عدنان يوسف أمين عام اتحاد المصارف العربية: الأموال المهرَّبة يمكن استعادتها بسهولة

كتب: شارل فؤاد المصري الأربعاء 30-03-2011 19:13

تأثر الاقتصاد المصرى بموجة الإضرابات والاحتجاجات الفئوية بعد الثورة إلى درجة أن قراراً صدر بتجريمها.. وكثير من الاقتصاديين قرروا أن خسائرنا تجاوزت المسموح به مع توقف السياحة والسحب من الاحتياطى وغير ذلك.عدنان يوسف، أمين عام اتحاد المصارف العربية، كان فى زيارة قصيرة إلى مصر، والتقته «المصرى اليوم» ووضع روشتة للنهوض بالاقتصاد المصرى بعد الأحداث.وأكد أن المصارف والبنوك العربية- خاصة المصرية- لم تتأثر، نافياً أن تكون المبالغ التى أُعلن عن سرقتها وتهريبها صحيحة لأنها أرقام خيالية، مشيراً إلى أنه يمكن استعادتها بسهولة.

وإلى الحوار:

ما رأيك فيما يحدث فى مصر حالياً؟

- دائماً أستخدم مع مصر كلمة «التطوير» وليس كلمة «التغيير»، وأحب أن يكون هناك تغيير ولكن إذا لم يعقبه تطوير فليس هناك حاجة إلى التغيير، ويجب علينا استخدام كلمة «تطوير» لأنها هى التى ستحيى الاقتصاد المصرى.

والشىء الثانى يجب على الناس أن يكونوا واقعيين لأنه لا توجد «عصا موسى» نضرب بها ذات اليمين وذات اليسار فينشق البحر، ولو حدث ما حدث فى مصر قبل 5 سنوات لكان هناك احتمال إيجابى قوى من الناحية الاقتصادية، لأنه كان هناك انتعاش اقتصادى عالمى وآخر عربى، وإذا كان حدث ما حدث فى تونس أو مصر فلن يؤثر على الاقتصاد المحلى أو الدولى لأن حركتهما كانت فى نمو مطرد عالمياً، ولكن مع الأسف حدث ذلك فى ظروف تمر فيها أوروبا الغنية بظروف صعبة مالياً واقتصادياً لدرجة أن هناك دولاً أشهرت إفلاسها، أمريكا، صاحبة الحق فى نظرية الرأسمالية، أكدت أن الرأسمالية شىء وحماية مصالحها شىء آخر، وقامت باستملاك بنوك أمريكية كبيرة عن طريق الصناديق السيادية أو عن طريق الحكومة، ممثلة فى وزارة المالية، مما يدل على أن الوضع فى منطقتنا العربية ومصر صعب.

ولكن يجب ألا ننسى أن مصر لها علاقات قوية مع أوروبا وأمريكا، وكانت تحصل على مساعدات كبيرة منهما، وكل هذه الأمور لا تعمل فى مصلحة مصر حالياً لعدة أسباب، ذكرت منها أن هذه الدول تواجه مشاكل اقتصادية ومالية وصلت إلى درجة كبيرة، وأتوقع أنه إذا طال الموضوع لمدة 6 شهور فسيؤثر على الاقتصاد المصرى.

كيف سيكون شكل التأثير؟

- إيرادات السياحة ستقل وستحدث زيادة فى عجز الموازنة وانخفاض فى قيمة العملة، مما يرفع من قيمة الواردات، وزيادة فى التضخم الذى أعتبره نوعاً من السرطان الاقتصادى.

ما مدى تأثر المصارف المصرية بما حدث؟

- لا لم تتأثر حتى الآن.. لأن الشىء الذى كان فى صالحها أنها خلال العامين الماضيين خرجت من عنق الزجاجة أو من المحفظة الرديئة إلى محفظة جيدة، وتقريباً ذلك ينطبق على كل البنوك، خاصة عندما وضع البنك المركزى قيوداً على البنوك، سواء الحكومية أو بنوك القطاع الخاص والاستثمارية، مما أوجد فى هذه البنوك مخصصات كبيرة ساعدت على مواجهة التحديات التى حدثت فى العالم خلال العامين الماضيين.

هل هذه القيود إيجابية أم سلبية؟

- قيود إيجابية.

بمعنى؟

- وقف توزيع مخصصات على المساهمين ما لم تكن هناك مخصصات جيدة لهذه المؤسسات المالية، كذلك قام البنك المركزى بعمل معايير خاصة لموضوع المخصصات، مما أعطى البنوك سياسة واضحة لبناء مخصصاتها، والشىء الثالث هو أنه كانت هناك حركة اقتصادية جيدة، مما شجع البنوك المصرية على الابتعاد عن السوق العالمية والدخول فى السوق المحلية، لأنه لولا هذه الطفرة التى حدثت خلال السنوات الثلاث الماضية لخرج كثير من البنوك الحكومية والخاصة المصرية إلى السوق العالمية، وما حمى مصر والاقتصاد المصرى هو الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى والانتعاش الذى حدث للاقتصاد المصرى من قبل،

فسعت البنوك إلى الدخول فى مشاريع ضخمة مثل الاتصالات والبتروكيماويات والصناعات المتوسطة والخفيفة والغاز والبترول والطيران.

