بينما ينشغل الشارع العربى بثوراته ضد الديكتاتورية والفساد، تُصعّد إسرائيل حرب «الاستنزاف» الجديدة التى تشنها على قطاع غزة منذ 3 أيام، عبر استهداف «موضعى» تعتزم مواصلته لفترة طويلة، غير معلوم ما إذا كان سيؤدى إلى حرب واسعة.
فلليوم الثالث على التوالى، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلية غارات برية وجوية شمال ووسط وجنوب القطاع، مستهدفة نشطاء فلسطينيين ومواقع أمنية ومدنية، على حد سواء.
وأعادت الصور «الدموية» للشهداء، الذين ارتفع عددهم صباح أمس إلى 17، مشاهد مجازر عام 2008 إلى الأذهان، ليكون هذا التصعيد هو الأعنف من نوعه منذ عملية «الرصاص المصبوب».
وفضلا عن استشهاد قادة عسكريين كبار فى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومدنيين عزل، فقد أصيب العشرات بجروح مختلفة وخطيرة. وردت الفصائل الفلسطينية بنحو 70 صاروخاً خلال يوم واحد، وصل بعضها إلى مسافة 50 كيلومتراً داخل العمق الإسرائيلى وفى مناطق مفتوحة شمال «أشدود» و«نيتسانيم»، ما أدى لإصابة 7 أشخاص ودخول أكثر من مليون إلى الملاجئ، وفق المصادر الإسرائيلية.
وحصلت «المصرى اليوم» على مجموعة من الصور الخاصة للشهداء والجرحى الفلسطينيين، والتى تعكس فداحة الوضع الذى تخلقه إسرائيل فى غزة.
هذا التكتيك تحديدا هو أكثر ما يخشاه فلسطينيو القطاع فى الوقت الحالى، لما يعنيه ذلك من استدراج «المقاومة» إلى ردود فعل قوية مثلما يحدث فعليا على الأرض الآن، بما يوفر لإسرائيل ذريعة لحرب ربما تكون أوسع من سابقتها. كما أنه من غير المستبعد أن تحظى مثل هذه الحرب - حال تصعيد المقاومة - على الدعم الغربى لسلطات الاحتلال، لاسيما فى وقت تسعى فيه إلى تكريس قوتها فى المنطقة، خوفا من التغيرات الإقليمية والسياسية المحيطة بإسرائيل فى العالم العربى.
وفى حديثه لـ«المصرى اليوم»، أكد محلل الشؤون الإسرائيلية، أحمد فياض، أن تل أبيب تعمل على تجديد «هيبة الردع» لديها تجاه الفصائل الفلسطينية من ناحية، وتغيير قواعد اللعبة الميدانية، بحيث تحدد هى سير العمليات العسكرية، ولا تترك القرار للفصائل من ناحية ثانية.
وبدا من الواضح أن موافقة الفصائل على إبقاء حالة التهدئة، التى أعلنتها الحكومة المقالة، لم توقف إسرائيل عن رغبتها فى التصعيد، للحد الذى تقرره هى. وأوضح عطا الله أبوالسبح، وزير شؤون الأسرى فى الحكومة المقالة، أن حكومته دعمت موقف الفصائل المتوافق على التهدئة، مشيرا إلى أن إسرائيل هى التى «انقضّت على وقف إطلاق النار وصعدت من عملياتها العسكرية».
وفيما يقود إلى تحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية، قال أبوالسبح لـ«المصرى اليوم»: «ندعم جهود التهدئة.. لكن النتائج لم تتغير على الأرض.. بالتالى من حق المقاومة الرد وفق استراتيجيتها، التى تحددها القيادات العسكرية، وليس نحن». وتتزايد أهمية تلك التصريحات مع ما قاله إيهاب الغصين، المتحدث باسم وزارة الداخلية، من أن «الاحتلال الصهيونى أفشل توافق الفصائل.. باستمراره فى ارتكاب جرائم حرب عبر استهدافه الطواقم الطبية وإطلاق قذائف الفوسفور المحرمة دوليا».
على الجانب الإسرائيلى، تؤكد القيادة العسكرية أن الهدف من العمليات الجارية «وقف إطلاق صواريخ حماس». ونقل موقع «تك ديبكا»، الإسرائيلى القريب من الدوائر العسكرية والاستخبارية، عن مصادر قولها إن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها «حماس» غيرت استراتيجيتها القتالية بصورة مختلفة تماماً عن السابق، واعتمدت استراتيجية مستخلصة من تجربة حزب الله اللبنانى، كما وصفت الهجوم على غزة بـ«رصاص مصبوب مصغر»، مؤكدة أنه يشكل «رسالة تحذير قوية لحركتى حماس والجهاد
الإسلامى بصورة الوضع فى القطاع عندما تقرر إسرائيل تنفيذ حرب حقيقية».
فى المقابل، تستبعد حركة «حماس» توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية إلى حد الحرب الشاملة، وقال عيسى النشار، مستشار رئيس وزراء الحكومة المقالة، إسماعيل هنية: «لا أحد يأمن الغدر الصهيونى، لكن إسرائيل لن تلجأ إلى حرب واسعة كما فعلت خلال العدوان الأخير».
وأضاف فى تصريحات خاصة أن «الاحتلال يجرى حسابات دقيقة للمتغيرات السياسية فى المنطقة، خصوصاً بعد الثورة المصرية وتبدل النظام الحاكم».