أثارت مناقشة «الكونجرس» الأمريكي، الجمعة، لمشروع قرار ينتقد «ازدياد التعصب الطائفي والهجمات الإرهابية ضد المسيحيين في مصر»، جدلا داخل الأوساط السياسية والكنسية في مصر، خاصة بعد إحالته إلى لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس.
مشروع القرار الذي قدمه 6 أعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، بعنوان «القلق من ازدياد الهجمات الإرهابية على المسيحيين في مصر»، ويطالب بربط المعونة باتخاذ مصر خطوات لضمان المساواة وإنهاء تهميش المسيحيين في المجتمع المصري، يراه بعض السياسين والمحللين ذريعة للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري، فيما يعتبره آخرون «عقابا» لمصر على تصويتها في مجلس الأمن ضد قرار واشنطن بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ماذا يريد الكونجرس؟
ويشير القرار المنشور على الموقع الإلكتروني «للكونجرس» إلى أن «المسيحيين يواجهون تمييزا شديدا في كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المستويات العليا في دوائر الاستخبارات والدفاع والشؤون الخارجية والأمن»، وأن «التعصب النظامي والانقسامات الطائفية طويلة الأمد جعلت المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية».
ويوضح القرار أن «الأقباط كانوا ضحايا العديد من الهجمات الإرهابية من قبل جماعات إرهابية مثل تنظيم (داعش)»، فضلا عن «أحداث القتل الطائفية، خاصة في الصعيد».
ويرجع مشروع القرار جزء كبير من الأزمة إلى «سوء معاملة المحتجزين في السجون المصرية، الذي يؤجج كراهية المسيحيين ويشجع على الانضمام للمنظمات الإرهابية المتطرفة».
كيف يتصرف مجلس النواب المصري؟
بدوره، قال النائب طارق رضوان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب ونائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «المصريين الأحرار»، في تصريح لـ«المصري اليوم»، إن لجنة العلاقات الخارجية ستعقد جلسة خاصة، الساعة 12 ظهرًا الأربعاء، لمناقشة مشروع قانون الكونجرس الجديد، بحضور الكاتب الصحفي ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، للخروج بالرد المناسب.
وأضاف «رضوان» أن أعضاء البرلمان يعلمون أن التوقيت الزمني لمناقشة هذا القانون يتعلق بقضية القدس، موضحا أن البرلمان لن يتوان عن اتخاذ الإجراءات المناسبة للتأكيد على اعتراضه على ما جاء في مشروع القرار، مؤكدا أن «قطع المعونة لم تعد أمرا مهما بعد اليوم، لأن المعونة لا تبني وطنا، خاصة إذا كان الغرض منها هو زرع الفتن والتدخل في الأوضاع الداخلية لمصر»، موضحا أنه «لطالما استخدمت واشنطن التهديد بقطع المعونة لتبرير تدخلها واستغلال نفوذها والسعي وراء مصالحها».
ورفض «رضوان» جميع الشروط والطلبات التي تضمنها القانون الأمريكي، قائلا: «لن نسمح أن تملي علينا دولة أجنبية ما يجب أن نفعله داخل وطننا، ونحن أدرى بظروفنا ومشاكلنا»، موضحا أن «رشوان» سيتولى مهمة التعامل مع القنوات والوكالات الأجبنية لتوضيح الموقف.
«مصر تدفع ثمن وقوفها بجانب القدس كما هدد ترامب»، بهذه العبارة لخص النائب طارق الخولي، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، رؤيته للسبب خروج القرار الأمريكي في هذا التوقيت، قائلا إنه من غير المنطقي أن تربط واشنطن بين الأوضاع في السجون وبين الهجمات الإرهابية تجاه المسيحيين، لأن الإرهاب لا يستهدف المسيحيين فقط في مصر، بل أيضا المسلمين، وهذا ما برز في حادث مسجد الروضة في شمال سيناء وأسفر عن سقوط 305 شهداء و128 مصابًا.
