دخلت ماكينة الحرب السورية عامها السابع وسقط فيها مئات الآلاف من الضحايا فى مأساة ثانية تلت المأساة العراقية (مليون قتيل منذ حرب تحرير الكويت فى 1991 وحتى الحرب الأمريكية فى 2003) دون أى بوادر لإنهائها.
ما هو السر الجهنمى وراء استمرار تلك الحرب بعيدا عن الشعارات السطحية التى ترى الأمور بعين واحدة، ولا تريد أن تعترف بمسؤولية النظام السورى عن استمرار هذه الحرب المجرمة، وأيضا خطيئة عسكرة الثورة السورية ودخول الفصائل التكفيرية فى ساحة المواجهة والقتال.
معضلة الحرب السورية أنها حرب بالوكالة تراجع فيها الجانب المدنى الديمقراطى الذى ظهر فى بدايات الثورة قبل أن يجبر النظام تيارا من المعارضة على حمل السلاح، فى حين نوى منذ البداية تيار آخر (أكبر) على حمل السلاح بصرف النظر عن رد فعل النظام وفتح الطريق أمام الدواعش والتكفيريين لتدمير البداية المدنية للانتفاضة السورية.
يقينا الحرب فى سوريا لن تحسم بالقوة المسلحة، ولن يستطيع النظام حتى لو سيطر على الغوطة الشرقية واقتحم إدلب أن يبسط سطوته على الشعب السورى ما لم تكن هناك ترتيبات سياسية جديدة.
ورغم أن القوى الكبرى تعرف ذلك والقوى الإقليمية غير العربية المؤثرة فى الواقع السورى تعرف أيضا ذلك، إلا أن بعضنا فى العالم العربى مازال يهلل حين يتقدم النظام ويقتل المدنيين على اعتبار أن النصر قادم بالحسم العسكرى، تماما مثلما هلل فريق آخر منذ 3 أعوام لتقدم المعارضة وأغمضوا أعينهم عن أن داعش وجبهة النصرة فى قلب هذا التقدم.
إن كل من يهلل الآن لما يصفه حاليا بانتصارات النظام السورى يذكرنا بمؤتمر مرسى وعشيرته وصفته فى مقال وقتها «مؤتمر إفشال الثورة السورية» الذى هلل لعسكرة الثورة السورية.
حوالى 300 ألف قتيل حتى الآن وما يقرب من نصف مليون مصاب، وحوالى 4 ملايين لاجئ خارج الحدود، وبلد جرى تدميره وتخريبه وإنهاء قدراته المدنية والعسكرية، ويتحمل النظام السورى والدواعش المسؤولية «التكاملية» فيما جرى فى البلاد.
لن يحسم الصراع فى سوريا بالقوة المسلحة وأى تقدم يحققه النظام لا يعنى أنه استعاد السيادة على أرضه لأن من حسم معظم معاركه هو الفصائل المسلحة الشيعية العراقية والإيرانية واللبنانية مع الطيران الروسى فنظرية أن الدولة تبسط سيطرتها على أرضها هى أيضا نظرة لأصحاب العين الواحدة مثلما رأى البعض الآخر أن من سيطر على مدن ومناطق سورية كثيرة فى 2016 فصائل معارضة مدنية وثورية، فى حين أن الواقع يقول إنهم دواعش من كل حدب وصوب.
الحل فى سوريا سياسى ليس عسكريا، وما لم تمتلك الدول الكبرى ومعها القوى الإقليمية المؤثرة فى الصراع فى سوريا آلية لتنفيذ التفاهمات الكبرى، وعلى رأسها وضع دستور جديد للبلاد، والبدء فى مسار سياسى يؤدى لخروج بشار من الحكم والحفاظ على ما تبقى من الدولة والجيش السورى وإصلاحهما بشكل تدريجى.
التوافق على هذه العناوين شمل قوى عربية كانت تعمل على إسقاط بشار الأسد (السعودية مثلا) ويجب البحث عن آلية سياسية تدفع النظام لتقديم تنازلات وتدفع الفصائل المسلحة لترك السلاح والانخراط فى العملية السياسية مستبعدين الدواعش وحلفاءهم.