المقابلة الكاملة لمحمد بن سلمان مع توماس فريدمان: أخشى الموت قبل إنجاز أهدافي

كتب: بوابة الاخبار الإثنين 27-11-2017 12:02

أجرى الصحفي الأمريكي، توماس فريدمان، حواراً مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، تحدث فيه عن عن الإجراءات التي اُتخذت في المملكة العربية السعودية مؤخراً.

وإلى نص المقابلة التي نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز».

بغية التعمّق أكثر في فهم ما يجري، توجّهت إلى الرياض لإجراء مقابلة مع ولي العهد المعروف بأحرف اسمه الأولى MBS، الذي لم يتحدّث حتى تاريخه عن التطورات الاستثنائية التي تشهدها البلاد منذ مطلع الشهر الجاري، عندما أقدمت حكومته على توقيف عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بتهم الفساد، وألقت بهم في سجن فخم مؤقت – فندق ريتز كارلتون في الرياض – إلى أن وافقوا على التخلّي عن مكاسبهم التي حققوها بطريقة غير مشروعة. لا نشهد على أحداث مماثلة يومياً.

التقينا ليلاً في قصر عائلته المزخرف ذي الجدران المصنوعة من لبن الطين في العوجة شمال الرياض. تكلّم بن سلمان باللغة الإنجليزية، في حين كان شقيقه الأمير خالد، السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة، والعديد من كبار الوزراء يتشاركون أطباقاً مختلفة مصنوعة من لحم الخروف ويُضفون نكهة على الحديث. بعد نحو أربع ساعات أمضيناها معاً، استسلمت عند الساعة 1:15 من بعد منتصف الليل أمام فتوّة محمد بن سلمان، مشيراً إلى أن عمري هو ضعف عمره بالتمام والكمال. لكن منذ فترة طويلة جداً، لم يجعلني أي قائد عربي أشعر بأنني منهك القوى من خلال وابل الأفكار الجديدة الذي أمطرني به عن عمله على إحداث تحوّل في بلاده.

بدأنا بالسؤال البديهي: ماذا يجري في فندق الريتز؟ وهل هي مناورة يقوم بها للتخلص من خصومه في العائلة والقطاع الخاص وفرض نفوذه قبل أن يسلّمه والده المريض الملك سلمان مفاتيح المملكة؟

فكان جوابه أنه من «المضحك» التلميح إلى أن الحملة التي يشنّها ضد الفساد تندرج في إطار مسعى لإحكام قبضته على السلطة. ولفت في هذا الإطار إلى أن عدداً كبيراً من الشخصيات المرموقة الموجودة حالياً في الريتز سبق أن أعلن على الملأ ولاءه له وللإصلاحات التي يقوم بها، وأن «غالبية الأسرة المالكة» تدعمه. وقال إن ما جرى هو الآتي: «عانت بلادنا كثيراً بسبب الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا. وفقاً لخبرائنا، كان الفساد يبتلع نحو عشرة في المئة من مجموع الإنفاق الحكومي سنوياً، وذلك من أعلى المستويات إلى أدناها. على مر السنين، شنّت الحكومة أكثر من ’حرب على الفساد‘، وقد باءت كلها بالفشل. لماذا؟ لأنها بدأت جميعها من الأسفل نحو الأعلى».

وهكذا، عندما تسلّم والده، الذي لم تلاحقه قط تهم الفساد عندما كان حاكماً للرياض على امتداد نحو خمسة عقود، سدّة العرش عام 2015 (في مرحلة الانهيار في أسعار النفط)، تعهّد بوضع حد للفساد، كما يقول ولي العهد مضيفاً: «رأى والدي أنه يتعذر علينا، مع هذا المستوى من الفساد، البقاء في مجموعة العشرين وتحقيق النمو والتطور. في مطلع العام 2015، من أولى الأوامر التي أصدرها لفريق عمله جمع كل المعلومات عن الفساد – في أعلى الهرم. عمل الفريق على امتداد عامَين جمع خلالها المعلومات الأكثر دقة، ثم وضع قائمة بنحو مئتَي اسم».

يتابع بن سلمان أنه عندما أصبحت كل البيانات جاهزة، تحرّك المدعي العام سعود المجيب، شارحاً أنه عُرِض خياران على كل واحد من الأمراء أو أصحاب الثروات المشتبه بهم بعد توقيفهم: «أطلعناهم على كل الملفات التي بحوزتنا، وما إن رأوها حتى وافق نحو 95 في المئة منهم على التوصل إلى تسوية»، والمقصود بذلك التوقيع على تسليم أموال نقدية أو حصص في شركاتهم إلى خزينة الدولة السعودية.

