وزير الصناعة د. محمود عيسى: مصر «شقيانة» لكنها لن تفلس

كتب: مصباح قطب, ياسمين كرم السبت 05-11-2011 19:17

أكد الدكتور محمود عيسى، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، أن المطالب الفئوية ساهمت فى جعل الوضع الاقتصادى غاية فى الصعوبة، ولكنه لن يصل إلى الإفلاس. وقال عيسى فى حوار لـ«المصرى اليوم»، إن الشعب لم يعط للدولة الفرصة لالتقاط أنفاسها للتعامل مع المتغيرات الطارئة. وأشار إلى أن الشركات العربية قررت الانتظار واتخذت موقفا «تعبويا» بعد تعرض بعض استثماراتها إلى التوقف عقب أحداث الثورة، بعكس الأتراك الذين يمتلكون رغبة عارمة لدخول السوق المصرية، رغم ما نمر به. وقال إنه توجد فلول فى وزارة الصناعة مثلها مثل أى مكان آخر لكن التعامل بعدل مع الجميع يقلل المقاومة. ولفت الوزير إلى أن أفضل حل للتعامل مع شركات «الخصخصة» التى عادت إلى الدولة أن تتم الاستعانة بشركات خاصة، لإدارة تلك الشركات وضخ استثمارات فيها، خاصة وأن موازنة الدولة لن تتحمل ضخ أموال فيها. وأشار إلى تحقيق «المصرى اليوم» حول اللانشون، مؤكداً أنه طالب بتوجيه حملة إلى المصنع فى اليوم التالى لنشر التحقيق فى الصحيفة.

وشدد على أن إصلاح منظومة الرقابة يرتبط بالأساس بإصلاح هياكل رواتب المفتشين.

وإلى نص الحوار:

هل مصر فعلاً على وشك الإفلاس؟

- الاقتصاد المصرى قوى والإفلاس غير وارد، ولكننا نمر بموقف صعب جدا، حيث انخفضت الموارد وسط زيادة الطلبات التى لا تقدر الحكومة على الوفاء بها، والناس لم تعط الدولة الوقت والفرصة لالتقاط أنفاسها للتعامل مع المتغيرات الطارئة.

فالقاعدة الصناعية مستمرة فى الإنتاج فى مجملها، ولكنها لا تسهم بأكثر من 18% من الناتج القومى فى النهاية، ولكن السياحة مثلاً التى تسهم بشكل أكبر متعطلة، وكلما حاولت النهوض يحدث شىء يشدها للوراء، وأجزم بأن هناك من لا يريد لها أن تنهض مرة أخرى.

فى تقديرك كم من الوقت نحتاج لعودة معدلات النمو الصناعى إلى سابق عهدها؟

- أعتقد أنه خلال عامين قد نبدأ الدخول فى المعدلات الطبيعية للنمو الصناعى وغيره ولكن بشرط تحسن الأوضاع العالمية أيضا.

ما موقف الاستثمارات القطرية والخليجية؟

- الحقيقة أن معدل طلب الاستثمار من تركيا أعلى كثيراً من الدول العربية، رغم أننا عندما كنا فى السعودية كانت هناك رغبة من المستثمرين السعوديين للاستمرار فى مصر، ولكن أعتقد أنهم فى فترة هدنة. والشركات العربية عملت ما نسميه فى الجيش «وقفة تعبوية»، نتيجة لبعض الأحداث التى لحقت بالاستثمارات العربية بعد الثورة، والتى تأثرت بوقائع مثل أرض الوليد بن طلال فى توشكى وحكم استرداد عمر أفندى.

رغم أن هناك طلباً على الأراضى فإن هيئة التنمية الصناعية قررت وقف التخصيص وهناك اتجاه لإعادة ملف التخصيص إلى هيئة المجتمعات العمرانية فما تعليقك؟

- سياسة الوزارة لا تكون سياسة إلا عندما يعتمدها الوزير، وقرارات هيئة التنمية الصناعية بهذا الشأن لم تصل لمكتبى حتى الآن، ولكن أعتقد أن السياسات الخاصة بالهيئة تحتاج لمراجعة من جميع النواحى سواء التخصيص أو رخص التشغيل أو الطاقة وخلافه.

