زياد بهاء الدين: مهاجمة المرشحين لـ«الرئاسة» يُضعف مصداقية الانتخابات (حوار)

كتب: طارق صلاح الإثنين 08-01-2018 22:41

حذر الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، من مهاجمة المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة، موضحا أن ذلك الأمر يؤدى إلى إضعاف مصداقية الانتخابات. وتوقع بهاء الدين ألا تشهد الانتخابات منافسة حقيقية والأرجح أن نتيجتها محسومة للرئيس عبدالفتاح السيسى. وقال بهاء الدين، في حواره لـ«المصرى اليوم»، إن الحكومة الحالية في وضع لا يتفق مع الدستور، لأنها تقوم بما يشبه تسيير الأعمال، بالرغم من أن لها صلاحيات كبيرة، واصفا الدكتور شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بأنه رجل مخلص ووطنى وعاشق للعمل والنجاح. وأكد أن خوف الكثيرين من القروض في محله، حتى لا تتحمل الأجيال المقبلة ديونا تكبل حريتها وحركتها، معتبرا الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة مؤخرا صائبة تماما، وأن المشكلة تكمن في عدم تكملتها بخطوات لزيادة الاستثمار وإنعاش الاقتصاد، وتحسين الخدمات العامة وحماية غير القادرين على غلاء المعيشة.

ولفت بهاء الدين إلى أن عدم إتاحة المعلومات من شأنه فتح باب الشائعات، مؤكدا أن الإبداع في حاجة إلى الحرية التي قال إنها غير موجودة حاليا. كما حذر من تزايد الفساد بسبب تنامى البيروقراطية التي شدد على أنها تصاعدت بعد ثورة يناير.. وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور«الدكتور زياد بهاء الدين »،نائب رئيس الوزراء الأسبق

■ في البداية ما تقييمك للمشهد السياسى الذي تمر به البلاد؟

- من أجل تقييم المشهد السياسى في البلاد حاليا لا بد من الرجوع إلى المراحل الانتقالية المختلفة التي مر بها الوطن، منذ ثورة يناير وحتى الآن، وكلها كانت مراحل انتقالية مختلفة.

وينطبق هذا على مرحلة حكم المجلس العسكرى، إبان ثورة يناير، والتى كانت تمهد لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية، ثم فترة البرلمان الأول الذي لم يدم سوى أشهر معدودة، ثم مرحلة الرئيس الأسبق محمد مرسى، التي كان يفترض أن تمثل الانتقال لنظام مستقر، ولكن أصابها الاضطراب والشلل في أعقاب الإعلان الدستورى الصادر في نوفمبر ٢٠١٢، والذى أعادنا إلى حالة مؤقتة انتهت بثورة ٣٠ يونيو.

وأخيرا مرحلة رئاسة المستشار عدلى منصور، وحكومة الدكتور حازم الببلاوى، التي كنت مشاركا فيها، وكانت بدورها ذات طبيعة انتقالية ومؤقتة، تمهد لدستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية.

وأقول ذلك لاعتقادى أن المرحلة الراهنة كان من المفترض أن تكون معبرة عن نهاية المراحل الانتقالية التي عشنا معها ثلاثة أعوام ونصفًا، منذ ثورة يناير، وحتى ثورة يونيو، وبداية الاستقرار السياسى والمؤسسى والدستورى، ولكن في الواقع أننا لم نصل إلى التفعيل الكامل للدستور، ولا البرلمان يقوم بدوره كاملا، ولا الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية تشارك في صنع القرار، وهذا يجعلنا نعيش في ظل أوضاع استثنائية لا تتفق مع بناء دولة الدستور والقانون، ولا بد أن نعى جميعًا أن استقرار البلد يأتى قبل أي اعتبار آخر عن طريق احترام الدستور وسيادة القانون.

