اهتمت السينما الإيطالية بتقديم أعمال ترصد محاولات الشباب من شتى أنحاء العالم للهجرة إلى إيطاليا باعتبارها أكثر الدول الأوروبية التى يفد إليها المهاجرون غير الشرعيين بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل خاصة من الدول القريبة منها المطلة على البحر المتوسط، وبالتحديد دول شمال أفريقيا وعلى رأسها مصر التى تحتل المرتبة الأولى فى نسبة المهاجرين غير الشرعيين منها إلى إيطاليا، وفقا لتقديرات عدد من الصحف الإيطالية، التى أشارت إلى المشاكل الاقتصادية التى يعانى منها الشباب المصرى بسبب فساد النظام السابق، وأدت إلى استفحال البطالة، تليها ليبيا التى أصبحت منافساً قوياً فى صدارة هذا المشهد. ويؤكد خبراء الفن السابع أن اهتمام صناع السينما الإيطالية بتقديم قصص إنسانية للمهاجرين، بل وظهور موجة من هذه النوعية مؤخراً ترتكز على محور الهجرة غير الشرعية يرجع إلى الوقائع التى تفرضها الأحداث المؤلمة لتجارب ملايين المهاجرين على الحدود الإيطالية، وترصدها صفحات الحوادث والموضوعات الاجتماعية والاقتصادية بالصحف المحلية يوميا، فلا يكاد يوم يمر دون قصة تنشر عن معاناة عشرات المهاجرين ورحلتهم فى البحر لعدة أيام للوصول إلى حدود إيطاليا، والتى ربما يصلونها جثثا منتفخة بعد غرقهم فى المياه، أو يتحقق مرادهم وينجحوا فى الوصول إليها لتبدأ سلسلة أخرى من معاناتهم بين الاستقرار والعثور على مسكن وفرصة عمل وبين انخراط بعضهم فى العصابات الإيطالية مما يودى بحياة الكثير منهم.
ويعد المخرج «إيمانويل كرايليس» أحدث من قدم هذه المآسى فى فيلمه «البر» الذى حصل عنه على جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان «فينيسيا»، ويستعرض الفيلم محاولات عدد من الصيادين لإنقاذ قارب ملىء بالمهاجرين غير الشرعيين من دول إفريقية متعددة، وفقا لوقائع حقيقية لإحدى اللاجئات الأثيوبيات، ولمزيد من الواقعية أسند «إيمانويل» دور إحدى المهاجرات الحوامل التى يتم إنقاذها إلى تلك اللاجئة الإثيوبية وقام بتدريبها على التمثيل لتستطيع تجسيد الأحداث التى عاشتها بالفعل.
وعن فيلمه قال «إيمانويل»: كان من الواجب الوطنى تقديم هذا العمل، لأن ترك عشرات الأشخاص يفقدون أرواحهم غرقى ليس من المدنية أو الإنسانية فى شىء.
وفى مهرجان «فينيسيا» أيضا عرض فيلم «لا بأس تعليم إجرامى» الذى يستعرض المشاكل والاختلافات التى تنشأ بين المهاجرين الأفارقة واشتباكاتهم مع عصابات «الكامورا» الشهيرة التى تحكم مدينة «نابولى» الإيطالية، والفيلم أخرجه «جويدى لومبردى» فى أول تجاربه السينمائية، واستوحى قصته من أحداث حقيقية وقعت عام 2008 فى «نابولى» حيث قتلت عصابة «الكامورا» 6 من المهاجرين الأفارقة، فيما عرف وقتها بمذبحة «كاستل فولترنو»، وقام ببطولة الفيلم عدد من الممثلين المغمورين وهو أمر شائع فى مثل هذه النوعية من الأفلام التى تحتاج وجوهاً غير معروفة لتكون أكثر مصداقية لدى الجمهور. وقال مخرجه: خارج مدينة «نابولى» اكتشفنا أن هناك عالما أفريقيا يعانى بشدة.
وفى فيلمه «عن الآلهة والبشر» يقدم المخرج «مايكل لونسديل» بُعداً آخر للمأساة يعكس موقف الكنيسة من قضية الهجرة غير الشرعية، حيث يساعد أحد قساوستها المهاجرين الأفارقة دون علمها، والفيلم مأخوذ عن رواية «قرية الكارتون» للكاتب الإيطالى «إرمانو أولمى»، ولقى ردود فعل متباينة من النقاد عند عرضه فى مهرجان «فينيسيا» فى قسم «خارج المسابقة».
ويعكس فيلم «أشياء من هذا العالم» للمخرج فرانسيسكو باتيرنو هذا الواقع الأليم، وأكد مخرجه تعرض الشركة المنتجة «روديو درايف» لمعوقات كثيرة أثناء تصويره، منها إثارة البرلمان الإيطالى ضد صناعه، ووقوفه ضد تصويره فى مدينة «تريفيسو» أحد مواطن المهاجرين فى إيطاليا. ورغم مرارة واقع المهاجرين فإن المخرجين «كاسيرتا ناتيف» و«إدواردو دى إنجيلز» رأيا تقديمها فى إطار كوميدى من خلال فيلمهما «قصص الموزاريلا»، وشارك فى إنتاجه للمخرج الصربى «أمير كوستريتشا»، ويستعرض الهجرة غير الشرعية بشكل آخر من خلال تأثير عدد من المهاجرين الصينيين على صناعة جبن الموزاريلا التى تشتهر بها إيطاليا، والذين غزوا الأسواق التجارية بجبن صينى جيد بنصف الثمن، مما أثر على الصناعة المحلية والعاملين بها، وهو ما علق عليه المخرجان: هذا الجبن نلقبه بالذهب الأبيض فى مدينتنا، وفى فيلمنا نعكس أثار الهجرة غير الشرعية علينا كإيطاليين، فهى قضية تؤثر على جميع الأطراف وتهمهم، وليس المهاجرين فقط.