قبل أيام قليلة استعرض المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، فى اجتماع وزارى استراتيجية مضاعفة الصادرات الإنتاجية المصرية خلال السنوات الأربع المقبلة 2010 - 2013 لتصل إلى 580 مليار جنيه.. وإذا علمنا أن الصناعة المصرية قد حققت زيادة فى التصدير من 44 مليار جنيه إلى 92 ملياراً فى الفترة بين عامى 2005 و2009 فإن البعض يمكن أن يعتبر هذه الاستراتيجية حلما أو خيالا.. وكنت سأنضم إلى هؤلاء فى نظرتهم لولا ما رأيته من حجم ومستوى مشاركة رجال الصناعة المصريين فى مجال الأجهزة والمستلزمات الطبية فى معرض «صحة العرب» الذى انعقد قبل أيام فى دبى وشاركت فيه 2500 شركة من 70 دولة وكانت مصر هى الدولة العربية الوحيدة الحاضرة بصناعتها الواعدة فى هذا القطاع.
بعض الأرقام يعد مؤشرا قويا على هذا الكلام.. يستعرضها رجال الصناعة د. شريف عزت، رئيس شعبة الأجهزة الطبية باتحاد الصناعات.. ود. سامى الحنبولى، ود. ناجى غطاس، نائبا رئيس الشعبة، ود. وجدى فرج، ود. محمد سعيد، ود. محمد غنتورى، أعضاء مجلس إدارة الشعبة، كان عدد شركات الشعبة 5 فقط عام 2003 والآن يزيد العدد على 150 شركة أكثر من 50 منها لديها أرفع شهادات الجودة الأوروبية.. نسبة المكون المصرى فى الصناعة مرتفع قياسا ببقية الصناعات ويتراوح بين 25 و80%.. قبل 3 سنوات كانت صادرات مصر من هذا القطاع تبلغ 60 مليون دولار وبسبب مباشر من برنامج مساندة الصادرات وبرنامج تحديث الصناعة وصل حجم الصادرات إلى 233 مليون دولار وكما يقول د. شريف عزت: مقابل كل دولار أنفقته الدولة على المساندة التصديرية عاد 11 دولاراً.. هذا طبعا بخلاف المكاسب الأخرى التى تحققت حيث زاد حجم العمالة فى القطاع وزادت الاستثمارات.. وانخفضت الواردات بنسبة تصل إلى 20%.. وهى تتراوح بشكل عام سنويا بين 500 و800 مليون دولار.. ونسبة النمو بشكل عام فى هذا القطاع تزيد على 20%.
< ولكن هل الصورة وردية تماما؟.. ولا معوقات هناك؟
- الواقع أن الإجابة هى، لا وبداية يجب أن نعلم أن هذه الصناعة.. هى صناعة أمن قومى تماما مثل صناعة الأدوية، لها بعد استراتيجى وأمنى لا تقل فيه عن صناعة الغذاء والسلاح.. وما تم إنجازه فى هذا القطاع الواعد هو تحد لرجالها مثلما هو تحد للدولة رغم كل المعوقات.. وبعضها مازال حاضرا وبقوة.
يقول الدكتور شريف عزت إن أهم هذه التحديات هو غياب نظام الإبلاغ والفحص للمنتجات المعيبة صناعيا، سواء كانت مستوردة أو محلية الصنع، حيث تلجأ الجهات المتضررة إلى النيابة مباشرة دون الرجوع للسلطات الرقابية المتمثلة فى وزارتى الصحة والصناعة والأجهزة التابعة لهما، وهو الأمر الذى يؤدى إلى انهيار الكيانات الصناعية بسبب التشكك فى منتجاتها دون سند علمى، كذلك الثقافة العامة نحو عدم الثقة فى المنتج المحلى وعدم دراية كثير من الكوادر الطبية بدءاً من الأطباء وهيئات التمريض والمساعدين لكيفية استخدام أو صيانة أو تعقيم المعدات الطبية، بالإضافة إلى تعلق بعض الأطباء بالمنتجات المستوردة من خلال برامج الدعاية السخية للشركات الأجنبية دون سند علمى.
ورغم أن مصر تمتلك أكبر قاعدة علمية فى الشرق الأوسط للصناعات الطبية متمثلة فى تخصص الهندسة الطبية بعدد من كليات الهندسة يتخرج فيها 300 متخصص سنويا، إلا أن عدداً كبيراً من هؤلاء الخريجين لا يمتلك القدرة الكافية على الالتحاق بالعمل فى هذا القطاع، مما يجعل معظمهم يخرج إلى سوق البطالة.