■ ولكن هناك من ينادون بمزيد من الاحتياطات والإجراءات الاستثنائية بسبب الإرهاب الذي يضرب المصريين؟

- لا شك أن الإرهاب خطر محدق، ويحصد الضحايا الأبرياء كل يوم، وعلينا التكاتف في مواجهته، وقد يحتاج ذلك لبعض الإجراءات الاستثنائية، كما يحدث في كل بلدان العالم. ولكن ليس معنى ذلك أن نعطل النمو السياسى للبلد أو نرجئ العمل بالدستور، أو نلغى دور الأحزاب والمجتمع المدنى، أو نفرض قيودا على الإعلام وحرية التعبير، بل يجب أن نعتبر أن انتظام عمل المؤسسات السياسية والدستورية وتفعيل الحريات المنصوص عليها في الدستور- ضربة للإرهاب وتحدٍ للقتلة وتعبيرٌ عن قوة الدولة وقدرتها على المضى قدما نحو التقدم والحداثة والاستقرار، أما التذرع بأننا في مرحلة استثنائية لإرجاء نمو المناخ السياسى، فهذا مما يحقق أهداف الإرهابيين والمتربصين بالبلد، ويعبر عن نجاحهم في تعطيل عودتنا لحالة الاستقرار والمسار الديمقراطى السليم.

■ بمناسبة المجتمع المدنى.. ما انطباعاتك عن قانون الجمعيات الأهلية الأخير الذي لاقى انتقادات واسعة داخل البلاد وخارجها؟

- لا يعنينى الانتقادات الخارجية التي توجه للبلاد، لأنها تخضع لحسابات سياسية دولية، ويجب إخراجها من الحوار الداخلى بيننا، وما يهمنى فقط هو المصلحة العامة لمصر وللمصريين. وقانون الجمعيات رقم 70 لسنة 2017 أضر بالدولة، كما أضر بالمجتمع المدنى، لأنه اعتبر أن نشاط الجمعيات عموما ضار بالبلد، ويفتح الباب لمعاداة النظام، ويشجع على التدخل الأجنبى في الشأن الداخلى لمصر، وهذا تصور غير صحيح، لأن المجتمع المدنى من المفترض أنه يخضع للقانون، والتمويل الأجنبى يجب أن يكون محل رقابة دقيقة، ولكن القانون الحالى لم يأتِ متوازنا، بل قيّد نشاط المجتمع المدنى على إطلاقه، ودون تقدير لما تقدمه عشرات الآلاف من الجمعيات الأهلية من خدمات تنموية وخيرية ومجتمعية بالغة الأهمية، فأدى ذلك إلى حرمان الشعب من خدمات مهمة في ظل أوقات عصيبة، تتمثل في ظروف اقتصادية صعبة، وأتمنى أن يعاد النظر بأسرع ما يمكن في القانون، حتى نقيم توازنا سليما بين تشجيع المجتمع المدنى والرقابة المناسبة على نشاطه وتمويله.

■ وما تقييمك للبرلمان الحالى؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور زياد بهاء الدين »،نائب رئيس الوزراء الأسبق

- البرلمان منتقد من الناس، وأنا قلق من هذا الانتقاد المستمر والاستهزاء بالمجلس التشريعى، لأنه يرسخ لدى الرأى العام شعورا بعدم أهميته، لكون أدائه هزيلا، وقد يأتى الوقت ويعتقد الناس أنهم ليسوا بحاجة لبرلمان أصلا، إذا ما كان دوره محدودا وغير مؤثر في صنع القرار، ولا في الرقابة على السلطة التنفيذية. لذا يجب علينا أن ندافع عن المؤسسة التشريعية، ونتحدث بكل شجاعة، ونقول إننا في أشد الحاجة لبرلمان جيد، وأنا شخصيا لست مع الآراء التي تعتبر مشكلة البرلمان تتعلق بالأفراد، لأن الموضوع أكبر من الأشخاص، والمشكلة الحقيقية تكمن في القانون الذي جاء بهذا المجلس، بسبب نظام القائمة المطلقة، الذي استبعد الأحزاب والتكتلات السياسية، مما فرغ المجلس من المعارضة الحقيقية التي هي أساس العمل السياسى، والقانون الذي أتى بالمجلس الحالى هو المتهم الحقيقى في أن يكون لدينا برلمان مفكك خالٍ من عناصر التنظيم ومن المعارضة والقوى والأحزاب المختلفة، وهو عيب مؤسسى وقانونى، وليس عيبا فرديا.

