رغم كونها دولة صغيرة تقدر مساحتها الكلية بنحو 11 ألف كم2 ولا يزيد عدد سكانها على 2 مليون نسمة، استطاعت قطر أن تفرض نفسها بقوة على الصعيد السياسى العالمى، بعدما انخرطت فى ميادين الصراع الإقليمية، لاعبة دور الوسيط فى حل نزاعات فى لبنان واليمن والسودان وسوريا ودول أخرى، معتمدة ما عُرف بـ«دبلوماسية المصالحة»، حتى إن صحيفة «لوموند» الفرنسية رأت أن الإمارة الخليجية استحقت مؤخراً عن جدارة - شهادة حسن التصرف، بعد أن أصبحت لاعباً أساسياً على الساحتين الإقليمية والعالمية.
ووسط نشاطها الدبلوماسى على الصعيد الدولى، لم تتجاهل قطر الجانب المحلى، حيث أعلن أمير قطر، الثلاثاء الماضى، عن إجراء أول انتخابات فى تاريخ بلاده لـ«مجلس الشورى» فى عام 2013، ليواكب بذلك موجة الربيع العربى.
ودولياً، لم تكن دعوة الدوحة، الأحد الماضى، لعقد لقاء بين كل من السعودية وإيران، فى أعقاب توتر العلاقة بين الدولتين بعد أنباء عن «مؤامرة» إيرانية لاغتيال سفير السعودية لدى واشنطن، إلا أحدث حلقة فى سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية المكثفة التى قامت بها قطر على المستوى الإقليمى لمواكبة التغيرات المتسارعة فى المنطقة، بل المساهمة فى إحداثها، لتصبح واحدة من دول الشرق الأوسط الأكثر تأثيراً. فعلى الصعيد الليبى، تقود قطر تحالفاً دولياً جديداً منبثقاً عن حلف شمال الأطلنطى (الناتو) تحت مسمى «لجنة الأصدقاء لدعم ليبيا» والمكلف بمتابعة العمليات فى ليبيا، خصوصاً فى مجال التدريب والتسليح وجمع السلاح، وذلك بعدما أمدت الدولة الخليجية الثوار الليبيين بالمال والسلاح، بل إن رئيس الأركان القطرى حمد بن على العطية أعلن، مؤخراً، أن مئات الجنود القطريين شاركوا على الأراضى الليبية فى العمليات إلى جانب الثوار.. ولا يمكن فى هذا الصدد إغفال أن قطر كانت أول دولة عربية سارعت للاعتراف بـ«المجلس الانتقالى الليبى». وفيما يخص سوريا، تقود قطر، باعتبارها الرئيس الحالى لمجلس الجامعة العربية، اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالعمل على وقف العنف فى سوريا والبدء بحوار بين السلطات والمعارضة، هذا إلى جانب تحركات دبلوماسية أخرى قامت بها الدوحة لتعضيد علاقاتها بعدد من دول المنطقة، مثل زيارة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان للسودان الأسبوع الماضى والتى شارك خلالها الرئيس السودانى عمر البشير ونظيره الإريترى أسياسى أفورقى فى افتتاح الطريق القارى «كسلا - اللفتة» الذى يربط السودان بإريتريا بتمويل من قطر، بالإضافة إلى زيارة الشيخة موزة، قرينة الأمير القطرى لمركز مجدى يعقوب لأمراض وبحوث القلب بأسوان، لذا لم يكن مستغرباً أن تكون قطر هى أول دولة يزورها زعيم حركة «النهضة» الإسلامية التونسية بعد فوز حزبه فى انتخابات «المجلس التأسيسى».
ولا ينشأ الدور الريادى لدولة ما من فراغ، بل يجب أن يرتكز على مقومات موضوعية ملموسة، فعلى الرغم من إمكانات قطر الديموغرافية المحدودة وتواضع قوتها العسكرية وعدم تمتعها بالانسجام داخل المحيط الخليجى، فضلاً عن افتقادها نسبياً لاستقلالية قرارها السياسى، وذلك بفعل وجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، يرى الدكتور عمار على حسن، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن إحدى ركائز قوة الدول وجود قيادة طموحة ونخبة سياسية ودبلوماسية ذات خبرة، وهى أمور توفرت لقطر إلى جانب تمتعها بثروة اقتصادية هائلة، حيث إنها تمتلك ثالث أكبر احتياطى للغاز فى العالم، ويضيف حسن أن قطر استطاعت توظيف تلك الثروة فى «لعب دور أكبر بكثير من حجمها الإقليمى والدولى»، موضحاً فى الوقت نفسه أن الدور القطرى تمدد أيضاً فى ظل انكماش دور مراكز القوى الإقليمية التاريخية، مثل تراجع الدور المصرى والسورى والعراقى فى رسم معالم سياسات المنطقة، فمع هذا الفراغ السياسى وجدت قطر الملعب مفتوحاً أمامها للقيام بدور أساسى.
وفى حين يرى الرئيس السودانى الأسبق، المشير عبدالرحمن سوار الذهب، أن قطر فى مواقفها من الثورات العربية «لم تسع إلى تحقيق مآرب خاصة»، اعتبر عمار على حسن الأنشطة الدبلوماسية القطرية الحالية تهدف إلى «إرضاء غرور الدوحة وتحقيق طموحها فى الزعامة»، إلا أنه لفت إلى أن الدور القطرى فى المنطقة أحياناً ما يوظف لخدمة أطراف دولية وليس بالضرورة لمصلحتها الحيوية المباشرة، موضحاً أنه فى بعض الأحيان تتدخل قطر لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل بالتبعية أو لخدمة إيران، وشدد على أن قطر حريصة على أن تبقى علاقاتها متوازنة مع كل الأطراف لتوفر لنفسها الحماية فى ظل كونها دولة صغيرة، وهو الرأى الذى يتفق معه سمير غطاس مدير مركز «مقدس» للدراسات الاستراتيجية، حيث قال فى حديث لموقع «فرانس24» الإخبارى إن «الدور الذى تلعبه قطر يأتى بالوكالة عن الولايات المتحدة التى لها أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط فى هذا البلد»، موضحاً أن قطر تسعى للعب دور أكبر من حجمها لتحافظ على مكانتها وسلامة حدودها وحماية الأسرة الحاكمة من أى تطورات داخلية قد تؤثر عليها بالسلب.
وأشارت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، فى تقرير لها فى يوليو الماضى، إلى أن قطر استطاعت عبر قناة «الجزيرة» الفضائية التى تملكها حكومتها أن تقوم بدور محورى فى تجييش الشارع العربى والنفخ برياح التغيير، لكن الإمارة ذاتها يبدو كأنها لا تقبل ولا تطيق أن ترى أنسام التغيير تهب على صحرائها. وبينما عزت مجلة «بيزنس ويك» الأمريكية قدرة الدوحة على صد «رياح الربيع العربى» إلى تمتعها بالثروة والخدمات الأمنية، ما يجعل حكومتها تشعر بأنها فى «مأمن نسبيا» من الثورات، لفت «على حسن» أيضاً إلى عدم وجود طبقة وسطى قوية أو مجتمع مدنى يمكن الاعتماد عليه فى المطالبة بإصلاحات سياسية جذرية فى قطر.