أضاف: «تمكّن نحو واحد في المئة من إثبات نظافة كفّهم، وجرى إسقاط القضايا بحقهم على الفور. ويقول حوالى أربعة في المئة إنهم ليسوا فاسدين ويريدون التوجّه إلى المحكمة مع وكلائهم القانونيين. بموجب القانون السعودي، يتمتع المدعي العام بالاستقلالية. لا يمكننا التدخل في عمله – يستطيع الملك إقالته، لكنه هو من يقود العملية... ولدينا خبراء يحرصون على عدم تعرّض أي شركة للإفلاس نتيجة هذه الإجراءات» – تجنباً للبطالة.

سألته: «ما هي المبالغ التي ستتم استعادتها؟»، فأجاب أن المدعي العام يقول إنها قد تصل إلى «حوالى مئة مليار دولار في إطار التسويات».

ولفت إلى أنه يستحيل استئصال جميع أشكال الفساد من أعلى الهرم إلى أسفله، قائلاً: «لذلك يجب توجيه إشارة، والإشارة التي يتم توجيهها الآن هي الآتية ’لن تُفلتوا‘. وقد بدأنا نلمس الأثر»، كما في التعليقات التي يكتبها الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «اتصلت بالوسيط الذي أتعامل معه، ولم يجب». وشرح بن سلمان أن رجال الأعمال السعوديين الذين دفعوا رشاوى لإنجاز معاملات والحصول على خدمات عن طريق الموظفين البيروقراطيين، لن يخضعوا للملاحقة القانونية، قائلاً إن الملاحقة تطال «أولئك الذين سحبوا الأموال من الحكومة» – بواسطة تضخيم الفواتير والحصول على عمولات.

الرهانات عالية بالنسبة إلى محمد بن سلمان في هذه الحملة لمكافحة الفساد. إذا شعر الرأي العام بأنه يعمل فعلاً على تطهير الفساد الذي كان يتسبب بتقويض ركائز المنظومة، وأنه يفعل ذلك بطريقة شفافة، وبأنه يعلن بوضوح للسعوديين والأجانب الذين يفكّرون في الاستثمار في البلاد مستقبلاً بأن سيادة القانون سوف تسود، فسوف يضخّ ذلك حقاً قدراً كبيراً من الثقة الجديدة في المنظومة. لكن إذا ظهر في نهاية المطاف أن العملية عشوائية واستقوائية وغير شفافة، وموجَّهة أكثر نحو تعزيز النفوذ لأجل النفوذ فقط، ولا تخضع لأي ضوابط تفرضها سيادة القانون، فسوف تبثّ مشاعر الخوف التي من شأنها أن تصيب المستثمرين السعوديين والأجانب بالإحباط وفقدان الثقة، وذلك بطرق لا تستطيع البلاد تحمّلها.

لكنني على يقين من أمر واحد: لقد أعرب جميع السعوديٍين الذين تحدثت معهم هنا على امتداد ثلاثة أيام، عن دعمهم الشديد لحملة مكافحة الفساد. من الواضح أن الأكثرية الصامتة في السعودية ضاقت ذرعاً بالظلم الناجم عن قيام عدد كبير من الأمراء وأصحاب الثروات بنهب مقدّرات البلاد.

وفي حين كان الأجانب، مثلي، يستفسرون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كان لسان حال السعوديين الذين تحدثت معهم: «اقلبوهم جميعهم رأساً على عقب، وقوموا بهزّهم لإخراج الأموال من جيوبهم، ولا تتوقفوا عن هزّهم حتى إخراج جميع المبالغ!»

لكن مهلاً، حملة الفساد هي ثاني مبادرة مهمة وغير معهودة يقوم بها بن سلمان. المبادرة الأولى هي إعادة الإسلام السعودي إلى خطه الأكثر انفتاحاً وحداثة – والذي انحرف عنه عام 1979. والمقصود بذلك العودة إلى ما وصفه ولي العهد السعودي أمام مؤتمر عالمي للاستثمار عُقِد في المملكة منذ فترة وجيزة بـ«الإسلام المعتدل والمتوازن والمنفتح على العالم وجميع الأديان والتقاليد والشعوب».

أعرف جيداً ما حصل في ذلك العام. بدأت عملي مراسلاً لشؤون الشرق الأوسط في بيروت عام 1979، وجزء كبير من التطورات التي غطّيتها في المنطقة منذ ذلك الوقت، طبعته الأحداث الثلاثة الكبرى التي شهدها ذلك العام: استيلاء المتطرفين البوريتانيين السعوديين على المسجد الحرام في مكة، والذين وصفوا العائلة المالكة السعودية بالفاسدة والكافرة التي باعت نفسها للقيم الغربية؛ والثورة الإسلامية الإيرانية؛ والاجتياح السوفياتي لأفغانستان.