■ وماذا عن أداء الحكومة من وجهة نظرك؟

- دعنى، أولا، أنتهز الفرصة لكى أتمنى الصحة والسلامة لرئيس الحكومة، المهندس شريف إسماعيل الذي قد أختلف معه في بعض السياسات، لكن لا أظن أن أحدا يختلف حول شخصيته وإخلاصه ووطنيته واستعداده للتضحية، من أجل البلاد، وندعو الله له بالصحة والعافية، أما عن الحكومة من المنظور المؤسسى، فإن مَن يمعن النظر في عمل الحكومة يجد أنها في وضع لا يتفق مع الدستور، لأن الأخير يعطيها قوة واستقلالية في عملها، وهذا غير موجود على أرض الواقع، ويغلب على عملها تسيير الأعمال وتنفيذ السياسات، بينما مؤسسة الرئاسة هي التي تدير، وتقرر، وتحدد السياسات الكبرى.

من جهة أخرى، لا توجد متابعة كافية من مجلس النواب لعمل الوزراء وأدائهم بشكل فعلى، بل أهم المشروعات التي تنفذها الحكومة لا يتم مناقشتها بجدية في البرلمان، فمثلا لم نرَ جلسة برلمانية لمناقشة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بشكل جاد، ولا مناقشة موضوع سد النهضة ولا البرنامج النووى. كل ما نراه هو اجتهادات فردية لبعض النواب الذين يحاولون القيام بدورهم بجدية، ولكن في ظل مناخ لا يشجع على ذلك. لذا فمن الأهمية أن تبدأ الحكومة في صنع القرارات وتحمل نتائجها كاملة، ويقوم البرلمان بمراقبة عملها ومناقشة جميع الأمور خاصة الكبرى منها بجدية أمام الرأى العام، كما جاء في الدستور.

■ كانت لك تجربة عمل في الحكومة عندما كنت نائبا لرئيس الوزراء فما أسباب استقالتك السريعة وقتها؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور زياد بهاء الدين »،نائب رئيس الوزراء الأسبق

- مشاركتى في الحكومة كانت في مطلع عام 2014 مع حكومة الدكتور حازم الببلاوى الأولى وأثناء رئاسة المستشار عدلى منصور. واستقالتى لم تكن سريعة بل جاءت بعد ستة أشهر وقد جرى تغيير الحكومة بأكملها بعدها بأسابيع قليلة. وقد بذلت جهدى للمساهمة في إعادة بناء البلد في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة، وتحققت نتائج جيدة في المجال الاقتصادى، خاصة مع إعادة علاقات مصر مع الدول والمنظمات التي قاطعتنا في أعقاب ثورة 30 يونيو، وفى جلب المساعدات الخليجية الأولى لإعادة البناء وكانت كلها في شكل منح وليست قروضا، وفى وضع وتنفيذ أول برنامج لتنشيط الاقتصاد، وفى إصدار قانون منع تعارض المصالح، وفى تقرير الحد الأدنى للأجور وغيرها. وقد كنت راضيا وسعيدا بأداء الحكومة على الجانب الاقتصادى في وقت كان البلد في حالة انهيار تام. ولكن وجه الخلاف أننى اعتبرت أن العودة بالبلد إلى مسار سياسى وديمقراطى سليم شرط من شروط الاستقرار والتقدم، وأن الشعب المصرى يستحق بعد ثورتين أن ينعم بالحرية وحكم القانون. ولكن خلافى جاء حول ما اعتبرته اتجاها متصاعدا لتقييد الحريات وإصدار تشريعات تحرم المواطنين من حقوقهم الدستورية وهو ما أظن أنه قد تحقق بالفعل. فلما اشتد الخلاف على هذا الموضوع داخل الحكومة لم أجد مفرا من الاستقالة لأن الوزير يجب أن يكون مشاركا في كافة قرارات الحكومة وليس مرتبطا بموضوعه الفنى فقط لأن المنصب الوزارى بطبيعته منصب سياسى ولا يجوز أن يتحول الوزير إلى مدير تنفيذى لوزارته وحسب.

