تروى الأديرة المنتشرة فى صحارى وجبال مصر، قصصا مثيرة عن تاريخ الرهبنة فى التاريخ المسيحى القديم، وكيف ابتدع المصريون الرهبنة وصدروها إلى العالم كله، والأديرة المسيحية فى كل بقعة بها صحراء شديدة القسوة وجبال شاهقة، وتجسد قصصا وحكايات عن الروحانيات وكيفية العيش مع الله ولله بعيدا عن شهوات العالم، وتروى حتى الآن منذ مئات السنين، للزوار والرهبان الجدد، وأساطير عن رهبان تحدوا العالم، وتعبدوا داخل مغارة لا يوجد فيها أو بجوارها إنسان، وهناك من أسس الرهبنة وأصبح «أبوالرهبان» ليصدر تلاميذه إلى العالم منذ 1700 سنة.
«المصرى اليوم»، توجهت فى رحلة خلال احتفالات أعياد الميلاد المجيدة، إلى دير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس بمنطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر، لنبحث عن إجابات للأسئلة التى تدور فى ذهن الكثيرين عن الأديرة المسيحية والرهبان، الموجودين فى المناطق الوعرة بين الجبال وفى الصحراء.
ودير الأنبا أنطونيوس، أول دير أنشئ فى العالم، وينسب اسمه إلى الأنبا أنطونيوس الذى يعتبره الأقباط المصريون أول الرهبان فى العالم، وأب جميع الرهبان، ويقع فوق هضبة مرتفعة فى صحراء رأس غارب، ويزوره العديد من الحجاج يوميا، وتم بناؤه فى العصور القديمة للمسيحية. ويقع الدير على سفح جبل الجلالة القبلى، ويمكن الوصول إليه عن طريق السويس ومنها إلى رأس غارب ثم غرباً فى الصحراء مرورا بالعين السخنة أو من بنى سويف شرقاً، ويمكن الوصول إليه من القاهرة عن طريق «حلوان ـ الكريمات» ثم الزعفرانة ويقع الدير قبل الزعفرانة بحوالى 48 كيلومترا، ومدق الدير حوالى 16 كيلو مترا.
قال الأنبا دانيال، أسقف ورئيس دير الأنبا بولا، إن البدو قتلوا معظم رهبان الدير، وأحرقوا مكتبته، موضحا أن الدير فى سنة 1484 ميلادية، وكذا دير الأنبا أنطونيوس، تعرضا لهجوم من البدو، وقتلوا معظم الرهبان، وأحرقوا مكتبته الثمينة وذخائرها المقدسة، وظل خرابا مهجورا حوالى 80 سنة، إلى أن قام البابا غبريال السابع، سنة 1520-1568م، بإرسال رهبان من دير السريان حاملين الأوانى والكتب المقدسة لتعمير الديرين، إلا أن الدير لم ينعم بالاستقرار طويلا، حيث تعرض لهجوم عنيف ثان من البدو، وعمر الدير مرة أخرى ولكن بعد فترة قصيرة تعرض للهجوم مرة ثالثة من البدو، ظنا منهم أن الدير بداخله مقتنيات من الذهب والفضة، وظل الدير مهجورا مدة بلغت 119 سنة، إلى أن جلس على الكرسى المرقسى البابا يوأنس السادس عشر، من سنة 1676-1718م. المزيد
على طريق البحر الأحمر، حيث الجبال الشاهقة على يمين ويسار الطريق، ومع طلوع الشمس، تبدأ العلامات المرورية فى الظهور للإرشاد عن دير«الأنبا بولا»، ومع الوصول إلى اللافتة الرئيسية قبل الدخول إلى المدخل الرئيسى للدير ومنها تبدأ فى الانحراف يمينا فى مدق داخل الجبل لمسافة 16 كيلو مترا تقريبا، لتجد لافتة ترحيب تخبرك بأنك داخل دير الأنبا بولا، وبمجرد الدخول إلى الدير والبوابة الرئيسية تجد شبابا من أمن الدير، وبعد الاطلاع على الأوراق الشخصية والحصول على رخصة السيارة والبطاقات الشخصية وتدوين بياناتها، يتم السماح بالدخول إلى مقر الدير، ثم التوجه إلى مساحة كبيرة جدا من الأرض وبداخلها عدد من البنايات القديمة الأثرية. المزيد
يقول الأنبا دانيال، أسقف ورئيس دير الأنبا بولا، إن الراهب شخص يحب الله ويصلى من أجل العالم ولراحة كل العالم، فهو مجرد إنسان يعيش فى عزلة كاملة عن فكر العالم وشهواته وطموحاته، ويؤهل نفسه لكى يدخل ملكوت السموات، ولكن فى عزلته عن العالم لا ينسى العالم، بل يعيش من أجل العالم لكى يصلى من أجله، ويلبى أى خدمة تطلب منه دون أن يعيش فى شهوات العالم.
ويضيف أن الراهب له طبيعة ملائكية، فهو زاهد عن كل شىء، وقلبه عامر بالحب لخدمة كل إنسان، كما له اشتياقات خاصة تقوده للعيش لله ومع الله وكفى. المزيد
فى جولة ممتعة، يصطحبنا الراهب تيموثاوس، المسؤول عن استقبال زوار الدير، لشرح معالم بالدير، ودخلنا الكنيسية الرئيسية التى كان يتعبد فيها الأنبا بولا، وهى المغارة التى كان يعيش فيها، إذ قال تيموثاوس إن الأنبا بولا ولد فى الإسكندرية، ويطلق عليه الأنبا بولا الإسكندرانى، لكن هناك بعض الكتب تطلق عليه بولا الطيبى، نسبة للحى الطيبى بالإسكندرية، وبعد أن افترق عن أخيه، ودخل مكانا فى غرب الإسكندرية، وبعد 3 أيام أرسل داخل القبر، وظل يصلى، ويتعبد حتى أرسل الله إليه ملكا حضر به إلى منطقة الدير. المزيد
فى مغارة الأنبا أنطونيوس، ولكى تنول البركة، عليك أولا الصعود إلى سطح جبل شاهق داخل دير الأنبا أنطونيوس، أول الرهبان فى العالم.
من الإسماعيلية، بدأت «المصرى اليوم»، رحلة الوصول لدير الأنبا بولا بالبحر الأحمر، برفقة «بولا»، سائق، إذ قطعنا مدقا جبليا، 11 كيلومترا، لكى نصل إلى دير الأنبا أنطونيوس بطريق الزعفرانة، وعلى بعد 5 كيلومترات، ظهرت أسوار الدير الضخمة والمبانى الشاهقة، وكنائس ومبان على جانبى الدير.
داخل الدير، وجدنا رحلات قليلة تبدأ فى صعود الجبل، مسافة 5 كيلومترات، لزيارة كنسية الأنبا أنطونيوس فوق سطح الجبل، وصعدنا درجات السلم التى تكسوها قطع حديدية تساعدك على الصعود وسط سياج حديدى، وخلال الرحلة تجد كلمات الأنبا أنطونيوس مدونة على جانبى السلم فى طريق الصعود والنزول، وبعد 1.30 ساعة انتهينا من رحلة الصعود إلى سطح الجبل للوصول للمغارة، ووجدنا آخر درجة فى السلم مدونا عليها: «تم صعود 1420 سلمة من سطح الأرض إلى قمة الجبل بخلاف السير على الأقدام أثناء رحلة الصعود إلى الجبل». المزيد