وسياسات التخصيص تحتاج إلى مراجعة، فهيئة المجتمعات العمرانية هى المسؤولة عن تحديد سعر الأرض، رغم أن هذا السعر يؤثر على الاستثمار الصناعى، وهناك دول كثيرة تعطى الأرض بسعر رمزى أقل كثيراً من مصر.

لماذا لم يتم إجراء تعديل مؤقت لقانون الصناعة لحسم قواعد منح التراخيص؟

- أوشكنا على الانتهاء من تعديلات قانون الصناعة، لكن موضوع منح الرخص بالمزايدات جاء بقرار وزارى عام 2007، والأمر متوقف على قرار وزارى آخر، ولكن لا نقدر على إصداره فى هذا التوقيت، لأن هناك «حكم محكمة» يقول إن الرخص يجب أن تكون بمقابل مالى من خلال مزايدة، كما أن خزانة الدولة بحاجة إلى أموال.

هل يعنى ذلك تجميد طرح رخص للصناعات الكثيفة؟

- لا طبعا لم يتم وقفها وهناك طلبات كثيرة من المستثمرين، لأن تلك الصناعات تحقق هامش ربح عالياً جدا ولا يمثل ثمن الرخصة مشكلة لها.

ولكن الرخص السابقة كانت مزايدة على الطاقة سواء الغاز والكهرباء وأنتم تقولون إن الطاقة ستباع بالأسعار الحرة؟

- الوارد فى الإعلان عن رخص الحديد الممنوحة فى 2008 هو «تدبير المستثمر للطاقة بمعرفته»، وبرغم ذلك تمت المزايدة، ولكن هناك اجتماعاً للمجلس الأعلى للطاقة قريباً لمناقشة الموضوعات المتعلقة بالصناعة والطاقة ورخص الحديد والأسمنت المستقبلية.

هل لديكم مشكلة فى عودة شركات قطاع الأعمال إلى وزارة الصناعة، وما الحل الأمثل للتعامل مع الشركات التى تمت خصخصتها وعادت للحكومة؟

- شركات قطاع الأعمال مشكلة دولة وليست وزارة، ولا يوجد مانع أن تعود للصناعة ولكن بأسس جديدة تضعها الدولة، وليس بنفس الأسس القديمة التى أضاعت تلك الشركات.

وكانت أسماء حلوان والعامرية وكفر الدوار فخراً لمصر، ولكنها للأسف الشديد أصبحت فى حالة صعبة جدا.

وبالنسبة للشركات الصادرة بحقها أحكام لردها للدولة، فيجب أن تكون هناك سياسة متفقاً عليها لإعادة تلك الشركات إلى قوتها، حيث تقادمت المعدات ونحن فى عالم تحكمه التنافسية، وبالتالى الأمر يحتاج إلى رؤية جديدة ومبتكرة للتعامل مع الشركات التى عادت للحكومة، دون تحميل الدولة أعباء.

وهناك من الوسائل ما يسمح بذلك، فمثلا هناك رجال عمال وطنيون يمكن أن تعطيهم الفرصة فى إدارة تلك الشركات بفكر القطاع الخاص وإعادة تمويلهاً بشرط أن تظل فى ملكية الدولة، كما أن العمال سيتقبلون هذا الأمر إذا ما كانوا جزءاً من الحل، ويمكن أن نجعلهم شركاء بأسهم بتكلفة معقولة.

من الممكن أيضاً تطبيق نظم المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص المعمول بها فى جميع دول العالم، وهناك مزايا كبيرة يحصل عليها المستثمر من مشاركة الحكومة أهمها ضمانة الدولة، كما أن فكر إدارة القطاع الخاص مختلف تماما، وكفاءات القطاع العام كلها خرجت، فكيف تعود بشركات الدولة إلى النجاح وأنت ليس لديك كفاءات إدارية أو عمالة مدربة أو أموال لإعادة ضخها فى تحسين تلك الشركات وتطوير «الماكينات» فيها.