أصابت الأحداث الثلاثة مجتمعةً العائلة المالكة السعودية بالهلع في تلك المرحلة، ودفعتها نحو بذل محاولات لتدعيم شرعيتها عبر السماح للأئمة الوهّابيين بفرض إسلام أكثر تزمتاً على المجتمع، وعبر خوض منافسة مع الأئمة الإيرانيين حول مَن يستطيع تصدير إسلام أكثر تشدداً. وما زاد الطين بلة أن الولايات المتحدة حاولت استغلال هذه النزعة عبر استعمال المقاتلين الإسلاميين ضد الروس في أفغانستان. في الإجمال، دفعت الولايات المتحدة بالإسلام، على الصعيد العالمي، نحو أقصى اليمين، وساهمت في ظهور الأرضية التي أدّت لاحقاً إلى وقوع هجمات 11 أيلول.

تدرّج بن سلمان في المحاماة، وارتقى سدّة المناصب في مؤسسة الرعاية التربوية والاجتماعية المملوكة من أسرته، وقد انطلق في مهمة الهدف منها إعادة الإسلام السعودي إلى الوسط. وفي هذا الإطار، عمد إلى كبح سلطة الشرطة الدينية السعودية، التي كانت تزرع الخوف في النفوس، فلم تعد مخوَّلة تأديب السيدات اللواتي لا يغطّين بشرتهن كاملة. كما أنه سمح للمرأة بقيادة السيارة. وعلى النقيض من جميع القادة السعوديين قبله، واجه المتشدّدين على المستوى الأيديولوجي. قالت لي سيدة سعودية في الـ28 من العمر تلقّت تحصيلها العلمي في الولايات المتحدة، إن بن سلمان «يستخدم لغة مختلفة. يقول ’سوف نقضي على التطرف‘. لا يعمد إلى تلطيف الكلام. وهذا يطمئنني بأن التغيير حقيقي».

بالفعل، طلب مني سلمان ما يأتي: «لا تكتب أننا ’نعيد تفسير‘ الإسلام – نحن ’نعيد‘ الإسلام إلى أصوله – والأدوات الأبرز التي نستخدمها هي ممارسات النبي و[الحياة اليومية] في السعودية قبل عام 1979». ولفت إلى أنه في زمن النبي محمد، كانت هناك مسرحيات موسيقية، واختلاط بين الرجال والنساء، واحترام للمسيحيين واليهود في شبه جزيرة العرب. أضاف أن «القاضي التجاري الأول في المدينة المنورة كان امرأة!» وهنا يسأل بن سلمان، إذا كان النبي قد تبنّى ذلك كله، «فهل يعني هذا أن النبي لم يكن مسلماً؟».

ثم أخرج أحد وزرائه هاتفه الخلوي وأطلعني على صور ومقاطع فيديو عبر موقع «يوتيوب» عن السعودية في الخمسينيات – وقد ظهرت فيها سيدات مكشوفات الرأس، يرتدين تنانير ويمشين مع رجال في أماكن عامة، وكذلك صور ومقاطع فيديو عن حفلات موسيقية وعروض سينمائية. كانت المملكة مكاناً تقليدياً ومحافظاً، إنما لم تكن التسلية محظورة، كما حدث بعد عام 1979.

إذا تمكّنت السعودية من القضاء على فيروس الإسلام المناهِض للتعددية والكارِه للنساء الذي انبثق منها عام 1979، فمن شأنها أن تحفّز الاعتدال في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ومما لا شك فيه أن هذه الخطوات ستلقى ترحيباً في المملكة حيث 65 في المئة من السكان دون سن الثلاثين.

قال لي مصرفي سعودي متوسط العمر: «كان جيلي أسيراً لما جرى عام 1979. لكنني أصبحت أعلم الآن أن أولادي لن يظلوا أسرى تلك المرحلة». أضافت سيدة سعودية في الثامنة والعشرين من العمر تعمل في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية: «قبل عشرة أعوام، كانت الموسيقى في الرياض تقتصر على شراء أسطوانة – أما الآن فنتحدث عن الحفل الموسيقي الذي سيقام الشهر المقبل، وعن التذاكر التي سنشتريها، وعن أصدقائنا الذين سيرافقوننا إلى الحفل».

