافتات الإرشادية وحلت محلها ملصقات إعلانية، به شباك صغير تظهر منه ثلاجات كبيرة، وتفوح منه رائحة «الفورملين»، إنها مشرحة مركز بدر بمحافظة البحيرة، حيث تجمع حولها عدد من أهالى قرية الحدين التابعة لمركز كوم حمادة، فى انتظار خروج جثامين ضحايا حادث القطار الذى شهدته المحافظة، أمس الأول.

وقف العشرات من الأهالى فى انتظار قرار النيابة للوصول إلى جثامين ذويهم، ضحايا تصادم قطارى خط المناشى أمام قرية أبوالخاوى بكوم حمادة، حيث أسفر عن وفاة 12 مواطنا، منهم 7 جثث، و2 أشلاء بمشرحة مستشفى دمنهور، وجثتان بمشرحة مستشفى بدر، بالإضافة إلى وفاة طفل بموقع الحادث وتم تسليمه لذويه.

واستقبلت مشرحة مركز بدر جثتين من أهالى قرية الحدين، هما علاء أحمد محمود زيدان، 40 عاما، عامل، ومحمد إبراهيم رمضان سليمان، 18 عامل، من الساعة الثانية ظهر أمس الأول، وظلت الجثتان داخل المشرحة لأكثر من 10 ساعات فى انتظار قرار النيابة، على حد قول الأهالى.

وسط تجمهر الأهالى، جلس رجل تجاوز عمره الستين عاما على أحد الأرصفة أمام مبنى المشرحة، وهو يسأل المحيطين عن موعد تسليم جثمان ابن أخيه «علاء» الذى راح ضحية حادث قطار البحيرة، بينما سأل وباقى أقاربه شهود العيان عن جثته، وحاولوا الوصول إليه وعرفوا من رجال الإسعاف أنه لقى مصرعه فى الحادث وتم نقله لمشرحة مركز بدر.

وصف «محمد» حالة نقل الجثث بـ«البطيئة»، بسبب عدم وصول سيارات كفاية لرفع آثار الحادث وانشغال رجال الإسعاف بالبحث عن المصابين وإسعافهم ونقلهم للمستشفيات المحيطة. وأضاف خال الضحية الثانية: «محمد الله يرحمه كان عنده 18 سنة وكان شغال عامل فى شركة بالقاهرة، وكل أسبوع بيركب القطر، وكان ناوى يخطب بعد شهرين، ومن ساعة ما وصلنا وإحنا مش عارفين نخلص إجراءات، والمشرحة مش فيها حد نتكلم معاه».

وواصل: «إحنا بقالنا هنا أكتر من 10 ساعات، ولم نرَ أى عامل أو مسؤول نكلمه فى المشرحة، ومحدش عبرنا غير اتنين دكاترة، هما اللى كانوا معانا من ساعة وصولنا للمشرحة، ودا مينفعش، لأن إكرام الميت دفنه، مش كفاية اللى إحنا فيه، يعنى موت وعذاب عشان ناخد جثة المتوفين، والقطر دا متهالك، والسكة الحديد متهالكة بس مقدمناش غيره نسافر بيه، وهنقول إيه الله يرحمه، وده أمر الله».

علاء أحمد محمود، أب لثلاث بنات، وكان فى انتظار مولوده الرابع خلال أشهر بسيطة، اعتاد استقلال قطار المناشى أسبوعيا نظرا لعمله فى إحدى الشركات بالقاهرة، لم تكن له وسيلة أخرى للوصول إلى عمله إلا هذا القطار، ولم يكن يعلم أن هذا القطار سيصله إلى مثواه الأخير دون أن يرى صغيره الذى لم يولد بعد.

«ده اسمه قطر مواشى مش مناشى، القطر ده طول عمره حالته سيئة ودايما بيتأخر عن مواعيده، وبنضطر نركبه، رغم إنه مش فيه أمان، وخد كتير من أهل البلد عشان مفيش قدمنا غيره».. هذا ما قاله إبراهيم عبدالرازق، قريب أحد الضحايا، وأكد أن حوادث القطارات متكررة ولا توجد أى وسيلة لحماية المواطنين والركاب.