وأعرف أن هناك مخاوف من شراكة الحكومة والقطاع الخاص، لأنها ظهرت وكأنها باب خلفى لخصخصة المرافق، لكن فى الصناعة الموضوع مختلف، وطالما أن هناك شفافية والعمال مشاركون فى الأمر، فثق أن ضمانات النجاح مكفولة.

المستثمرون خاصة الأجانب يعتقدون أن العسكريين يهتمون ويميلون دائما لكل ما هو قطاع عام؟

- بالعكس.. فكل الدلائل تؤكد اهتمام المجلس العسكرى بالقطاع الخاص ودوره فى الإنتاج والتنمية.

كل المكاتبات الواردة إلى ومن مجلس الوزراء تعكس اهتمامه بالاستثمار والصناعة، وتم عمل اجتماع فى شهر أغسطس بتكليف من المجلس العسكرى كان مخصصاً لمناقشة مشاكل الاستثمار والمستثمرين.

وتقريباً كل أسبوعين تأتى إلينا من المجلس العسكرى مقترحات وآراء لدراستها لتطوير النشاط الاقتصادى، وأيضا حل مشاكل المستثمرين المستجدة أو التى يشكو أصحابها للمجلس.

أليس لديك نقد للسياسة الصناعية الماضية؟

- ليس نقد للأفراد لكن لسياسات، فمثلا التوازن فى الاقتصاد كان مطلوباً أكثر، فلا يمكن مثلا أن نولى كل الاهتمام للقطاع الخاص ونترك القطاع العام، لأن الخاص وحده لن يوصلنا إلى الأهداف فكلاهما له مزايا، وهما معاً رمانة الميزان للدولة، والقطاع العام هو صمام الأمان لأن أى نقص فى سلعة ما يمكن تعويضها مباشرة من مصانع القطاع العام، كما أن الدعم الموجه إليه يكون دعماً مباشراً للبيوت.

المشكلة أن تكون عندك سياسة صناعية ثابتة والكل يعمل عليها، سياسة لا تخدم الوزير، ولكن وزير يخدم السياسة.

مؤخراً بدا أن تركيا تريد أن تمارس دور الدولة الكبيرة علينا وتضغط لخفض الجمارك على السيارات حتى تقوم بإدخال إنتاجها؟

- لا أعتقد أن التعامل مع تركيا يقوم على ذلك الأساس، ولكنها تريد أن تحقق مصالحها التجارية، والتعامل بيننا قائم على تبادل المصلحة المشتركة.

و الميزان التجارى حالياً بالتأكيد فى صالحها، و«الشطارة» المصرية أن نقلبه لصالحنا، وهذا لن يتحقق إلا بالنجاح فى إنتاج منتجات قابلة للتصدير وأن يكون منتجنا منافسا للتركى، تركيا فى الفترة الأخيرة حققت طفرة كبيرة، ويجب أن نتعلم منها وأن نكون نداً لها.

هل تتذكر استراتيجية الصناعة حتى 2025؟

- المشكلة فى المسميات ومنذ سنة 2000 خرجت استراتيجيات كثيرة، لكن العبرة أن نقوم بتنفيذ تلك الاستراتيجيات، والحاصل أننا ننساها فى الطريق.

هل من المفيد لمصر أن تكون التجارة الداخلية تابعة لوزارتك كما هو الحال بالنسبة للتجارة الخارجية؟

- لكل نظام عيوبه ومزاياه، ولكن وضع التجارة الداخلية فى هذا الوقت لن يتأثر، إذا ما كانت مع أى وزارة، فالحال مائل ولابد من عدله.

فالتجارة الداخلية فى أوروبا تعتمد على الرقابة الداخلية، ولكن فى مصر الرقابة ليست فى وضع يمكن أن نطمئن معه على أنها تعمل بشكل سليم، يجعل المصنع يخاف من التفتيش.