■ وكيف ترى الاقتصاد بعد ما يقرب من عام على الإجراءات التي فرضتها الدولة لإصلاحه؟

- لاشك أن الإجراءات الكلية التي اتخذتها الدولة مهمة وسليمة ولم يكن من الممكن إرجاؤها. ومن هنا وجب أن ينسب الفضل للحكومة والرئاسة في وضع الأساس الصحيح الذي تمثل في تعويم الجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم عن الوقود، فجميع هذه الإجراءات كانت صائبة، ولكن على الجانب المقابل توجد ظروف اقتصادية صعبة جدا تمثل عبئا على الشارع المصرى على رأسها ارتفاع الأسعار والبطالة المستمرة إضافة إلى التدهور في مستوى الخدمات العامة. لذا كان من الواجب أن يتواكب مع الإجراءات الإصلاحية الكلية التي تم إقرارها شىء في غاية الأهمية ألا وهو العمل على تخفيف المعاناة عن المواطنين وحمايتهم من غلاء المعيشة بمجموعة خطوات تشجع الاستثمار وتضبط الأسعار وتحسن الخدمات العامة، بحيث يشعر المواطنون بهذه المساعدات.

■ معنى ذلك أن تلك الإجراءات الاقتصادية فشلت في تحقيق هدفها؟

- القرارات الكلية كانت سليمة بلا شك ولكنها ليست كافية وحدها لتحسين أحوال المواطنين، والخطأ كان الاعتماد عليها وحدها دون استكمالها ببرامج وخطوات تنفيذية تنشط الاقتصاد وتزيد الاستثمار في مجالات إنتاجية وتحسن مستوى الخدمات العامة، ولذلك فإن المواطن يجد نفسه دفع الثمن مرتين، مرة في زيادة الأسعار، والثانية في عدم تحقق الانتعاش الاقتصادى.

■ كيف ترى الفرق بين اقتصاد الحزب الوطنى ونظيره الآن؟

- حكومة الدكتور أحمد نظيف كانت ناجحة حتى عام ٢٠٠٨ في تشجيع الاستثمار وتخفيض البطالة وتحقيق انتعاش اقتصادى ونمو سريع، وهذه مكاسب مهمة جدا، ولكن غياب سياسة اجتماعية متكاملة مع انتشار الفساد بشكل واسع وغلق المجال السياسى جعل نجاحها الاقتصادى يصطدم بواقع يعيشه المواطنون لا يتناسب مع طموحاتهم، وهذا درس مهم علينا استيعابه جيدا.

■ هل يوجد بمصر ثروات أم أنها فعلا دولة فقيرة؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور زياد بهاء الدين »،نائب رئيس الوزراء الأسبق

- بمصر ثروات بكل تأكيد على نحو ما ظهر في حقل «ظهر» للغاز الطبيعى والثروات المعدنية بالمثلث الذهبى وغيرهما، ولكن قوة الدول لا تقاس بثرواتها الطبيعية بل برأسمالها البشرى وتماسك مجتمعها، ونحن نهتم كثيرا بالبنية التحتية الهندسية وبمشروعات إنشائية كبيرة ولكن نهمل تماما العنصر البشرى وهذا يحد من قوتنا وقدرتنا على النمو على المدى الطويل لأن أساس أي نهضة يتوقف على العنصر البشرى.

