كيف لك أن تشعر بالأمان، وتطمئن للمستقبل وتراه مشرقاً، وأنت عالق بين فكيّ متهورَين لا يردعهما أي رادع، ولا يعرفان إلى الحكمة سبيلاً؟ وكأنك لقمة سهلة طرية يمضغانها ليتلذذا بطعم السُلطة ويرضيان غرورهما.
بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، العالم كله تحوّل إلى كرة يتلاعبان بها، ومصائر الشعوب رهن «كبسة زر» منهما. زعيم كوريا هدد بأن زر إطلاق الأسلحة النووية جاهز على مكتبه دائماً، والرئيس الأمريكي رد عليه بأن «زره النووي» أكبر وأقوى من زر كيم! فهل سيكتب التاريخ يوماً أننا عشنا في «عصر الجنون السياسي» الذي سادت فيه أنانية زعماء ورؤساء على العمل لخدمة مصالح الدول والشعوب، وساد جنون العظمة وحب السلطة فوق كل اعتبار، ووقفت الكرة الأرضية على شفا حفرة من كارثة نووية لم تكلّف سوى كبسة زر؟ أم أنه لن يكون هناك تاريخ يتحدث ولا بشرية تستمع؟!
عصر تكثر فيه الرؤوس وتقل فيه الحكمة، تنظير على كافة الجبهات، الكل يتحدث في السياسة ويبدي رأيه ويصدر أحكاماً.. والعالم يسير بخطوات متسارعة نحو الانفجار الكبير، والحروب تدمر دولاً وتهدد دولاً أخرى..
بين كيم وترامب، حياتنا لا قيمة لها، والبشر قطع شطرنج يتناقلانها في لعبة الخطر والموت. «زري أقوى وأكبر من زرك»، عبارة لا نعرف أنضحك عليها أم نبكي على حالنا ومستقبل أبنائنا. وكأننا أمام طفلين يتباهيان بألعابهما، ومن يملك لعبة أقوى وأكبر من الآخر، فهو قوي وشأنه عظيم ومكانته كبيرة.
مرة أخرى نسأل: أي مهزلة هذه؟ وأي مصير ينتظر العالم بين يدي مجنونين لا يتهاونان في اللعب بأمن وأمان الناس، ولا يحسبان أي حساب لأحد، ويتصرفان وكأن كل منهما يملك الكون بقبضة يده؟ تدمير وفناء وتشويه لمن تكتب له الحياة بعد الكوارث النووية.. مصير أسود، فهل يبقى القرار بين يديهما وبين أيدي من يحيط بهما ومن على شاكلتهما؟
غياب الحكمة في السياسة هي الخطر الأكبر الذي يهدد العالم، وغياب الضمائر يقابله الجنون والتهور في تسليح الإرهابيين وإطلاق يدهم لتهديد الدول الآمنة، والتلاعب بمصير البشرية.. وترامب لم يستوعب بعد أنه رئيس أكبر دولة في العالم ويسعى لإثبات ذلك برعونة وجهل وتخبّط والضرب يميناً ويساراً، مما أغرق العالم في الفتن والصراعات، التي لم تفلت منها بقعة على وجه هذا الكوكب. أما الزعيم الكوري، فهو شاب أرعن ترك شعبه يعاني الجوع والجهل وعزله عن العالم كله، فهل نتوقع منه أن يخاف على باقي الشعوب من الكارثة النووية؟
ما زلنا نأمل أن يكون هناك أصوات للعقلاء من القادة وأصحاب القرار، للتصدي لهذه المبارزة النووية القاتلة، ونأمل أن يكون الصوت أعلى من أصوات الشياطين الذين يتحكمون في القرار ويستهينون بالإنسانية وتاريخها وحضارتها.
marlynsalloum@gmail.com