على السعودية أن تقطع طريقاً طويلاً جداً قبل أن تقترب من تحقيق شيء شبيه بالمعايير الغربية في حرية التعبير وحقوق المرأة. لكن بما أنني أتردّد إلى المملكة منذ نحو 30 عاماً، ذُهِلت لمعرفة أنه بات بالإمكان حضور حفلات موسيقية كلاسيكية غربية في الرياض الآن، وأن مغنّي موسيقى الكاونتري توبي كيث أقام حفلاً للرجال فقط هنا في أيلول الماضي، حيث غنّى أيضاً مع مطرب سعودي، وأن مطربة السوبرانو اللبنانية هبة طوجي ستكون من أوائل المغنّيات اللواتي يحيين حفلاً موسيقياً هنا للسيدات فقط في السادس من كانون الأول. وقد أخبرني محمد بن سلمان أنه تقرر السماح للسيدات بالذهاب إلى الملاعب الرياضية وحضور مباريات كرة القدم. وقد أبدى رجال الدين السعوديون موافقتهم التامة.

وقد أشار وزير التربية السعودي إلى أنه يعمد إلى تعديل جميع الكتب المدرسية ونقلها إلى الصيغة الرقمية، من جملة مجموعة واسعة من الإصلاحات التعليمية، وذلك عبر إرسال 1700 معلّم سعودي سنوياً إلى مدارس عالمية المواصفات في أماكن على غرار فنلندا لترفيع مهاراتهم. وأعلن أن الفتيات السعوديات سيحصلن للمرة الأولى على صفوف للتربية البدنية في المدارس الرسمية، وستتم هذه السنة إضافة ساعة واحدة إلى اليوم المدرسي يستكشف خلالها التلاميذ شغفهم بالعلوم والمسائل الاجتماعية، تحت إشراف مدرِّس، من خلال مشاريعهم الخاصة.

عدد كبير من هذه الإصلاحات تأخّر كثيراً. إنما أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً.

في السياسة الخارجية، لم يرد بن سلمان مناقشة التطورات الغريبة التي أحاطت بوصول رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى السعودية وإعلانه استقالته، تحت تأثير الضغوط السعودية على ما يبدو، ثم عودته إلى بيروت ورجوعه عن استقالته. فقد اكتفى بالتشديد على أن الموضوع الأساسي في المسألة بكاملها أن الحريري، المسلم السنّي، لن يستمر في تأمين غطاء سياسي لحكومة لبنانية تخضع في شكل أساسي لسيطرة ميليشيا «حزب الله» الشيعية اللبنانية التي هي تحت سيطرة طهران بصورة أساسية.

وشدد على أن الحرب المدعومة من السعودية في اليمن، والتي هي كابوس إنساني، تميل لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تسيطر حالياً على 85 في المئة من البلاد، لكن نظراً إلى أن المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذي يسيطرون على الجزء المتبقّي، أطلقوا صاروخاً باتجاه مطار الرياض، لا يمكن القبول بأقل من السيطرة على مئة في المئة من أراضي البلاد، لأنه في غياب ذلك تبقى الإشكالية قائمة.

بدا أن نظرته العامة إلى الأمور هي أن السعوديين وحلفاءهم العرب يعمدون شيئاً فشيئاً، بدعم من إدارة ترامب – أثنى على الرئيس ترامب واصفاً إياه بأنه «الشخص المناسب في الوقت المناسب» – إلى بناء تحالف للوقوف في وجه إيران. تساورني شكوك في هذا الإطار. فالاختلال الوظيفي والخصومات داخل العالم العربي السنّي حالت في شكل عام دون قيام جبهة موحّدة حتى تاريخه، لهذا السبب تسيطر إيران بصورة غير مباشرة على أربعة عواصم عربية اليوم – دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت. هذا الامتداد الإيراني هو أحد الأسباب خلف السخط الشديد الذي يظهره ولي العهد السعودي في كلامه عن المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي.

يقول بن سلمان إن «المرشد الأعلى [الإيراني] هو هتلر الجديد في الشرق الأوسط»، مضيفاً: «لكننا تعلّمنا من أوروبا أن التهدئة لا تنفع. لا نريد أن يكرر هتلر الإيراني الجديد في الشرق الأوسط ما حدث سابقاً في أوروبا». لكن الأهم هو ما تفعله السعودية في الداخل لبناء قوتها واقتصادها.

