تفاصيل مأساوية عن حياة سيدة بولاق المنتحرة: الإيدز ليس السبب الوحيد (حكايات الجيران)

كتب: محمد القماش الأربعاء 13-12-2017 16:34

بعد معاناة مع ظروفها المعيشية، قررت «منار. م»، 22 عاماً، الانتحار قفزا من شرفة منزلها بالطابق السادس، في منطقة بولاق الدكرور في الجيزة، الساعة 1.5 صباح الإثنين الماضى، فيما قالت مصادر أمنية إن «منار» يُشتبه في إصابتها بمرض الإيدز، بناءً على أقوال جيرانها.

«ارتاحت من جيرانها وأصحاب البيت ومعايرتها بالإيدز»، قالها عم سيد محمود، أحد الأهالى، بأسى، وهو يطل برأسه على شقة الشابة العشرينية.

قبل ساعتين من واقعة الانتحار، كان زوج «منار»، وشهرته «وليد سارة»، وأمه، يتشاجران مع الزوجة، حيث «أخذا ابنها إبراهيم، وقالا لها: أصحاب البيت بيطردونا»، هذان السببان الرئيسيان وراء إقدام «منار» على الانتحار، بخلاف معايرة الجارة «أم مصطفى» لها بأن زوجها مدمن ومصاب بالإيدز، وأنها مصابة بالمرض ذاته، هكذا تلخص الجارة «أم جنة»، ربة منزل، أسباب الواقعة.

تحول شارع ناصر، محل الحادث، إلى ثكنة عسكرية، بعد واقعة الانتحار، لحين وصول فريق النيابة العامة لمباشرة التحقيقات، وخاف الجيران أن يلمسوا دماء «منار»، التي لطخت الأرض أمام منزلها، فقط اكتفى الأهالى بوضع ملاءة سرير على جثتها، قائلين: «لا أحد يملس تلك المرأة، هي مصابة بالإيدز»، صرخت بتلك العبارة إحدى الجيران، فيما صدقها الناس، وكانت أفواههم فارغة من هول ما سمعوا: «خفنا نلمس الدم»، بتعبير عم أحمد على، أحد الأهالى.

لأول مرة كان الأهالى يسمعون عن تلك الحكاية.. هكذا تحدث عدد من الجيران محاولين نفى الوصمة عن أنفسهم بأنهم السبب في انتحارها، لكن «أم جنة» كانت لديها التفاصيل جميعها عن حياة الشابة العشرينية، فتقول: «(منار) وزوجها جاءا إلى الشقة بالعقار الذي نقطنه منذ 6 أشهر، وكانا يستأجران الشقة بعقد مؤقت مدته سنة كاملة، وسرعان ما اكتشفنا الخلافات بين الزوجين، إذ كانت الزوجة تعمل خادمة في المنازل كى تنفق على نفسها ونجلها الرضيع، عمره عامان، خصوصاً أن الزوج كان مدمناً للمواد المخدرة، ودائم التعدى عليها، ويترك لها المنزل، بعد مشاجراتهما على مصروف المنزل، ورغبته في الحصول على أموالها».

يمر شريط ذكريات «منار» أمام جارتها «أم جنة»، فتحكى: «الشابة المنتحرة أرادت تحسين أحوالها، فدخلت معنا جمعية، لكننا بعد خلاف السيدة العشرينية مع جارتنا (أم مصطفى)، رددنا لها أموالها المدفوعة بالجمعية، وهى 300 جنيه، وهنا ظهرت لأول مرة قصة مرض (منار) بالإيدز، إذ عايرتها الجارة: (يا مريضة الإيدز انتى وجوزك المدمن)!، وسرعان ما انتشرت حكاية المرض حتى وصلت إلى أصحاب العقار الذي نقطنه، فأحضروا الزوج (وليد) يوم واقعة الانتحار- الساعة 11 مساءً، وأخبروه بعدم رغبتهم في تواجده بالعقار، قائلين له: (بكرة الصبح لِمّ العزال وامشى أحسن لك)».

حاولنا الحديث إلى «أم مصطفى»، التي روجت إصابة «منار» بالإيدز، لكنها رفضت، قائلة: «زوجى قال لى لا أفتح الباب لأحد»!.

لم يكن أمام الزوجين «منار» و«وليد» سوى الرضوخ لقرار أصحاب المنزل، إذ لم يدفعا قيمة الإيجار، البالغة 400 جنيه، منذ 3 أشهر، ويقول عبده سعيد، أحد أقرباء مالك العقار: «سُمعة الزوج كانت سيئة، وهى أهم شىء لدينا لبقائه معنا».

تحول شارع أحمد يوسف، حيث تقطن أسرة «منار»، إلى سرادق عزاء، وللوهلة الأولى استقبلتنا الأسرة بالدعاء على زوج ابنتهم (وليد)، الذي «اختفى بعد انتحار (منار)، هو السبب ومعه أمه».

وصرخت «أم منار» غير مصدقة أن ابنتها الكبرى ماتت منتحرة، قائلة: «كنت متصورة أن (منار) اتصابت بس، لدرجة أننى ظننت بدخولها المشرحة أنها ستجرى عملية جراحية»، مؤكدة أن أولادها أخفوا عنها خبر انتحار الابنة، حتى تم دفنها.

ثمة خلافات زوجية ازدادت حدتها يوم واقعة الانتحار، يرويها «أحمد»، 19 عاماً، شقيق الشابة «منار»، قائلا: «أختى وضعت أنثى تُدعى (أسماء) قبل شهرين، وعقب 3 أيام من ولادتها، أخذ زوجها ووالدته المولودة الجديدة لكى تعيش مع جدتها لأبيها، والنتيجة فطام الرضيعة، (وهى لحمة حمرة)، وبعدما أخبر صاحب البيت زوج شقيقتى برغبته في طرده، وانتشرت رواية إدمانه، جاء إلى شقة (منار) برفقة أمه، وأخذ ابنها الأكبر (إبراهيم)، ما زاد من سوء حالة (منار)، حتى انتحرت بالقفز من شرفة شقتها».

منزل الفتاة المنتحرة في بولاق

ويرد «أحمد» على ادعاء أن سبب إقدام أخته على الانتحار هو إصابتها بمرض الإيدز، بأن أخته لم تخبرهم بالأمر مطلقا، لكن زوجها فعلاً كان يتعاطى مواد مخدرة، وأمه كان تحاول علاجه بإحدى المصحات الطبية مؤخراً، مرجحاً أن «منار» أقدمت على الانتحار لسوء أحوالها المعيشية، (حتى إنها ذهبت لمنزل أم زوجها لتعيش معها، لكنها شعرت بأنها مُهانة، لأنها كانت تُعامَل كخادمة، بخلاف أنها كانت تنفق على أفراد الأسرة وتعول زوجها).

منزل الفتاة المنتحرة في بولاق

ويحكى «عبدالله»، 15 عاماً، شقيق «منار»، أنه كان يحمل ابن أخته، «إبراهيم»، داخل الشقة محل الحادث دائماً، قائلا: «كنت باساعد أختى لحد ما تيجى من شغلها».

وتقول تحقيقات نيابة بولاق الدكرور، برئاسة المستشار هشام رفعت، إن «منار» حاولت الانتحار قبل الواقعة بنحو الشهرين، ولم تثبت في أوراق التحقيقات إصابتها بمرض الإيدز، وجارٍ ورود تحريات أجهزة الأمن بشأن الواقعة، وكذا تقرير مصلحة الطب الشرعى للوقوف على أسباب الوفاة، والتصريح بدفن الجثمان.

منزل الفتاة المنتحرة في بولاق