يعرّف الكاتب «على عجوة» الصورة الذهنية image بأنها: (الصورة الفعلية التى تتكون فى أذهان الناس عن المنشآت والمؤسسات المختلفة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو الشائعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها فى النهاية تمثل واقعًا صادقًا بالنسبة لمن يحملونها فى رؤوسهم).. والصورة الذهنية عن الحكام غالبا ما تؤثر على شعبيتهم وقدرتهم على اتخاذ قرارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يقتنع بها الرأى العام.
هذا تحديدا ما خسره الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، بعد الضجة الواسعة التى أحدثها كتاب «نار وغضب» للكاتب الصحفى الشهير «مايكل وولف»، والذى نشر أسرارًا تذاع لأول مرة عن «ترامب» وإدارته وأسرته، حيث تناول الكتاب- الذى بُنى على أكثر من 200 مقابلة- أشياء كثيرة، منها الطموح السرى لـ«إيفانكا ترامب» فى الرئاسة، والاحترام الذى يكنه «ترامب» لقطب الإعلام «مردوخ»، وهو الاحترام الذى لا يبدو متبادلًا، كاشفا فى الوقت ذاته أن فوز «ترامب» بالرئاسة كان السبب فى «ارتباكه»، فهو وعائلته لم يريدوه أن يفوز بالرئاسة، بل أرادت العائلة استخدام خسارته المتوقعة لزيادة شهرتها وثروتها!.
الكتاب الذى أصاب واشنطن كالإعصار كشف عن صراعات حادة داخل البيت الأبيض، فهو يصف ثلاثة فرق متضاربة بين مساعديه يتنافس كل منها للحصول على أذن صافية من «ترامب».. فهناك مساعده «بانون»، وهناك مدير موظفيه السابق «راينس بريبس»، ومن ثم ابنته «إيفانكا» وزوجها «جاريد كوشنر».. ويذهب «وولف» إلى أن جميع مسؤولى البيت الأبيض يعتبرون «ترامب» غير مهيأ للرئاسة!.
لم يتعامل «ترامب» بديمقراطية مع الكاتب والكتاب، بل هدد بملاحقته قضائيا، وثار جنون «ترامب»، فرد قائلا: (فى الواقع أكبر نعمتين فى حياتى: رجاحة العقل، وشدة الذكاء)، وتابع: (من رجل أعمال ناجح جدا أصبحت نجما تليفزيونيا لامعا، ثم رئيسا للولايات المتحدة، أعتقد أن هذا يؤهل المرء لا أن يكون ذكيا بل عبقريا)!.
وفى مقابلة مع «ميل أون صنداى»، وصف «وولف» ترامب بأنه «المبذر الغنى» الذى كان «سيئا فى المدرسة».. وقال: (إن المسؤولين يتساءلون عما يعانى منه ترامب، وهل هو صعوبة فى التعلم أم القراءة أم هل هو «شبه أمى»؟).
أنت لا تستطيع التعامل مع الهجوم على عقل وفكر الرئيس الأمريكى على أنه مجرد «إهانة»، لأنه- فعليا- يجرده من صلاحيته للمنصب، فجريدة «إندبندنت» البريطانية- مثلا- نشرت تحليل رأى أن «دونالد ترامب» يتحدث بمستوى طفل فى الثامنة من عمره (!!).. ونوهت الجريدة بأن «ترامب» يخضع لاختبار طبى كامل لإثبات أنه «صالح للمنصب» رئيسا، للتأكد من قدرته على اتخاذ القرار السياسى!.
أما الكاتب البريطانى «ديفيد هيرست»، فكتب مقالا- نشرته شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية- اعتبر فيه أن «بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد ترامب»، وقال إنه غير مؤهل لحكم البلاد، وهو مسكون بالإعلام والصور.. وأطلق عليه «هيرست» تعبير «الرجل الحارق لذاته».
وبالتالى سوف يسود الذعر بين الزعماء الذين يدورون فى فلك أمريكا عسكريا واقتصاديا.. فنحن لسنا أمام «فضيحة سياسية»، رغم أن الكتاب يتحدث عن علاقات جنسية لترامب مع زوجات أصدقائه، نحن أمام زلزال سياسى من الممكن أن يغير موازين القوة فى العالم.
الرأى العام الأمريكى لن يقبل بنفوذ «إيفانكا» وطموحها فى أن تكون أول امرأة تترأس الولايات المتحدة، ولن يتحمل رئيسا مهزوزا نفسيا يخشى أن يموت مسموما، والمواطن الأمريكى الذى يحترم «الأسرة» سيرفض وجود خلافات عميقة بين «ترامب» والسيدة الأولى «ميلانيا».
لقد كشف «وولف» الكثير من الأسرار والخبايا المتعلقة بسياسات «ترامب»، منها ما قد يحرج بعض القادة العرب.. وحتى لو كانت نسبة الحقيقة فى كتابه لا تتجاوز 50%، فهى كافية لتسطر نهاية «ترامب» فى الحكم.. لأن الكتاب يكشف «النظرة السطحية» لإحلال السلام فى الشرق الأوسط.. وخضوع «ترامب» الكامل لإسرائيل.
أما معارضة البيت الأبيض لما جاء فى الكتاب فلن تطمس الحقائق الواردة فيه.. لقد دخل «ترامب» البيت الأبيض من باب «الفضائح» كبليونير عابث.. وسوف يخرج من نفس الباب- مبتهجا- لأنه يعتبرها مجرد «دعاية»!.