إنما هل يدرك بن سلمان وفريقه ذلك؟ مجدداً، لن أدخل في التوقعات. هو لديه عيوبه التي سيتوجّب عليه السيطرة عليها، كما قالت لي مصادر مطّلعة في المملكة. ومن هذه العيوب اعتماده على دائرة ضيّقة جداً من المستشارين الذين لا يتحدّونه دوماً بصورة كافية، وميله إلى أن يبدأ أشياء كثيرة دفعةً واحدة من دون أن يصل بها إلى خواتيمها. القائمة طويلة. لكن الكمال ليس مطلوباً هنا. كان على أحدهم أن يقوم بالمهمة – أي أن يسحب السعودية نحو القرن الحادي والعشرين – ومحمد بن سلمان تقدّم لأداء الدور. وأنا أرجو أن ينجح في جهوده الإصلاحية.

وهذا ما يتمنّاه أيضاً عدد كبير من الشباب السعوديين. لفتني أمرٌ قالته لي سيدة سعودية في الثلاثين من العمر تعمل في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية: «نحن محظيون لأننا الجيل الذي شهد على الما قبل والما بعد». وشرحت أن الجيل السابق من النساء السعوديات لم يكن ليتخيل أنه سيأتي يومٌ يُسمَح فيه للمرأة بقيادة السيارة، ولن يتمكن الجيل المقبل من أن يتخيل أن المرأة كانت ممنوعة من القيادة في أحد الأيام.

أردفت: «لكنني سأتذكر دوماً أنني كنت ممنوعة من قيادة السيارة». وواقع أن هذا الوضع سيتبدّل اعتباراً من حزيران المقبل [مع دخول قرار السماح للمرأة بالقيادة حيز التنفيذ] «يمنحني أملاً كبيراً. فهو يثبت لي أن كل شيء ممكن – وأننا أمام فرصة. رأينا الأمور تتغير، وما زلنا في سن صغيرة بما يكفي من أجل المشاركة في هذا التحول».

تمنح هذه الاندفاعة الإصلاحية الشباب السعودي شعوراً جديداً بالافتخار بوطنهم، وكأنهم حصلوا على هوية جديدة، ومن الواضح أن كثراً منهم سعيدون بذلك. يُقرّ الشباب السعوديون بأنه تكوّن لدى الطلاب السعوديين، بعد هجمات 11 أيلول، انطباعٌ بأنه يُنظَر إليهم بأنهم مشاريع إرهابيين، أو أشخاص ينتمون إلى بلدٍ حيث توقّف الزمن عند العصر الحجري.

أما الآن فلديهم قائد شاب يعمل على تحقيق إصلاحات دينية واقتصادية، ويتكلم لغة التكنولوجيا المتطورة، ولعل خطيئته الكبرى أنه يستعجل الأمور كثيراً. معظم الوزراء هم الآن في الأربعينات من العمر – وليس في الستينات. ومع العمل على رفع القبضة الخانقة للإسلام المتزمّت، يحصل السعوديون على فرصة للتفكير، من منظار جديد، ببلادهم وهويتهم كسعوديين.

قالت لي صديقة سعودية تعمل لدى منظمة غير حكومية: «علينا أن نعيد ثقافتنا إلى ما كانت عليه قبل سيطرة الثقافة [الإسلامية] المتشددة»، مضيفة: «لدينا 18 منطقة في هذه البلاد، ولكل منها مطبخ مختلف. لكن لا أحد يعرف ذلك. هل كنت تعلم هذا؟ إلا أنني لم أرَ طبقاً سعودياً واحداً يتحول طبقاً عالمياً. حان الوقت كي نتبنّى ما نحن عليه وما كنا عليه».

لكن السعودية تضم، للأسف، مجموعة كبيرة أيضاً من السعوديين المتقدمين في السن والأكثر ريفية وتقليدية، وسيكون دفعهم نحو دخول القرن الحادي والعشرين تحدياً صعباً. إلا أنه أحد الأسباب خلف انكباب جميع البيروقراطيين الكبار على العمل لساعات طويلة في الوقت الراهن. فهم يعلمون أن محمد بن سلمان قد يتصل بهم هاتفياً في أي وقت ليسألهم إذا كانوا يعملون على إنجاز ما طلبه. قلت له إن عاداته في العمل ذكّرتني بجملة في مسرحية «هاملتون» عندما تسأل الجوقة: لماذا يعمل دائماً وكأن «الوقت يداهمه».

أجاب: «لأنني أخشى أنه عندما يحين موعد رحيلي عن هذه الدنيا، قد أموت من دون أن أكون قد أنجزت ما يجول في بالي. الحياة قصيرة جداً، ويمكن أن تحدث أمور كثيرة، وأنا حريص على أن أشهد عليها بأم عينَي – ولهذا أنا على عجلة من أمري».