حين التقيت «مريم رجوى»، زعيمة المعارضة الإيرانية، وقت أن كانت رئيسة إيران في المنفى، قبل أكثر من 15 سنة في لندن، كنت أعرف أن نظام «الملالى» سوف يسقط، وأن المعارضة الإيرانية بقيادة حركة «مجاهدى خلق» سوف تنتصر للشعب وتحرر إيران من الفاشية الدينية.. وقتها كانت المنظمة تمتلك جيشًا نظاميًا بالمعنى الحرفى للكلمة، موجود في «العراق» على مقربة من «طهران».. وكانت الحركة تنعم بدعم أوروبي كامل سمح لها بإقامة المؤتمرات والاحتفالات.. لكن أوروبا- فجأة- ضيقت الخناق على «مجاهدى خلق».. وسقطت «بغداد» عام 2003، فلم يعد هناك «جيش».. ولا من يحاربون!.
وحين قتلت الشابه الإيرانية «ندا آغا سلطان» على يد ميليشيات الباسيج عام 2009، عرفنا ما سمى بـ«ثورة التويتر»، بعدما تداول النشطاء مقطع فيديو يصور مقتل «ندا»، حتى أصبحت رمزا للاحتجاج الشعبي والقمع الذي أعقب إعادة انتخاب «محمود أحمدي نجاد» رئيساً لإيران، بينما كان الشعب يؤكد تزوير الانتخابات.. وفى كل مرة كنا نتصور أن المشهد سيتغير أو «حكم الملالى» سوف يسقط.. لكن الترسانة العسكرية للحرس الثورى وقوات «الباسيج» ظلت قادرة على قمع أي انتفاضة شعبية.. خاصة إذا ما أضيف لها خضوع الشعب لـ«ولاية الفقية» دينيًا وسياسيًا!.
اليوم نحن أمام مشهد مختلف، لقد اندلعت المظاهرات والاحتجاجات في إيران لأسباب مختلفة، تضرب المواطن هناك في صميم حياته، إنها «ثورة الجوع»- كما أطلق عليها البعض- والتى هبت بنحو 60 مدينة إيرانية، وهى الاحتجاجات الأبرز ضد النظام الإيرانى منذ إقامته.
لقد بدأت الاحتجاجات بمدينة «مشهد» اعتراضاً على تدنى الأوضاع الاقتصادية، وإنفاق المليارات على الحروب بالوكالة الدائرة في سوريا والعراق واليمن، وتحميل المواطن فاتورة تلك الحروب، وارتفاع أسعار الوقود 50%، وخروج 30 مليون مواطن من مظلة الدعم النقدى، بالإضافة لارتفاع معدل البطالة لـ12.4% ما يعادل 3.2 مليون عاطل.. ثم امتدت التظاهرات إلى باقى مدن «إيران».. ولأول مرة يتجاوز سقف الاحتجاجات الشعبية في إيران مطالب الفقر والغلاء والبطالة إلى إطلاق هتافات سياسية ضد الديكتاتور الأكبر المرشد الإيرانى «على خامنئى» والرئيس الصورى «حسن روحانى»، رافعين شعارات «تسقط ولاية الفقيه» التي تسيطر على مقاليد حكم البلاد منذ عام 1979!.
ووصلت الثورة الشعبية الجارفة ضد النظام الإيرانى إلى مرحلة اقتحام مراكز الشرطة وقواعد «الحرس الثورى الإيرانى»، بحسب إعلان التليفزيون الرسمى الإيرانى، وطالت أعمال العنف والتخريب البنوك والمحال التجارية، وتم استهداف المبانى الحكومية.. بينما فرض النظام الإيرانى التعتيم وأغلق عدة تطبيقات على هواتف المحمول على رأسها تطبيق «انستجرام» و«تليجرام» وقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت عن مناطق تشهد مواجهات عنيفة في محاولة للتعتيم على حجم المظاهرات التي وصلت إلى العاصمة السياسية «طهران» والعاصمة الدينية «قم»!.
وردد المحتجون شعارات: «الموت لروحانى»، و«اتركوا سوريا وانظروا لحالنا».. في مواجهة نظام يستخدم كل آليات «القمع» لوقف امتداد الثورة من مدينة إلى أخرى.
ومع تزايد معدل سقوط الشهداء، خرج الرئيس الإيرانى «حسن روحانى» في كلمة للشعب دعا خلالها للتهدئة معترفًا بتقصير الحكومة.. لكن الشعب الإيرانى خرج من القمقم مثل المارد يطالب بالحرية.. فما بين ثورة 2009 التي حملت عنوان: «أين صوتى» وثور 2017/ 2018 التي رفعت شعار: «لا للغلاء».. أدرك الشعب هناك أن حقوقه السياسية والاقتصادية مستلبة لحساب توسع «الإمبراطورية الإيرانية»، وبسط نفوذها على المنطقة العربية، ونشر التشيع (وأنا لست ضد الشيعة).. بإنفاق ثروات البلاد على الحروب بالوكالة: (إيران واحدة من أكبر مصدري النفط والغاز إلا أن 25 مليوناً من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر)!.
وكالعادة لعب رجل الدين المحافظ البارز، آية الله «أحمد علم الهدى» دوره، فدعا إلى اتخاذ إجراء صارم ضد المحتجين.. فالملالى هم «اليد الأعلى» في إيران.
حتى الآن لا يوجد قائد واضح للمظاهرات الحالية في إيران، لكن تغريدات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»- عبر «تويتر»- تفسر من يدعمها، فقد كتب: («إن إيران تفشل على كل المستويات على الرغم من وجود صفقة رهيبة معهم من قبل إدارة أوباما»، وتابع: «لقد قمع الشعب الإيرانى العظيم لسنوات عديدة، وإنهم جائعون من أجل الغذاء والحرية، وإلى جانب حقوق الإنسان، يجرى نهب ثروة إيران، حان وقت التغيير»)!.
وفيما التزمت الدول العربية الصمت، أعرب الاتحاد الأوروبى عن «أمله» في أن «تضمن» طهران حق التظاهر.. فهل يمكن أن تقرأ ما بين همس الجميع وتصريحاتهم المعلنة.. خاصة إذا أضفت لملف «ثورة الجياع» في إيران اتهامات الأمير «محمد بن سلمان»، ولى العهد السعودى، لإيران بتزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بالصواريخ، وقوله: (هذا الأمر يمثل عدواناً عسكرياً ومباشراً من النظام الإيرانى ضد المملكة)!.
هل تفرق كثيرًا مَنْ لعب الدور الرئيس في تفجير «ثورة الجياع»؟.. لا أعتقد.
المهم أن يسقط «حكم الملالى».. وساعتها فقط قد تتوقف الحروب الطائفية في المنطقة.
s.gaara@almasryalyoum.com