اعتراضات قبطية
مشروع القرار الأمريكي أشاد بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في يناير 2015، كان أول رئيس مصري يظهر في قداس عيد الميلاد، إلا أنه أشار إلى أن مصر أصدرت قانونا جديدا يتعلق ببناء الكنائس في أغسطس 2016، لكنه لم يرفع أعباء كبيرة على القدرة على بناء الكنيسة. وهو ما اعترض عليه الأب بطرس دانيال، مدير المركز الكاثوليكي للسينما، قائلا لـ«المصري اليوم» إن المسيحيين جزء من النسيج المصري، الذي يواجه هجمة إرهابية حادة بسبب ظهور «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية.
وأعرب الأب «دانيال» عن اعتراضه الشديد على مناقشة قضايا المسيحيين المصريين خارج حدود وطنهم، كما رفض ما يقال عن أن المسيحيين يعانون الاضطهاد أو التمييز، قائلا: «أنا مصري، ولا أحد يستطيع اضطهادي». وأضاف: «نحن لا نتحدث خارج مصر ولا ندول أي أزمة مهما كانت كبيرة، وهذا ما حدث عندما حُرقت حوالي 60 كنيسة إثر الاحتجاجات التي أعقبت عزل الرئيس السابق، محمد مرسي».
وأضاف أن «المتربصين بمصر وقتها انتظروا اتخاذ الكنيسة والأقباط تصعيد الأزمة أو تدويلها، لكن هذا لم يحدث، لذا فليس من المنطقي أن يحدث حاليا»، مؤكدا أن الأمر يتعلق بأجندة خفية ليست لها علاقة بالقلق على أوضاع المسيحيين كما يدعون.
الأب «دانيال» اتفق جزئيا مع مطالبة القانون الأمريكي بضرورة اتخاذ النظام المصري خطوات نحو إصلاح التعليم التي تعطي الأولوية للتعليم المحايد من جميع الأديان، والإصلاح السياسي الذي يعطي الأولوية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون، لكنه أكد على عدم قبول أن تأتي هذه المطالبات من الخارج، وأن يتم التهديد بقطع المعونة.
وقال: «نحتاج لاحتواء الشباب ولنشر الوعي في كل مكان بدءا من الأسرة وحتى المدرسة».
حديث الأب «دانيال» اتفق معه المستشار منصف سليمان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وممثل الكنيسة الأرثوذكسية في اللجنة المكلفة بوضع قانون موحد للأحوال الشخصية بين الطوائف المسيحية، قائلا إنه من غير المسموح الحديث باسم المسيحيين في الخارج أو التدخل الأجنبي في شؤون المسيحيين، والكنيسة الأرثوذكسية طالما رفضت هذا الأمر على مدار تاريخها، مؤكدة أن أي أزمة يجب حلها داخليا.
وفيما يتعلق بالمخاوف لدى عامة المسيحيين من التجمعات بالتزامن مع احتفالات عيد الميلاد، يقول «سليمان» إن «المسيحي يعلم أن الحارس هو الله»، ويضيف أن الكنيسة الأرثوذكسية تتابع باستمرار مع أساقفة المطرانيات في المحافظات الأوضاع الأمنية، وذلك بالتنسيق مع قيادات الداخلية.
مصر والقدس وبينهما «جنون ترامب»
«ورقة حقوق الإنسان طالما استخدمتها واشنطن للضغط بها على مصر، لكنه دائما ما كان يتوقف الأمر عند مرحلة ممارسة الضغوط فقط، أما الآن فالوضع مختلف»، بهذا التعليق بدأ السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، حديثه عن توابع القانون الأمريكي، موضحا أن المشكلة تكمن في أن الإدراة الأمريكية الحالية، بقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، «سفيهة وليست رشيدة ويتوقع أن يفعل أي أمر غير مألوف».