وشدد رئيس شعبة الأجهزة الطبية على ضرورة تنفيذ ما أوصت به الدراسة التى قام برنامج تحديث الصناعة بتمويلها عن هذا القطاع الأجهزة والمستلزمات الطبية وإنشاء مركز تكنولوجى للصناعات الطبية ومعامل قادرة على الرقابة، وهو الأمر الذى سيحسن من صورة المنتج المصرى داخليا وخارجيا ويساهم بشكل مباشر فى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى القطاع وتطوير الشركات المصرية من الداخل.
وطالب الدكتور شريف بتجميع جميع صناعات الأجهزة والمستلزمات الطبية لتشكل غرفة صناعية مستقلة بدلا من تشتت بعض صناعات القطاع فى غرف وشعب أخرى بعيدا عن شعبة المستلزمات والأجهزة الطبية.
وتحدث كل من الدكتور وجدى فرج ومحمد سعيد عضوى مجلس إدارة الشعبة عن وجود بعض التشوهات الجمركية فى صناعة مثل مستلزمات جراحة العظام ومستلزمات الكلى، حيث إن المنتج النهائى معفى من ضريبة المبيعات وتفرض عليه جمارك 5%، بينما المواد الخام المستوردة للتصنيع المحلى يتم سداد 10% عليها ضريبة مبيعات بالإضافة إلى 12% جمارك، مما يعد تشجيعا على الاستيراد وحربا على التصنيع المحلى حسب قولهما.
بعضا من التحديات والمعوقات الأخرى أوضحها الدكتور ناجى غطاس، نائب رئيس الشعبة، بقوله: نحن نعانى من انتشار المصانع غير الشرعية والمستلزمات المهربة وبيعها من خلال تشجيع بعض الشركات وبعض الأطباء على تداولها بسعر غير حقيقى، كذلك غياب النواحى التنظيمية فى قانون المناقصات رقم 89 لسنة 98 فيما يخص فترة اتخاذ القرار وفترة السداد، حيث إن فترة البت فى المناقصات العامة تتراوح بين 6 و18 شهراً وكذلك تأخر سداد مستحقات الشركات لدى القطاع الحكومى لمدة تتراوح بين 6 و24 شهراً.
وعرض الدكتور سامى الحنبولى، نائب رئيس الشعبة، جانبا آخر من التحديات يعتبره الأكثر أهمية، وهو صحة المواطن المصرى أولا.. ويضيف أنه بالرغم من الأزمة التى نشأت عقب قضية هايدلينا إلا أنه كان لها جانبا إيجابيا، حيث لفتت النظر إلى ضرورة وجود قواعد ونظم للجودة، وقال إن الشعبة ساعدت المنتجين ووضعت بالفعل خطة للجودة، وأن هناك أكثر من 50 شركة مصرية حاصلة على شهادة الجودة الأوروبية، وقال: «لدينا شركات مصرية متعاقدة حاليا لتصنيع المستلزمات الطبية لعدد من كبرى الشركات فى اليابان والصين وأمريكا وبعض دول أوروبا».
ولفت الحنبولى إلى أن قضية الجودة لم تنته بعد، لأنه عقب قضية هايدلينا أكدت هيئة المواصفات والجودة أنها لا صلة لها بالمستلزمات والأجهزة الطبية وأنها ستضع فقط المواصفات، ولن تراقبها ولن تشرف على تطبيقها، وأكد أن الوضع الحالى مستقر على أن وزارة الصحة تسجل المستلزمات المعقمة فقط بينما وزارة الصناعة تسجل باقى الأجهزة والمستلزمات، واصفا هذا الوضع بأنه لا سند علمى له، كما أن: «شهادة الجودة الأوروبية لا تغطى كل الدول وهناك تسجيل مختلف فى دول أخرى، ونحن فى سبيلنا لحل هذا الوضع بشكل نهائى».
ختاما يبقى أن نعلم أن ما تشهده المشاركة المصرية فى المعارض الدولية الكبرى وراؤه بالدرجة الأولى جمعية المصدرين المصريين «اكسبولينك» التى تتحمل 85% من تكلفة مشاركة الشركات دعما للهدف المنشود وهو التصدير والتواصل مع دوائر الصناعة المتقدمة ودفع الصناعات المصرية إلى الاحتكاك بالمستويات العالمية المناظرة لتطوير الصناعة المصرية.
يقول تامر صفوت، المدير التنفيذى للجمعية، إن هذه السياسة أثمرت بشكل ممتاز.. ووصلت مشاركاتنا حتى الآن إلى 80 معرضا عالميا فى كل القطاعات.