سيرة بطعم الوطن

كتب: أيمن عبد الهادي الأربعاء 30-03-2011 15:46

سيرة الدكتور محمد أبوالغار ممتعة وعظيمة الأهمية. هكذا وصفها الكاتب السودانى الراحل الطيب صالح فى تقديمه للكتاب، الذى ضم تفاصيلها، وصدر حديثاً عن دار الشروق بعنوان «على هامش الرحلة». ثلاثة أفكار ضمتها هذه السيرة، كما كتب صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال»: التغيير يجب أن يدفع به الشعب نفسه فى مناخ من الديمقراطية والحرية، التفاعل الحضارى بين مجتمعاتنا التقليدية والأفكار المحدثة الوافدة من أوروبا أو أمريكا يجب أن تترك للشعوب المعنية تأخذ ما تشاء، وترفض ما تشاء، وأن العقل العربى المسلم قادر على استيعاب أكثر العلوم التكنولوجية تعقيداً، وهضمها على قدم المساواة مع النابغين فى أى بقعة من العالم.

يكتب «أبوالغار» فى السطور الأولى من رحلته بتواضع: «لا أعتقد أن سيرة حياتى تستحق أن تنشر فى كتاب، ولكننى أردت أن أكتب مجموعة من الأحداث التى سمعتها من آبائى وأجدادى، التى عايشتها بنفسى، وكلها تحكى أحداثاً حقيقية، وتجسد شخصيات من لحم ودم عاشت بيننا وأثرت فينا، ولكن فى النهاية وجدت أن ما كتبته هو نوع من السيرة الذاتية، ولكن الوطن يلعب فيها دور الوطن.

وفى الرحلة يقص عليناحكايات ممتعة عن الطفولة، الجد والجدة، الزواج. ويسرد علاقته بالجامعة ونكسة 67 ثم نصر 73.

ويمكن وصف هذا الكتاب أيضاً بأنه بمثابة تأريخ موثوق فيه لسنوات طويلة من عمر مصر قام به أحد شهود العيان النشطين والمناضلين والمعروفين بمواقفهم الوطنية، التى جاءت ثورة 25 يناير لتجسد أحلاماً طالما نادى بها فى مجريات حياته اليومية، وفيما سطره من مقالات نشرت فى العديد من الصحف. هكذا نقدر رؤيته التى بسطها فى الكتاب عن أوضاع الطبقة الوسطى والتعليم العالى والجامعة المصرية فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وما شهده المجتمع المصرى من تقويض لأركان الدولة الحديثة. يكتب: «ما حدث فى ثلاثة عقود من عصر مبارك لا يصدقه عقل، لقد تلاشت الطبقة الوسطى حامية حمى المجتمع المصرى، التى قامت ببناء النهضة، وقدمت الفن والأدب والمسرح، وقامت بالتصنيع والتحديث وإدارة الاقتصاد والبنوك، وتحديث الزراعة، وهى التى قامت ببناء الجيش، الذى عبر القناة فى أكتوبر عام 1973. اختفت هذه الطبقة واستطاع بعضها اللحاق بالطبقة العليا، ومعظمها انحدر إلى قاع المجتمع.

ويكتب: «معظم حياتى فى الجامعة كانت تحت حكم مبارك، وأكثر من نصف الشعب المصرى لم يحكمهم رئيس غير مبارك، ولم أشاهد فى هذه الفترة الطويلة أحداثاً عظيمة أو تقدماً فى أى مجال، بل شاهدت على المستوى الشخصى الجامعة المصرية تنحدر إلى أسفل تدريجياً، وشاهدت التدهور غير المعقول فى البحث العلمى والتدريس، وشاهدت أنواعاً من العمداء ورؤساء الجامعات عديمى الموهبة والكفاءة ليس عندهم أدنى مقدار من الأكاديمية معظمهم لم يمارسوا التدريس بصفة حقيقية»

لكن المؤكد الآن أن على الدكتور أبوالغار أن يعيد السفر من جديد ليكتب لنا عن رحلة ثانية تضم مشاهدات أخرى مبهجة عن وطن نجح الشعب فى تغييره، وهى إحدى الأفكار التى رصدها الطيب صالح من مجمل ما قرأ فى سيرة أبوالغار. لابد أن يضيف الراوى تفاصيل الفرح، الذى كان، دون شك، هذا الطبيب أحد صناعه الشرفاء.