«فايننشيال تايمز»: النظام السعودي يسعى للسيطرة على مجموعة «إم بي سي»

الشيخ وليد يتوقع إطلاق سراحه قريبًا.. ومخاوف من فقدان الشبكة استقلاليتها التي مكنتها من الاستمرار والتألّق على مدى سنواتٍ
كتب: بوابة الاخبار الجمعة 26-01-2018 20:14

قالت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في تقرير، اليوم الجمعة، إن النظام السعودي يخطط للسيطرة على أكبر مجموعة إعلامية في الشرق الأوسط وذلك كجزء من عملية محاربة الفساد غير التقليدية التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وبحسب الصحيفة، فقد وجّهت السلطات السعودية أوامر الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم مؤسس مجموعة (إم بي سي) تقضي بتسليم أسهمه التي تشكّل «حصة السيطرة» في المجموعة مقابل الحصول على إطلاق سراحه، وذلك بحسب أشخاص ذوي اطلاع على القضية. وتظهر هذه الحالة كيف تتم عمليات السيطرة التي يُهلل لها العديد من السعوديين باسم محاربة الفساد، وهو ما يبدو أنه جزء من جهود حثيثة تفضي إلى تأميم القطاع الخاص الممتلك من قبل عائلات نافذة.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن هذه القضية تُظهر رغبة الأمير محمد بتضييق قبضة الحكومة على الإعلام بموازاة دفعه باتجاه خططه التغييرية الطَموحة وسياسته الخارجية الجريئة. وتعد مجموعة إم بي سي أكبر شبكة تلفزيونية مجانية خاصة حيث تحظى بـ50% من الحصة السوقية للقطاع في المملكة، وتجتذب 140 مليون مشاهد يوميا في المنطقة. وقد رفضت كل من (إم بي سي) والسلطات الحكومية التعليق على الموضوع.

ويُعد الشيخ وليد، الذي قام بتأسيس مؤسسة إعلامية تبلغ قيمتها اليوم عدة مليارات من الدولارات في عام 1991، واحد من بين أكثر من 150 أميراً ورجال أعمال ووزراء سابقين تم اعتقالهم واحتجازهم في فندق الريتز كارلتون في الرياض، بعد أن قام الأمير محمد بإطلاق حملة محاربة الفساد في شهر نوفمبر. وقد تم إطلاق العديد منهم خلال الأسابيع الماضية، بعضهم توصل إلى تسويات وافقوا بموجبها على تسليم حصص وأموال إلى السلطات، فيما تمت تبرئة ساحة آخرين. وسيتم ترحيل أولئك الذين رفضوا إجراء تسويات مع الحكومة إلى السجن في انتظار المحاكمات، بحسب تصريحات الحكومة.

الأمير الوليد بن طلال، الملياردير ورجل الأعمال وأبرز الشخصيات المعتقلة، لم يتوصل حتى الآن إلى تسوية مع الحكومة، بحسب ما أوضحه أشخاص مطلعون على الموضوع. وبدوره، فإن الشيخ وليد، الذي سُمح له بإجراء بضعة مكالمات هاتفية ما زال في الريتز كارلتون بانتظار أن تفرغ الحكومة ومعها مستشاروها العالميون من إتمام التفاصيل المالية للتسوية، بحسب ما أشار إليه البعض.

وقد أبلغت السلطات في وقت سابق (إم بي سي) بأن عليها تسليم حصصه في شبكة البث دون أي مقابل مالي. كما كان هناك العديد من الطلبات الحكومية للحصول على معلومات تنظيمية ومالية في سياق مسعى السيطرة على المجموعة.

كان الشيخ وليد قد أعلم مقرّبين منه أنه يتوقع أن يتم إطلاق سراحه قريباً، وأنه «بانتظار أن يقوم بتوضيب حقائبه» بحسب ما أوضحه شخص مُلم بالموضوع. وأشار بعض المستشارين الحكوميين إلى أن تأخر التسوية قد يرجع إلى سعي المحامين للوصول إلى صيغة تمنع المحتجزين من مقاضاة الحكومة بعد إطلاق سراحهم بموجب التسوية أو الصفقة التي سيتم التوصل إليها، وذلك بحسب ما أشار إليه بعضهم.

وأشارات الصحيفة إلى أن أحد العروض الواردة بالنسبة للشيخ وليد تقع في أن يستمر في الاحتفاظ بدوره في (إم بي سي) بعد أن يقوم الأمير محمد أو الحكومة بالاستيلاء على الشركة، وعندها سيكون عليه أن يتبع إدارياً لمجلس من المسؤولين الحكوميين المقرّبين من المالك الجديد، بحسب ما أشار إليه بعضهم. إن نتيجة كهذه ستكون نسخة عمّا حدث مع مجموعة «سعودي بن لادن»، إحدى أكبر شركات المقاولات في المملكة. حيث تم إطلاق سراح بعض ملاّك أسهم «سعودي بن لادن» من الريتز كارلتون، بعد موافقتهم على التنازل عن حصصهم للحكومة، والتبعية الإدارية لمجلس معيّن من قبل الحكومة يُناط به عملية «إعادة الهيكلة».