■ هناك انتقادات لعدم إتاحة المعلومات فما تعليقكم؟

- هذا انتقاد في محله، فلا يمكن أن نتوقع أن يكون في مصر أحزاب حقيقية وإعلام مستقل وحوار سياسى واجتماعى واقتصادى مثمر طالما أن المعلومات غير متاحة وغير كافية، وهو ما يترتب عليه اعتماد الناس على الشائعات وصفحات التواصل الاجتماعى والبرامج الفضائية وجميعها مصادر معلومات لا تحقق نضوجا سياسيا، ولا يمكن أن ننسى أن هناك استثناءات جديرة بالذكر مثل التعداد السكانى الذي قام به الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وأعلن السيد اللواء أبوبكر الجندى نتائجه بكل شجاعة وشفافية وكان أثره جيدا على المجتمع لأن فيه مصداقية. ولكن يظل هذا العمل استثناء ضمن قاعدة لا تتيح المعلومات. ومن حق المواطن أن يعلم وأن يشارك وللعلم فإن هذه المشاركة في مصلحة الحاكم قبل المحكوم وتصب حتما نتائجها الإيجابية في مصلحة الدولة.

■ لماذا لا نرى مبدعين الآن في مصر.. هل لندرتهم أم بسبب تهميشهم؟

- لا أتفق أننا لا نرى مبدعين حاليا، لأن وسائل وقنوات إبداعهم مختلفة وأحيانا تكون بعيدة عن قنوات الإعلام الرسمى التي لا تجذب الجمهور، ومع ذلك فإن الإبداع يحتاج لمساحة من الحرية والتجريب والمخاطرة لا أرى أنها متوافرة حاليا.

■ هل يمكن محاصرة الإرهاب؟

- بالتأكيد يمكن ليس فقط محاصرته بل الانتصار عليه، وثقتى كبيرة في أن نحقق ذلك الهدف لأن التضحيات كبيرة وكثيرون دفعوا الثمن غاليا، ولكن أتمنى أن تدرك الدولة أن الاصطفاف الوطنى المطلوب من أجل تحقيق هذا الانتصار يحتاج لتوافر المزيد من الثقة في المواطنين والمزيد من الثقة في مؤسسات الدولة المدنية وفى حكم القانون، والانتصار على الاٍرهاب معركتنا جميعا، وكلما تضافرت جهود المجتمع في القضاء عليه كان أجله قريبا.

■ كيف ترى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

- لا أظن أنها سوف تكون محل منافسة حقيقية، والأرجح أن نتيجتها محسومة لصالح الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولكن ما يجعل للانتخابات مصداقية ليس مجرد وقوف الناخبين في طوابير يوم التصويت، بل توافر قدر من الحرية واحترام القانون والدستور ولست أرى هذه الأشياء متوافرة حاليا، وعلى الدولة أن تراجع نفسها في ذلك حتى لا تنتقص من قيمة ومصداقية الانتخابات.

■ كيف قرأت وصول الفريق أحمد شفيق إلى مصر ثم إعلانه عدم خوض الانتخابات؟

- من حق أي مواطن أن يرشح نفسه لو شاء، ولا يصح انتقاد أو مهاجمة أي شخص، لأنه يطرح نفسه، لأن هذا الأمر يضعف من مصداقية الانتخابات.

■ وكيف ترى الاستثمار في مصر الآن؟

- إلى الآن لم تقدم الدولة حلولا عملية لإنهاء عوائق الاستثمار، ومازال المستثمرون عازفين عن الدخول بجدية في مشروعات إنتاجية كبرى تدر دخلا وعملة صعبة للبلاد، والسبب هو التعامل معهم بنفس طرق الماضى من الروتين الحكومى والبطء في التقاضى وتعقيدات يومية، فضلا عن نمو دور الدولة وتدخلها في معظم المشروعات، مما يقلق المستثمرين.

■ ما رأيك فيما يسمى فقه الأولويات المتمثل في صرف الموارد بترتيب معين؟

- كلمة فقه الأولويات ثقيلة جدا وتجعل الأمر عصيا على فهم الناس لها، والموضوع بسيط وهو أن مواردنا محدودة بالنسبة لاحتياجاتنا الكثيرة ولذلك فمن الأهمية أن نقوم بصرف الموارد المتاحة في المواضيع المهمة التي تحسن مستويات المعيشة، لكن ما يحدث هو توجيه موارد متعددة إلى مشروعات من وجهة نظر الكثيرين ليست ذات أهمية وأولوية في الوقت الحالى بينما الصرف الصحى غير مكتمل والسكك الحديدية تحتاج تجديدًا وغيرها من المشروعات التي يحتاجها المواطنون فورا. وليست كل المشروعات القومية الكبرى من نفس الأهمية، فمثلا شبكة الطرق العملاقة التي أنشئت وحل أزمات الطاقة والكهرباء إنجازات عظيمة، ولكن مطلوب المشاركة في صنع القرار كى تأتى الأولويات سليمة.

