الفتنة الكبرى: تجميل صورة الفاسدين

مي عزام الثلاثاء 02-01-2018 21:49

(1)
لماذا تم الحكم بالسجن لمدة 15 عاما على هشام طلعت مصطفى في قضية سوزان تميم؟ لماذا لم تتذكر المحكمة أيادى طلعت مصطفى البيضاء على الاقتصاد المصرى، وعدد العاملين الذين يعملون في شركاته، وأنه واحد من كبار المطورين العقاريين في مصر، وأنه أول من نجح في إقناع المصريين بالانتقال من العاصمة والاستقرار في صحراء الرحاب، التي أصبحت أسعارالعقارات فيها تفوق مثيلاتها في قلب العاصمة، لماذا وجدنا من الطبيعى محاكمة هشام طلعت مصطفى عن جرمه، المتمثل في تخطيط وتمويل مقتل عشيقته في دبى، دون أن يؤثر ذلك على أعمال شركته في السوق واستمرار ثقة المصريين فيها وحجز وحداتها؟ لأن كل صاحب عقل ومنطق يدرك أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، الرجل لديه نقطة ضعف تجاه رغباته جعلته شريكًا في جريمة قتل، وكان لابد من عقابه، لكن في نفس الوقت لديه نقاط قوة، فهو مطور عقارى من الطراز الأول.
(2)
جرائم القتل يتم القصاص فيها بأحكام حازمة ورادعة حماية لأرواح وحياة باقى أفراد المجتمع، قال تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، وأنا أعتقد ان سرقة المال العام لا تقل جرمًا عن القتل من حيث تأثيرها على المجتمع، فسارق المال العام كمن سرق الناس جميعا، والتهاون في معاقبة مقترف هذه الجريمة يشيع الفساد في المجتمع والجرأة على سرقة حق الشعب، خاصة لو كان السارق من علية القوم ورجالات المجتمع، هنا يشعر العامة أن القصاص والعدل كلمتان لا تنفذان إلا عليهم، وتضيع فلسفة القصاص وهى حماية المجتمع بقانون يُنفذ على الجميع، ويتحقق ما حذر منه رسولنا الكريم حين قال: «أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
(3)
كل شخص صاحب مركز ومكانة في المجتمع، له أنصار وأعداء، وبالضرورة كانت له أيادٍ بيضاء على البعض وظلم البعض الآخر، لا يمكن أن يكون هناك إجماع على شخص، حتى الرسل والأنبياء لا إجماع عليهم، فكرة الكمال التي نحاول إلصاقها بمن نحبهم فكرة ساذجة، لم تعد تليق بالزمن الذي نعيش فيه. تكريم شخص نحبه أو كان له فضل علينا عند وفاته بذكر محاسنه شىء جيد على المستوى الشخصى، لكن في حال كان هذا الشخص شخصية عامة أجرمت في حق المجتمع، بالمساهمة في سرقة مال عام أو غض البصر عن ذلك، والتستر على الفساد المالى والإدارى الذي ألحق الضرر بالمؤسسة التي كان يديرها نيابة عن الدولة، هنا لابد أن يتم التعامل بحذر وأمانة شديدة، خاصة من جانب الصحافة التي تمثل ضمير المجتمع، والتى تدرك تماماً أن ما تنشره على صفحاتها له تأثر كبير ومباشر على الناس، وفى حال تجميل كتابات صحفية لأشخاص تم توجيه اتهامات بالفساد وإهدار المال العام إليهم، فهذه الكتابات تسهم في نشر ثقافة التساهل مع الفاسدين وتجميل صورتهم.
(4)
أتفق تماما على أن الراحل إبراهيم نافع، رحمه الله، كان إدارياً من الطراز الأول، وشخصية حريصة على صورتها العامة، فلم يكن مبتذلًا أو سفيهًا أو شتامًا، لكن لا يمكن لأحد أن ينكر الفساد في مؤسسة الأهرام في عهده، الذي امتد لما يقرب من ربع قرن من الزمان، واستفادته من ذلك، ولم يكن وحده في ذلك، كانت المؤسسات الصحفية الأخرى المملوكة للدولة تعانى من نفس الآفة، وكان رؤساء مجالس إدارتها فوق المحاسبة والمراجعة، وكان يتم التعامل معهم على أنهم ممثلو مبارك شخصياً، ومبارك كان يعنى الدولة. أموال المؤسسات الصحفية القومية أموال الشعب، وكل من ساهم في سرقة هذه الأموال أو إهدارها لابد من عقابه.
(5)
رحمة الله نطلبها للجميع، الصالح والطالح، والله وحده يملك العفو والمغفرة لأنه يعلم ما لا نعلم، لكن في الحياة الدنيا، الثواب والعقاب يكون بتطبيق قوانين الدولة على كل من يقدم على جريمة تمس المجتمع أو أي فرد من أفراده: القتل، السرقة (سرقة الأفراد أو المال العام )، الإرهاب، التعذيب.. إلخ، وكما قال الله تعالى «لكم في القصاص حياة يا أولى الألباب».
المجتمع شريك مع الدولة في تأسيس دولة القانون والعدل والمساواة، ولذا وجدت أنه من الضرورى التعليق على محاولات التأثير على الرأى العام، بذكر الجانب الإيجابى وفقط من شخصية الراحل إبراهيم نافع، وتجاهل سلبياته وعلى رأسها ضلوعه في الفساد المالى والإدارى في الأهرام، لأننى أعتبر ذلك بمثابة محاولة لتبييض وجوه من أساء إلى المجتمع كله، وأنا لا أقصد إبراهيم نافع بذاته، فأنا لا أعرف الرجل شخصياً، ولم يكن بينى وبينه خصومة يوما، لكن ما حدث معه تكرر من قبل مع مبارك وعدد من رجالات عهده الفاسد، وأنا هنا أتحدث عن أهمية انحياز الصحافة وكتابها للحق. وأعتبر أن الكتابات الصحفية، التي تسهم في ضياع حق المجتمع، وتظهر أن تمسكه بمحسابه الفاسدين، ولو معنوياً، نكران لأفضال هؤلاء وإنجازاتهم العظيمة، وتنكيل بهم وتجنٍ عليهم، هي فتنة كبرى، وتأثيرها سيئ على القيم التي يجب أن يلتزم بها المجتمع، وتستقر في وجدان أفراده فيما يخص الحق، والشرف والأمانة والعدل والمساواة.
(6)
انتبهوا أيها السادة: ما تزرعونه اليوم من تهاون مع الفاسدين نحصده غدًا توحشًا وتجبرًا منهم يدفع المجتمع كله ثمنه، وليتكم تتذكرون مقولة «على بن أبى طالب» رضى الله عنه: الحق لا يُعرف بالرجال.. وإنما يُعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف أهله».
ektebly@hotmail.com