رغم زيادة حجم ميزانية وزارة الدفاع أوضحت تصريحات الرئيس ترامب في نفس يوم إعلان الميزانية توجهات إدارته تجاه الشرق الأوسط، حيث ركز الرئيس ترامب على انتقاد سياسة الإدارات السابقة تجاه الشرق الأوسط التي أنفقت أموالًا طائلة هناك بدون أي عائد حقيقي حسب تعبيره: «أن الأرقام الأخيرة التي تعود إلى ما قبل شهرين فقط، تفيد أننا انفقنا في الشرق الأوسط حتى الآن 7 ترليون دولار. وهذا يعتبر خطأً فادحًا، ومع ذلك نجد الشرق الأوسط الآن في حالة أسوأ مما كان عليه قبل 17 سنة عند التدخل الأمريكي غير الذكي هناك، أنه أمر حزين حقا».
وهذا ليس تصريحًا جديدًا للرئيس ترامب، فطوال حملته الانتخابية أنتقد بشدة الغزو الأمريكي للعراق، كما أنتقد سياسة الرئيس السابق باراك اوباما التي اعتمدت سياسة إعادة أعمار الدول التي تواجه إضطرابات بدلا من سياسة التدخل العسكري الساخن لإدارة سلفه الرئيس جورج بوش. وأوضح وزير الدفاع جيمس ماتيس في تصريحاته أن التوجه الرئيسي لميزانية الدفاع هي زيادة القدرة العسكرية الأمريكية حسب استراتيجية الدفاع القومي التي تركز على مواجهة المخاطر التي تشكلها الدول الكبرى مثل روسيا والصين. «أن التنافس مع الدول الكبرى، وليس الإرهاب، هو التركيز الرئيسي للأمن القومي الأمريكي» هي التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع القومي ماتيس في 19 يناير عند الإعلان عن استراتيجية الدفاع القومي.
ونلاحظ أن ميزانية الدفاع الجديدة التي اقترحها الرئيس ترامب تعكس إستراتيجية الدفاع القومي التي أعلنها البيت الأبيض، ومع ذلك فمن الجدير بالذكر تخصيص 89 مليار دولار للحرب في أفغانستان وضد بقايا تنظيم داعش من أجمالي الميزابية التي بلغت 716 مليار دولار.
وفي هذا السياق، وقبل إعلان ميزانية الدفاع الجديدة بأسبوعين أعلنت وزارة الدفاع في تقرير الحالة النووية تعديلات جوهرية على عقيدتها النووية وطالبت الإدارة بزيادة التسلح النووي، وأوضح وزير الدفاع جيمس ماتيس أن ذلك جاء ردًا على تنمية روسيا لقدراتها النووية وخاصة الأسلحة النووية التكتيكية بالإضافة لتبني روسيا لعقيدة جديدة تسمح لها باللجوء إلى الخيار النووي.
ويأتي كل ذلك انعكاسا لما قاله الرئيس ترامب في خطاب حالة الاتحاد أمام الكونجرس وتأكيده أن الولايات المتحدة تواجه تحديات جديدة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وعلى عزمه تحديث الترسانة النووية الأمريكية.
ولفت تقرير لصحيفة النيويورك تايمز إلى أن ميزانية الدفاع الأمريكية هي الأكبر في تاريخ البنتاجون وأن هذه الميزانية التي بلغت 716 مليار دولار تفوق الإنفاق العسكري الروسي والصيني مجتمعين.
وقد يكون أكبر دليل على غياب الشرق الأوسط ضمن اهتمامات إدارة الرئيس ترامب هو عدم تعهد الولايات المتحدة بتقديم أي دعم لإعادة إعمار العراق الذي دمره الغزو الأمريكي أولا ثم حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش ثانيا. فبيما نجح مؤتمر الكويت في رصد تعهدات بـ 30 مليار دولار لإعادة إعمار العراق، لم تقدم الولايات المتحدة أي منها رغم مشاركتها في المؤتمر برئاسة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وبالمقابل لاحظ المراقبون مشاركة الشركات الأمريكية في المؤتمر وهي الشركات التي ترغب في الإستثمار في العراق.
ويبدو أن اهتمام إدارة الرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط ينصب على صفقات السلاح لدول المنطقة مثل دول الخليج المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات المتحدة وقطر، بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل وغيرها من الدول، حيث أعلن الرئيس ترامب أثناء زيارته التاريخية للرياض في مايو الماضي عن توقيع تعاقدات تبلغ 110 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية، وأفاد تقرير نشرته خدمة الأبحاث في الكونجرس للباحث كلايتون توماس، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، توقيع قطر على صفقة لشراء 36 طائرة مقاتلة بـ 12 مليار دولار في مايو الماضي، ولم يذكر التقرير حجم الصفقة التي توصلت إليها دولة الأمارات مع الولايات المتحدة.
وكأن لسان حال الإستراتيجية العسكرية للرئيس دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط هي نعم لصفقات السلاح ولا للتورط في الشرق الأوسط.