ترامب وشفيق وآخرون.. تجارب للتأمل

مي عزام الإثنين 08-01-2018 23:15

(1)

منذ أيام قليلة احتفل المسيحيون بعيد الميلاد، مضى أكثر من ألفى عام على مولد عيسى بن مريم وما زال حاضرا في وجدان الملايين من أتباعه، شأنه في ذلك شأن باقى الرسل والأنبياء خاصة أصحاب الرسالات السماوية. الرسل فئة استثنائية من البشر، وهم أكثر الأشخاص إلهاما على مدى التاريخ، فهم أصحاب ثورات اجتماعية إصلاحية كبرى، ثاروا على ما وجدوا عليه آباءهم واجتهدوا في تبليغ رسالة الله بكل أمانة وإخلاص وتفان وتحملوا مشاق وعقبات هائلة. بين البشر العاديين هناك ملهمون بدرجات متفاوتة، استطاعوا أن يعيشوا بعد موتهم، لأنهم تركوا وراءهم أثرا في ذاكرة التاريخ ووجدان الأمم، منهم مفكرون ومصلحون وزعماء وساسة وعلماء ومكتشفون وفلاسفة وأدباء وفنانون...الخ.

الملهمون الأكثر تأثيرا، لا يكونون طالبى سلطة، وفى أغلب الأحيان، يكونون في مواجهة مع السلطة، لأنهم أصحاب رؤية مستقبلية تناقض الواقع الموجود، ومن الممكن أن يكون الملهم شخصا غير ناجح بالمقاييس المتعارف عليها في زمنه، لكن ذلك لا يقلل من قيمته.

(2)

الملهمون، بالصفات التي ذكرتها، شخصيات لها تأثير على الناس وشهرة كبيرة لا تأتى بسعيهم إليها ولكن لما قدموه. طبقا لأنماط الشخصية التسعة التي تقوم عليها نظرية «الإنياجرام»، فهناك شخصيات لا يمكنها أن تستشعر وجودها دون أن تكون في دائرة الشهرة، وهذه النوعية تضم أشخاصا لديها ما تقدمه من إبداع وتميز وابتكار، وهناك آخرون في هذه الفئة ليس لديهم مواهب أو نبوغ، لكن يعوضوها بالمال أو السلطة وهناك من ليس لديه أي موهبة أو سلطة أو مال وهؤلاء يموتون كمدا وهم على قيد الحياة. الرئيس الأمريكى ترامب من هذه الشخصيات العاشقة للشهرة والأضواء، (حتى لو كانت هذه مستندة على الفضائح والسخرية)، ومن قبل وصوله للبيت الأبيض، وأعتقد أن الفريق شفيق من هذه الشخصيات أيضا، ولكن لأن في مصر محاذير كثيرة على الشهرة وجذب الانتباه وخطف الأضواء من رئيس الدولة، ظل الفريق شفيق في الظل حتى جاءته الفرصة بعد ثورة يناير واختياره رئيسا للوزراء، ثم منافسا على رئاسة الجمهورية.

(3)

الوصول للسلطة لم يحم ترامب، بل العكس، ما يكتب عنه من مقالات وتحليلات وكتب، (كتاب «نار وغضب» لن يكون الأخير)، كلها تصب ضده ـ لم يستطع ترامب أن يستفيد مما وصل إليه، لماذا؟ لأنه لم يستعد لهذه للحظة ولم يجتهد في تحصيل ما ينقصه، واستمر في التعامل مع منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بنفس أسلوب الممثل الهزلى الذي كان يظهر به في برامج تليفزيون الواقع في أمريكا، وكذلك فعل الفريق شفيق، ترشحه في الانتخابات الرئاسية في عام 2012، جعلته محور اهتمام العامة ،وخاصة بعد أن أدهش الجميع بقدرته على حشد وجمع أصوات فئات كثيرة في المجتمع المصرى على عكس منافسيه عدا مرسى مرشح الإخوان، وبغض النظر عن صحة ما أشاعه الفريق أن هناك تزويرا حدث لصالح مرسى في الانتخابات، فإنه فاز بثقة قطاع كبير من المصريين واعتبروه رقما مهما في أي انتخابات رئاسية قادمة، فهل حافظ الفريق شفيق على هذه الوضعية أم أهدرها؟ أعتقد أنه خسرها، أولا لأنه لم يتعامل في حياته اليومية على أنه مرشح لرئاسة مصر، كما أنه لم يحافظ على وجوده على المسرح السياسى في بلده، وثالثا وهو الأهم أنه شخصية غير ملهمة لغيره، لأنه ليس له مبادئ وقيم واضحة ومحددة يدافع عنها، مما جعل مسانديه يظهرون بصورة أصحاب المصالح وليسوا أصحاب رؤية مستقبلية لخير مصر.

(4)

لماذا يعيش ناصر في قلوب الشباب أكثر مما يعيش في قلوب الشيوخ الذين عاصروه؟ لأن هؤلاء لا يتذكرون استبداده أو هزيمته في 67، لكن يصنفونه كشخصية ملهمة. كانت له قرارات سياسية غير ناجحة، لكن كان لديه انحياز واضح لاستقلال بلده وعدم تبعيتها، كان قارئا جيدا لتاريخها ويدرك دورها المحورى في محيطها العربى والإقليمى، كما كان مساندا لكل حركات التحرر في العالم العربى وأفريقيا بل والعالم كله، كان له مبادئ واضحة يحافظ عليها لم يفرط فيها ولم يساوم عليها.

(5)

السلطة لدى الشخص صاحب الرؤية وسيلة وليست غاية، طريق لتحقيق رؤيته، حرصه عى الوصول لموقع الحكم والإدارة نابع من حرصه على تنفيذ المبادئ التي يؤمن بها، وليس تحقيق مصالح شخصية. الوصول للسلطة ليست معيارا للكفاءة ولنا في ترامب مثالا، كما أن الوصول للشهرة ليست معايرا للقدرة والقوة ولنا في الفريق شفيق نموذج. وعليه فإن من يرغب في الترشح والمنافسة على مقعد رئيس جمهورية مصر العربية عليه أن يسأل نفسه سؤالا واحدا ويجيب عليه بأمانة: لماذا يريد أن يكون رئيسا؟ كم أن على المصريين أن يفكروا جيدا في الشخصيات المتنافسة على مقعد الرئاسة، هل من يتقدم لديه رؤية واضحة لمستقبل مصر وتحقيق مصالح شعبها وتنميته؟ وهل السلطة بالنسبة له وسيلة أم غاية؟ وهل هو شخصية ملهمة أم أنه سيسقط سريعا من ذاكرة التاريخ؟

ektebly@hotmail.com