ما مدى مصداقية المبدأ الذى يقول إنه بعد الأزمات ينتعش الاقتصاد مثل ثورة مصر وكارثة اليابان؟

- صحيحة.. لأن هناك بدايات جديدة، ولنضرب مثلاً باليابان فهناك احتياج لمبان وطرق وبنية تحتية وفوقية وكهرباء وماء ومحطات اتصالات وسدود وغير ذلك، ولا ننسى أنه يتلازم مع الهزات الكبيرة أو الأزمات الضخمة أن هناك مشاريع كبيرة تبنى، ومثال ذلك فى المنطقة التى حدث بها الزلزال فى اليابان، كان التفكير منذ 30 عاماً أن تكون الطاقة النووية هى الطاقة البديلة، وأعتقد أن اليابان ستضع فى خططها طاقة نووية وطاقة بديلة أخرى تكون آمنة إلى حد ما، وكذلك الهندسة المعمارية ستتغير الخطط حيالها، وأيضاً ستُبنى سدود على الشواطئ لأنه فى السابق كانت تضربهم الزلازل وتأتى بعدها موجات من الأمواج، ولكن ليس بهذا الحجم، وأتوقع نمواً كبيراً فى الصين والهند ودول آسيا.

ما علاقة ذلك باليابان؟

- الاقتصاد الصينى يعتمد على اقتصادين هما اليابانى والأمريكى، وإذا كانت هناك زيادة فى واردات الاقتصاد اليابانى فسيساعد ذلك الصادرات الصينية فى النمو، وأتوقع أن يكون هناك نمو كبير فى هذه المنطقة وإذا ازدادت صادرات الصين ازدادت الاحتياطيات المالية الصينية، مما يزيد من التدفقات الاستثمارية إلى أوروبا وأمريكا لشراء السندات وهى حلقة متصلة.

ثورة فى تونس وثورة فى مصر وليبيا واليمن وحالياً اضطرابات فى سوريا والأردن.. ما مدى تأثر المصارف العربية بكل ما يحدث فى هذه الدول؟

- لا يوجد تأثر.

كيف؟

- كنت فى تونس قبل الثورة وبعد الثورة، وفى الجزائر قبل وبعد، وفى ليبيا قبل الأحداث، ولكن مع الأحداث كنت على اتصال مباشر مع رؤساء البنوك فى ليبيا، ولا ننسى أن 99٪ منها لا تتعامل مع الخارج لأن هناك قيوداً من البنك المركزى الليبى تفرض عليها عدم التعامل بالعملة الأجنبية، ولذا جميع الاستثمارات بالدينار الليبى.. البنك الوحيد الذى يتعامل مع الخارج هو المصرف الخارجى الليبى.

ولا ننسى أن أصحاب الأعمال فى ليبيا هم قطاع عام أى حكومة، وبالتالى لم تتأثر البنوك هناك، وإذا نظرنا إلى أرباحهم عام 2010 فسنجد أنها جيدة، رغم أن اقتصادهم يعتمد على التنمية الداخلية.

على ذكر التنمية الداخلية.. أرى أنها حائط صد وأمان لاقتصاديات الدول التى حدثت بها قلاقل، وبالتالى تعمل على عدم تشجيع الارتباط بالخارج.

- سابقاً والآن وغداً وبغض النظر عما يحدث حالياً أقول لكل البنوك العربية يجب أن تستثمروا فى الدول العربية لأنها آمنة أكثر من الأسواق العالمية.

لماذا؟

- لأن الأسواق العالمية التى لديها الشفافية لم تكن أحسن منا حالاً، والشفافية لم تحمهم من الانهيارات، والسبب الثانى أن أسواقهم متداخلة، فأى هزة فى سوق أى دولة تتأثر بها الدول الأخرى، لأنها ترتبط عضوياً بعضها ببعض، ولهذا السبب إلى الآن الأسواق العربية أفضل، ولكن ليس معنى ذلك أن نهمل الأسواق العالمية، ويمكن أن تستثمر 60٪ فى الدول العربية و40٪ فى باقى الأسواق العالمية.

