يقضي علاء عبد الفتاح ساعاته الأولى في سجن الاستئناف هذه الليلة بعد صدور قرار النيابة العسكرية بحبسه 15 يوماً على ذمة «أحداث ماسبيرو»، بينما تستعد شريكة عمره منال بهي الدين لوضع ابنهما الأول خلال أيام.
«خالد».. الابن المنتظر للمدون والناشط السياسي والمبرمج علاء عبد الفتاح، قد يولد بينما والده في الحبس متهماً بالتحريض على المؤسسة العسكرية و«التجمهر» وسرقة سلاح، خلال أحداث دامية كان ضحاياها 27 متظاهراً عرف المصريون أسماءهم وتابعوا جنازاتهم، وعدد غير معلوم من قوات الجيش، فضل المجلس العسكري عدم نشر تفاصيل عنهم.
وليس معروفًا على وجه الدقة الأدلة التي استندت إليها النيابة العسكرية في اتهاماتها لعلاء، ذلك أن «المتهم المدني» رفض التعاطي مع «النيابة العسكرية»، قائلاً إنه لن يتحدث أمام جهة لا يعترف بشرعية تحقيقها معه، فضلاً عن كونها تمثل «خصماً وحكماً» في الواقعة التي كانت قوات الجيش طرفاً فيها.
يسدد علاء بذلك ثمن موقفه الذي اتخذه من البداية، عندما انخرط في مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، التي أسسها نشطاء وحقوقيون يستندون إلى أن القانون يكفل حق المواطنين في المثول أمام القضاء المدني الطبيعي، فيما دأب المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إحالة آلاف القضايا المدنية للقضاء العسكري بحجة الظروف الطارئة التي تمر بها البلاد، ليصل عدد السجناء المدنيين الذين ينفذون أحكامًا عسكرية بتهم متنوعة، إلى 12 ألف مواطن.
على حسابه الشخصي في موقع «فيس بوك»، يقتبس «التنين البمبي»، كما يطلق عليه أصدقاؤه، هذه الكلمات التي كتبت عنه: «كان بإمكان علاء عبد الفتاح أن يصير عالمًا مهمًا أو مطور برمجيات مشهورا، لكنه كلما بدأ في الطريق تشتت ذهنه بمطاردة الفراشات اللامعة، أو التقى بصحبة لطيفة، فجلس.. ونسي مشواره».
نسي علاء مشواره عندما ترك عمله مع شركة «ترانسليت» المعنية ببرمجيات المصادر المفتوحة، في جنوب أفريقيا، ليعود إلى القاهرة مع اندلاع الثورة، ووصل بالفعل إلى ميدان التحرير في 2 فبراير ليدافع عنه أثناء «موقعة الجمل».
علاء الذي ولد في القاهرة يوم 18 نوفمبر 1981، يأتي من بيت انشغل طويلاً بالسياسة والعمل العام، فوالده هو أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، المحامي الحقوقي، مدير مركز هشام مبارك للقانون، وهو مركز قانوني تأسس عام 1994 للدفاع عن حقوق العمال والمعتقلين السياسيين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أما والدته فهي الدكتور ليلى سويف، أستاذة الرياضيات في كلية العلوم بجامعة القاهرة، والقيادية بحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات.
أما شقيقته «منى» الباحثة البيولوجية المتخصصة في دراسة مرض السرطان والناشطة بمجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، فقد ولدت عام 1985، بينما كان والدهما أحمد سيف في سجون مبارك، حيث قضى خمس سنوات تعرض خلالها للتعذيب.
ذاع صيت علاء كناشط سياسي عندما عرف التدوين طريقه إلى المجتمع المصري عام 2005، كان واحدًا ممن باتوا يعرفون الآن بالجيل الأول للمدونين المصريين، من خلال مدونة «منال وعلاء»، التي اشترك مع زوجته منال بهي الدين حسن، في تحريرها، وقتها نسي مشواره مع أجهزة الكومبيوتر وتداخلت حياته مع الشأن العام.
وفي ربيع عام 2006 نسي علاء مشواره المهني مجدداً، عندما اعتقل أثناء تضامنه مع اعتصام قضاة تيار الاستقلال فيما عرفت باسم «معركة استقلال القضاء» التي زعزعت قليلاً أسس حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وقضى في السجن 45 يومًا، قالت بعدها زوجته منال لصحيفة «إندبندنت» البريطانية: «لا تراجع بعد اليوم، سوف نستمر في أنشطتنا السياسية».
بعد الإطاحة بمبارك، كان حضور علاء لافتًا في الحياة السياسية، ليس من خلال مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» فحسب، ولكنه شارك في صياغة عدد من مقترحات الفترة الانتقالية، بعضها حول تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستعد الدستور، ومبادرة أخرى بعنوان «تعالوا نكتب دستورنا».
كما ابتكر علاء حلقات «تويت ندوة» النقاشية، وهي اجتماعات دورية لنشطاء «تويتر» تهدف إلى بلورة مقترحات تتعلق بالثورة في شكل مبادرات عملية قابلة للتنفيذ، وبدأ في كتابة مقالات بجريدة «الشروق» كان أشهرها «الحلم أولاً» و«مع الشهداء ذلك أفضل جداً».
هذا النشاط فتح أمام علاء طريقًا إلى منزل رئيس الوزراء، عصام شرف، عندما دعاه مع النشطاء وائل خليل، ووائل غنيم، وإبراهيم الهضيبي، وأحمد راغب إلى منزله، بعد اعتصام 8 يوليو في التحرير، أثناء مشاورات شرف لتشكيل الحكومة الجديدة، وفيه شدد علاء على ضرورة استبعاد كل الوزراء المنتمين للحزب الوطني، أو المحسوبين على النظام السابق.
بعد 5 سنوات من حبسه لتضامنه مع استقلال القضاء المدني، يعود علاء عبد الفتاح إلى الحبس بقرار من «النيابة العسكرية»، بينما يردد رفاقه عبارته الأثيرة «عمر السجن ما غير فكرة.. عمر القهر ما أخر بكرة».