وقد قال «المقاول المَدين» محمد الجدعان، وزير المالية، إن معظم مبلغ الـ100 مليار دولار الذي يؤمل الحصول عليه من المتهمين بالفساد، سيتم تحصيله عبر أصول داخل وخارج المملكة.

ولطالما أبدى الأمير محمد اهتماماً في (إم بي سي) وأشار البعض إلى أن أشخاصاً مقرّبين من الأمير البالغ من العمر 32 عاماً كانوا على تواصل مع الشيخ وليد منذ نحو عاميْن بشأن الاستحواذ على «حصة السيطرة» التي يملكها آل إبراهيم في (إم بي سي). غير أن الشيخ وليد رفض تقييمهم للمجموعة بمبلغ 2 إلى 2.5 مليار دولار، مطالباً بتقييم أكبر يبلغ نحو 3 إلى 3.5 مليار دولار لقاء الشبكة التي تستقطب حوالي نصف حجم الإنفاق الإعلاني التليفزيوني في المنطقة، وذلك بحسب ما أشار إليه مدراء تنفيذيون في هذا القطاع.

وقبل أيام من الواقعة، حطّ عرّاب الإعلام (الشيخ وليد) بطائرته الخاصة في الرياض بعد دعوة من الأمير محمد وجهها إليه عبر موفدٍ عنه، معتقداً أن الغرض من الدعوة كان إتمام المرحلة النهائية من مباحثات الاستحواذ. وعندما تم إلغاء الاجتماع، قرر الشيخ وليد العودة إلى دبي حيث يقع المقر الرئيسي لـ(ام بي سي)، لكن المسؤولين في مطار الرياض أبلغوه بأن طائرته الخاصة ممنوعة من الإقلاع، بمعنى حظر السفر، وأنه ليس ثمة رحلات تجارية متوفرة. وذلك بحسب ما أفاد به أحد الأشخاص المطّلعين على الموضوع.

وفي الليلة نفسها انتشر اسم الشيخ وليد على مواقع التواصل حيث توقع السعوديون أن يكون أحد الأشخاص النافذين الذين تم احتجازهم في حملة مكافحة الفساد.

وفي الصباح التالي، تم تأكيد موعد الاجتماع لـ«الشيخ وليد»، ولكن عوضاً عن مناقشة الصفقة، تم اعتقاله.

ترافق الصعود الدرامي للأمير محمد إلى السلطة مع سيطرة أكبر على الإعلام المحلي، وإبداء ضيق صدر تجاه أصحاب الرأي المعارض.

ويشير مراقبون إلى أن (إم بي سي) كانت هدفاً واضحاً ومتوقعاً لكون الأمير محمد راغباً بضمان تغطية إعلامية إيجابية لخططه الجريئة تجاه المملكة.

ويقول أحد المراقبين: «عندما كان الأمير محمد بحاجة إلى الحصول على قبول جماهيري قبل عدّة سنوات، كان على استعداد تام لشراء (إم بي سي)، ولكن بعد أن أصبح اليوم متولّياً زمام المسؤولية والسلطة، بات بإمكانه الحصول عليها مجاناً»، وهو لن يكون بذلك أول قائد سعودي يتحرّك للسيطرة على وسائل الإعلام الخاصة، بغرض استخدامها في الترويج لتوجهات السلطة، بحسب الصحيفة.

وقبل 3 سنوات، قامت الرياض بفرض المزيد من السيطرة على قناة «العربية»، قناة المملكة الفضائية الإخبارية، التي كانت جزءاً من مجموعة (إم بي سي)، بحسب ما أوضحه أناسٌ مُلمّون بالموضوع. ومنذ ذلك الوقت، يتم استخدام القناة بشكل أكثر فجاجةً بغض التصدي لتأثير قناة «الجزيرة»، الشبكة الإخبارية المملوكة قطرياً، والتي تُعد الندّ الخليجي للمملكة العربية السعودية.

وبحب الصحيفة فقد لعب الشيخ وليد في (إم بي سي) دور «عامِل العَزْل» في مواجهة تدخل رجالات الدولة السعودية، مُسخِّراً بذلك علاقاته الملكية. فشقيقته كانت متزوجة من الملك الراحل فهد، ويُعتقد أن ابن اخته الأمير عبدالعزيز بن فهد هو أحد مُلاّك الأسهم في الشركة التي تم تأسيسها بالاستعانة بقروض مالية من الدولة. غير أن الأمير عبدالعزيز هو أيضاً أحد الموقوفين في حملة محاربة الفساد، وأحد أعضاء شبكة لطالما كانت تعكس طريقة تفكير الحكومة. لذا، يُخشى اليوم أن تفقد الشبكة هامش الاستقلالية الذي كانت تتمتع به. وهو ما أشار إليه أحد المراقبين بقوله: «نخشى أن يُفضي ذلك إلى إخماد الشرارة التي مكّنت (ام بي سي) من الاستمرار في الوجود والتألّق على مدى سنواتٍ خلت».