ويقول «بيومي» إن الاعتراضات على أوضاع حقوق الإنسان في مصر من قبل واشنطن ليست وليدة اليوم، بل تكررت كثيرا على مدار العقود الماضية داخل الكونجرس، لكن الأمر كان ينتهي عند الرئيس الأمريكي، الذي كان يضع مصر في بند «الدول المهمة للأمن القومي الأمريكي»، وهذا البند هو ما كان يسمح باستمرار المعونة، وهو ما لم يعد محسوما الآن بسبب «جنون ترامب».
ولا يستبعد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن يكون سبب خروج القانون في الوقت الحالي هو الموقف المصري المعارض داخل الأمم المتحدة بالتصويت ضد قرار «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويرى «بيومي» أن مصر أمامها مسارين، إما التصعيد ضد القانون والتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري ورفض الشروط التي يطالبون بها، وإما التهدئة واتباع المسار الدبلوماسي، موضحا أنه يؤيد الطريق الأخير، ويتوقع أن الرئاسة والخارجية المصرية سيسلكانه أيضا.
خطة «الأقليات الدينية»
محللون آخرون يرجحون أن مشروع القانون ليس سببه معارضة مصر لواشنطن في قضية القدس وحسب، إذ يرى الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بيري كاماك، لـ«المصري اليوم»، أن ما يحدث داخل الكونجرس يتسق بشكل أكبر مع خطة «ترامب» بشأن المسيحيين والأقليات الدينية في الشرق الأوسط، التي كشفها نائبه الرئيس الأمريكي، مايك بنس، في 25 أكتوبر، حول أن «ترامب» كلفه بسحب تمويل واشنطن إلى الأمم المتحدة وتحويله لدعم ما يعرف بالأقليات المضطهدة في الشرق الأوسط والمنظمات الدينية الخاصة.
«كاماك»، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي وعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، يرى أن «ترامب» ومعه «بنس» يسعيان لإحداث تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة، في إطار تنفيذ الوعود الانتخابية التي أعلنها «ترامب» خلال حملته الانتخابية بدعم المسيحيين واليهود، ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس وتقديم الدعم لمسيحيى الشرق الأوسط.
وأوضح الباحث السياسي في «كارنيجي» أن «خطة ترامب تثير القلق، وتستهدف خلق اضطرابات في الشرق الأوسط، لكن الرئيس الأمريكى يريد فقط الحصول على دعم المتطرفين الأمريكيين بهذه السياسة التي تهدد استقرار المنطقة».
ثمة رأي آخر تبناه أستاذ العلوم السياسية في معهد إنتربرايز الأمريكي، جوشوا مورافيشك، في تحليله للقانون، تمثل في أن العديد من السياسيين وأعضاء الكونجرس «لا يرون مصر حليفا استراتيجيا في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أنهم لا يعتقدون أنها تتبع أي من الشروط اللازمة لاستمرار المعونة، بداية من انتهاكات حقوق الإنسان وتردي أوضاعه السجون مروروا بإقصائهم عما يحدث في سيناء بشكل تام، ويضغطون على ترامب لتقليل المعونة، وقد ينجحون في ذلك إلى حد كبير».
وتساءل «مورافيشك»، وهو أحد المنتمين للحزب الجمهوري وعمل مع الإدارة الأمريكية إبان فترة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، عن سبب استغراب مصر من مناقشة مثل هذا القانون، معتبرًا أن «القاهرة طالما عولت على الرؤساء الأمريكين لتمرير المعونة دون استيفاء الشروط المطلوبة، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لكن الوضع تغير الآن بقدوم ترامب، الذي لا يمكن لأحد التعويل عليه، والذي لا يستبعد أحد أن يقلب الأمور رأسا على عقب لمجرد أن دولة ما لم تقف في صفه في الأمم المتحدة في قضية مثل القدس».
وانتقد الباحث الأمريكي ما اعتبره «ضعف» في أداء وزارة الخارجية المصرية، و«عدم سعي الحكومة للوقوف في منتصف الطريق على الأقل وأو الموازنة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمجتمع المدني»، فيما لم يتسن لـ«المصري اليوم» الحصول على رد من وزارة الخارجية للتعليق على «قانون الكونجرس».