هل هناك إجراءات احترازية معينة تم اتخاذها مع الأحداث لمنع انهيار المصارف العربية؟

- بالنسبة لنا لابد أن نفرق أولاً بين البنوك.. فالبنوك العربية الموجودة داخل دولها جزء كبير منها مملوك داخل الدول، ومعنى ذلك أنها حكومية، وأخذنا على عاتقنا فى الاتحاد كيف نحسن ونضع البنوك العربية فى موقف جيد مع البنوك الأوروبية والأمريكية والآسيوية.

كيف تم ذلك؟

- كانت هناك اتصالات مكثفة بيننا وبين البنوك الدولية وتم إعطاؤها جميع البيانات الخاصة بالبنوك المصرية والعربية، وتواجدت فى جميع القنوات الفضائية الأمريكية والأوروبيةلكى أعطى انطباعاً حقيقياً عن حقيقة الموقف لدينا مما يعكس أن الصورة واضحة وجيدة.

ماذا عن شركات التصنيف المالى العالمية؟

- بالفعل قامت بعض هذه الشركات بتخفيض تصنيف مصر وتونس والبحرين، وفكرت فى تخفيض تصنيف بعض البنوك فى دبى، مما أثر على سمعة البنوك العربية فى الخارج، وأذكر أنه قبل عدة أيام كان هناك مؤتمر فى باريس برعاية الرئيس الفرنسى وحضره «عبده ضيوف» الرئيس السنغالى السابق لتفعيل التعاون مع دول الفرانكفونية، وقدمت بياناً بأرقام أصول البنوك العربية له وكانت مفاجأة، وقال إنه لم يكن يعلم مثل هذه الأرقام وقلت له إن البنوك العربية تتعدى أصولها 3.2 تريليون دولار أمريكى، وأرباح 2009 كانت حوالى 35 بليون دولار ورؤوس أموالها 300 بليون دولار، وعدد الموظفين الذين يعملون فى البنوك العربية حوالى 400 ألف موظف، وعدد الفروع داخل الوطن العربى حوالى 15 ألف فرع، وإذا قارنا المؤسسات الأمريكية- حوالى 12 تريليون دولار أمريكى- مع أصول البنوك العربية فسنجد أن الأرقام جيدة.

ولا ننسى أن كثيراً من البنوك الموجودة فى منطقة الخليج هى بنوك خاصة وليست بنوكاً عامة وأكبر تكتل للبنوك العربية موجود فى الإمارات وبعدها البحرين ثم تأتى مصر فى المرتبة الثالثة من حيث الأصول.

ما هو حجم أصول البنوك المصرية؟

- 130 مليار دولار أمريكى تقريباً، وهو مبلغ محترم.

ما هى خطة اتحاد المصارف العربية فى المرحلة المقبلة لتنمية الدول التى حدثت بها ثورات؟

- لدينا مؤتمر خاص نعقده كل عام، وهو المؤتمر العربى الذى سوف نضع فى مناقشاته التعاون العربى والاستثمار فى الاقتصاد العربى، وهذا المؤتمر تحضره جميع المؤسسات ومحافظو البنوك ومسؤولو البنوك العربية.

هل يتم تنفيذ التوصيات التى تتخذونها فى المؤتمرات التى تعقدونها، وما هى الآلية؟

- نعم، نقوم بتنفيذها.. ولكنها غير ملزمة، وننفذ الجزء الذى نستطيع تنفيذه والجزء الأكبر نطرحه على الجامعة العربية والقمم العربية عن طريق وزراء المالية والخارجية العرب ومحافظى البنوك، وأذكر أنه فى المؤتمر الأخير الذى عقدناه فى الكويت أوصلنا التوصيات للقادة العرب.

كخبير مصرفى دولى.. كيف تستعيد مصر أموالها المنهوبة.. ما الخطوات؟

- الأموال التى تخرج من الدول مراقبة فى الأصل وليست مراقبة من ناحية مخابراتية لكنها مراقبة من ناحية مالية، وأظن أن الأموال التى تم تهريبها يمكن استرجاعها إذا صدر بها حكم محكمة وليست هناك صعوبة فى ذلك.

ما رأيك فى الأرقام التى ذكرت عن ثروات تم تهريبها وهى أرقام بالمليارات؟

- الأرقام التى ذكرت هى أرقام خيالية لأنها أكثر من أرقام الاقتصاد القومى، وإذا أضفت إليها أرقام ثروات رجال الأعمال فستجد أنها أكثر من رقم الدخل القومى المصرى وهى أرقام غير حقيقية وبالتالى لا يوجد إثبات على ذلك حتى الآن، إضافة إلى أن الدولة المصرية لديها أنظمة وقانون وبالتالى يجب إثبات ذلك من خلال المحاكم.

