صناع الأحلام

أيمن الجندي الإثنين 04-12-2017 22:14

كنتُ- وما زلتُ- عاشقا للفنون. وبالتالى كان من الطبيعى أن أهتم بتقصى ما يمكننى معرفته عن هؤلاء النجوم. لاحظ أننى أتحدث عن الفنانين الحقيقيين العظام، ولا أتكلم عن أنصاف المواهب الذين ابتلتنا بهم أيامنا المجدبة، وأرى الاهتمام بأحوالهم وأحوالهن مما يخدش مروءة الكرام. وبرغم أن اهتمامى يتعلق بالصفوة من أهل الفن، فقط تلقيت صدمات قاسية فى مراهقتى حين اكتشفت أن صناع الأحلام أبعد ما يكونون عن الأحلام.

وأن الرومانسية التى تقطر من ألحانهم وأغانيهم لا وجود لها فى حياتهم اليومية. تصوّر وردة بديعة الحسن رائعة التنسيق ولكنها– واأسفاه- بدون رائحة.

■ ■ ■

كان «عبدالوهاب» هو أول صوت أحببته. صوته الدافئ الشجى الذى يشبه فنجان قهوة محوج تم إنضاجه ببطء وعناية. كنت فى سن المراهقة عندما همت بأغانيه وشرعت أتابعها، وأنا من الهيام فى حال.

حتى وقع فى يدى ذلك الكتاب اللعين الذى لا أذكر اسمه للأسف، ويؤرخ لحياته الفنية والشخصية، وفجعت حينما وجدت العاشق الجميل أبعد ما يكون عن العشق والرومانسية، بل إن الرجل الذى باعنا الحب كان يحتقر المرأة وينفر منها، بعد أن تعرّض فى صباه الباكر لتجربة قاسية حيث مر عن طريق الخطأ بدرب الدعارة فى هذا الوقت، فطاردته النسوة المتهتكات، فبلغ من ارتياعه من تهتكهن وتقززه من ضحكاتهن الخليعة أن راوده إحساس بالنفور من المرأة، ظل يعذبه بعدها بكثير. وزاده تهافت المعجبات عليه بعد شهرته نفورا.

وهكذا كان يغنى للحب ليبنى لنفسه مجدا فصدقناه، وصدق حيث قال: «أنا من ضيع فى الأوهام عمره». غناها بإلحاح فى قصيدة «كليوباترا»، وفى الحقيقة نحن الذى ضيعنا فى الأوهام أعمارنا، أما فهو فقد ابتاع نصف مصر بأغانيه وموسيقاه.

■ ■ ■

وحتى أم كلثوم التى تغنت للحب كما لم يتغن له أحد. كانت سيدة قاسية مسيطرة ويكفى ما فعلته مع العظيم (محمد القصبجى) الذى انتهى به الحال عازفا للعود فى فرقتها الموسيقية. وجرجرت «زكريا أحمد» للمحاكم، وبعده «محمد الموجى».

لقد عشقت الفن فمنحته حياتها فدانت لها الدنيا، ولكن قلبها كان شحيحا بالحب.

ولم تفلح الآهات التى صدعت بها قلوب الملايين أن تفتح شرخا- ولو بسيطا- فى قلبها للحب.

■ ■ ■

وكذلك كان أمير الحب عبدالحليم حافظ. إذ يبدو بالفعل أن الألفة تولد الازدراء فعلا كما يقول الإنجليز. لقد كان الفتى الأسمر محط أحلام نساء العرب فليس غريبا أن يزهدهن وتكون مشكلته هى الفرار من مضايقة المعجبات، خصوصا الهستيريات منهن. وطبيعى ألّا تتوق نفسه إلى ما ينام فيه ويصحو عليه؟

■ ■ ■

وفى عالم النساء أيضا يحدث أن تلهمنا أنثى بأرق الأحاسيس وتبهرنا بسحرها الفتان. رغم أننا نجدها لحظة الاقتراب باردة القلب باهتة الإحساس، وما ذلك الحسن الفتان إلا فخ نصبته الطبيعة لنا.

فى الوقت الذى تكون فيه فتاة عادية الشكل، لا تثير اهتمام الرجال عادة، مرهفة الحس متلهفة على الحب. لكن النحل– واأسفاه- لا يعرف إلا ألوان الزهور. لذلك يتهافت الرجال على الحسناوات ولو كن قاسيات ويهملون النساء قليلات الحظ من الجمال مهما بلغت خصوبة عالمهن الداخلى.

■ ■ ■

صناع الجمال والأحلام والرومانسية تبين لنا للأسف أنهم أبعد ما يكونون عن الجمال والأحلام والرومانسية. لكننا نتجاهل ذلك بملء إرادتنا طالما وهبهم المولى عز وجل هذه الموهبة التى تجعلنا نرى الكون أجمل وأروع، فتستجيب قلوبنا بالخفقان.