■ كيف ترى انتقادات بعض رجال الدولة لحجم الديون واعتبارهم أنها تمثل خطرا مقبلا؟

- الخوف في محله. الدين الخارجى في حد ذاته ليس خطأ ولكن يجب أن يكون في نطاق آمن، وأن يستخدم في مجالات تحسن من إنتاجية الاقتصاد، وأن يكون لدى الدولة تصور عن كيفية ومصادر سداده في المستقبل. ولذلك يجب مناقشة الموضوع بشفافية ومعلومات كافية لأنه بدون ذلك نكون متجهين نحو تحميل الأجيال القادمة ديونا تكبل حريتها واستقلالها وتعيق نمو الاقتصاد مستقبلا من جراء تلك القروض.

■ كيف تقيم أداء الأحزاب الموجودة في مصر الآن؟

- الحياة الحزبية في أزمة كبيرة ورغم كثرة عدد الأحزاب إلا أنها ليس لها وجود فعلى على الساحة السياسية، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب منها أن نشأتها بعد ثورة يناير جاءت باستعجال فلم يكن لها رؤية سياسية واضحة، ثم وجدت نفسها أمام انتخابات برلمانية في وقت لم تستكمل فيه بناءها التنظيمى، ولكنها اجتهدت مع ذلك وقامت بدور مهم، بينما في ظل المناخ السياسى المقيد حاليا لا يوجد لديها مساحة كافية للتحرك والتواصل مع الجماهير وليس من شك في أننا بحاجة ماسة إلى أحزاب حقيقية بحيث تقوم بدورها في إثراء الحياة السياسية سواء على جانب الحكومة أو المعارضة.

■ ماذا تقصد بحزب حكومى؟

- ليس عيبا أن يكون للحكومة حزب يعمل برؤيتها ويحاول جاهدا تحقيق طموحات معينة، وأتمنى أن يتحول تكتل «دعم مصر» إلى حزب للحكومة بشكل علنى ليدافع عن قوانينها ويعمل وفق خطتها، ولكن يجب أن يقابله أيضا أحزاب معارضة قوية ومستقلة لأن تعدد الآراء يصب في مصلحة الوطن.

■ وماذا عن البيروقراطية والفساد بعد الثورة؟

- للأسف ازدادت مساحة البيروقراطية بعد ثورة يناير بصورة واضحة والسبب هو الخوف الشديد الذي أصبح ينتاب معظم العاملين في الجهاز الإدارى للدولة وزيادة مساحة الروتين الحكومى، وهذا يؤدى إلى غل يد المحترمين عن أداء عملهم مما يفتح أبوابا للرشاوى ومحاولة المواطنين تخليص مصالحهم بطرق ملتوية خاصة بعد أن بات الإعلام يصدر حكما نهائيا على كل متهم بأنه مذنب بالضرورة. فما نحتاجه هو قواعد تنظيمية واضحة وقوانين إدارية ليست بها مواربات ولا غموض لأننا نعانى من وجود قوانين تقبل أكثر من تفسير وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للفساد.

■ هل قدرتم حجم الفساد الموجود لدينا؟

- الفساد لا يمكن تقدير حجمه، والمهم أن تتم محاصرته، وبينما أرى أن الدولة تسعى لتحقيق ذلك ونسمع يوميا عن قضايا تم كشفها، ومسؤولين أحيلوا للتحقيقات وفق اتهامات بالفساد، يبقى أهم عوامل محاصرة الفساد هو تغيير القوانين وإصلاح النظام القضائى وزيادة الوعى الإعلامى.