ما حقيقة أن هناك دولاً، مثل «جزر البهاما» و«ليخنشتاين» يتم تهريب الأموال إليها، وبالتالى لا يمكن حصرها أو استعادتها؟

- هذا الكلام الذى يذكره البعض هو كلام وهمى لعدة أسباب.. أولاً أن هذه الدول تم تجفيفها أى تمت مراقبتها من خلال الدول الغربية والأوروبية لأن لديها مشكلة غسل الأموال وستفاجأ بأن ثانى دولة فى العالم بها غسل أموال هى بريطانيا، وهم لا يخجلون ولذلك قلت لك فى بداية الحوار إننى مع التطوير المقترن بالتغيير.

هل اتحاد المصارف العربية يضع خططاً وإجراءات لمكافحة غسل الأموال؟

ـ أكثر ندوات تم عقدها فى منطقتنا العربية كانت تناقش مكافحة غسل الأموال ومعايير «بازل».

ما معايير «بازل»؟

ـ هى معايير محاسبية خاصة بالبنوك وأتذكر أن مكافحة غسل الأموال بدأناها قبل أوروبا عام 1987 وأتذكر فى هذه الفترة كان موجوداً الدكتور فؤاد شاكر، وكان الأمين العام للاتحاد وأيضاً محمود عبدالعزيز.

هل هذه الندوات أو التوصيات التى تخرج منها تكون ملزمة وكيف يتم التحقق من تنفيذها؟

ـ نحن نذهب إلى كل دولة عربية وتكون الندوات برعاية البنك المركزى فى هذه الدولة، وبالتالى التوصيات تخرج إلى حيز التنفيذ فى شكل قرارات. وثانياً غسل الأموال، القرارات التى تتخذ بشأنه لها صبغة دولية فإذا لم يكن لديك مثل هذه القرارات ينتج عن ذلك مشكلات مع البنوك الخارجية، وذلك يضمن الشفافية.

ما الروشتة التى يتعافى معها الاقتصاد المصرى بعد الأزمة الحالية؟

ـ مصر تمثل دولة أفريقية وعربية وآسيوية ومسلمة.. فأى حدث يحدث فى مصر تتأثر به كل القطاعات السابقة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

فلهذا السبب كانت العيون مثبتة عليها أكثر من أى دولة أخرى، وأعتقد أنه يجب الآن سرعة تحويل ما حدث لأمور إيجابية: الابتعاد عن الإضرابات وإعطاء صورة واضحة للخارج وتثبيت الأمن لأن أى استثمارات لن تأتى إلا فى وجود الأمن والأمان ودون هذين الشيئين «انس كل شىء»، لأن رأس المال لا توجد به مجاملات، إضافة إلى أن الوضع العام ليس فى صالح مصر لأن هناك مشاكل فى أوروبا، وأتوقع أن تحدث لها بعض المشاكل فى مجال العمل والبطالة، وسوف تحدث تطورات كثيرة، فيجب ألا نعطى فرصة للدول الأوروبية التى لها تعاون كبير مع مصر فى أن توقف استثماراتها.

والشىء الثانى يجب ألا ترجع مصر إلى الاشتراكية مرة ثانية ولابد أن يكون الاقتصاد مفتوحاً والشفافية متوفرة ونرحب بالمستثمر، ولا ننظر إليه على أنه مجرد شخص يأتى ليأخذ أرباحاً ويغادر، لأن مصر تحتاج إلى كل مستثمر جاد وشريف.

انخفض الاحتياطى المصرى من العملة الأجنبية بسبب الأحداث التى أثرت على سعر العملة المحلية.. كيف نعود به إلى سابق عهده؟

- الثقة.. إعادة الثقة إلى المصريين والمستثمرين وإشعارهم بالأمن تجاه استثماراتهم وتحويلاتهم، وأن العملة سوف تستقر وأن ما حدث هو مجرد هزات وليس انهيارات.

ما مدى تأثر الاقتصاد المصرى فى فترة إغلاق البورصة؟

- السوق العربية ككل- ومع الأسف ما سأقوله موجود فى السوق العربية والسوق الخليجية- تقريباً جزء كبير من الاستثمار الموجود بها هو ما يطلق عليه «الأموال الساخنة» وهى الأموال التى تدخل وتخرج بسرعة وليست أموالاً ثابتة للاستثمار، وكذلك لا توجد لدينا ثقافة الاستثمار من خلال ذوى الدخل المتوسط، وهو الذى تطبقه أمريكا وأوروبا ويجعل اقتصادهما قوياً وأن الاستثمارات متشعبة لدرجة أن «سيتى بنك» لا تعرف من هم الذين يستثمرون فيه، وغالبيتهم من الطبقة المتوسطة ممن يملكون عشرين وثلاثين ألف دولار، ولابد أن نثقف هذه الطبقات إضافة إلى أنه يجب على مصر أن تنشئ صندوقاً لشراء الأسهم الجيدة فى حالة بيع أى مستثمر فى البورصة أسهمه، لأن الأسهم تساوى قيمتها.