ولكن وجودها مع الصناعة طبعاً يخدم الصناعة والتجارة، خاصة أن جهاز حماية المستهلك وهيئات الرقابة ستعمل بكفاءة أكثر لو كانت مع الوزارة مباشرة.

ولو صدر قرار بضم التجارة الداخلية إلينا فنحن جاهزون ولكنها تحتاج إلى مجهود كبير جداً فى بناء نظام شامل وعصرى للرقابة والتفتيش.

هل تتناول اللانشون؟

- (ضاحكاً)، بعد اللى انتوا كتبتوه فى «المصرى اليوم» بدأت أكله.

أنا لا أحب اللحوم. نحن أرسلنا لجنة تفتيش إلى المصنع الذى ذكرتموه فى ثانى يوم مباشرة من نشر التحقيق فى صحيفتكم، وهم لديهم منذ زمن مشاكل، وكانت هناك تقارير عن عدم صلاحية فى بعض المنتجات، ولكنهم عندما كانوا يشعرون بأن هناك زيارة للمصنع كانوا «يضبطون» الأوضاع سريعا.

ونأمل فى الفترة المقبلة مع قيام جهاز سلامة الغذاء أن يتم ضبط تلك الأمور.

ألا توجد وسيلة أكثر فاعلية من «كبسات» المفتشين على المصانع، حيث أثبتت عدم جدواها؟

- للأسف الأجهزة الرقابية ليست فى مستوى يسمح بالاعتماد عليها. المفتشون فيها فى حالة صعبة جدا، ويجب أن نعيد لهم الكرامة وأن يكون الدخل من العمل يسمح لهم بحياة كريمة ولكن للأسف هذا غير موجود، ولن يتم إصلاح هذه المنظومة إلا بإصلاح هياكل الأجور فى الأجهزة الرقابية.

بدأت خطوات جادة لإعادة هيكلة الأجور فى الوزارة والجهات التابعة للقضاء على الفجوة الكبيرة إلى أين وصلتم؟

- نعم بدأنا، أعتقد أن الكثير لديه اعتراضات على تخفيض الأجر ولكن فى المجمل لا أواجه ضغوطا.

والعدل فى النهاية لابد من قبوله والإنسان لا يخاف إلا لو كان «مخبى» حاجة.

تم الانتهاء من 40% من موضوع الأجور والعمل فيه مستمر وتم تطبيقه فى الوزارة بعدالة تامة فى نسب التخفيض والناس اللى مرتباتها كبيرة تم تخفيضها.

مركز التحديث وتنمية الصادرات سيخضعان أيضا لأن فى النهاية هذا «مال عام» ونحن «بلد شقيانة» لا يمكن أن نعطى رواتب بهذه الضخامة.

هل يوجد فلول فى الوزارة؟

- فيه فلول سياسة وفلول صناعة وأخرى زراعة ورابعة فلول إعلام. كله موجود ولابد من تصنيف نوعى للفلول الظاهرة والمخفية.. كل من كان يستفيد بشكل غير مشروع، أو حتى مشروع ومبالغ فيه لن يكون معاك وسيعارضك سواء علانية أو فى السر ومن خلال تسليط آخرين عليك ما دام اقتحمت يجب أن تكمل.

هل فحصت يوماً الواردات المصرية المتضخمة، وما الذى لفت نظرك؟

- نعم إنها بالفعل مزعجة، وسنقوم بمراجعة لائحة الاستيراد والتصدير الأسبوع المقبل. لا يعقل أن تكون الواردات 3 أضعاف الصادرات.

هناك واردات تدمر الصناعة وتؤذى المستهلك، وهناك شغل على ودنه فى مجال التهريب، وقد شكلت 7 لجان لملاحقة التهريب سواء فى المنافذ أو المناطق الحرة أو الترانزيت أو خارج هذه الأماكن.

وأتوقع أن يصب ضبط العلاقة بين الصادرات الواردات فى نهر واحد وهو تعميق الصناعة.