للمرة الأولى، خرج المهندس جمال السادات، نجل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، رئيس مجلس إدارة شركة «اتصالات مصر» عن صمته، الذى التزم به سنوات عديدة حيال أحداث كثيرة تخص أسرة الرئيس الراحل، وعلاقتها بأسرة حسنى مبارك، الرئيس السابق، خاصة فيما يتعلق بالتضييق الذى مارسته قيادات بالنظام السابق ضده، للدرجة التى وصلت لوقوفها بكل قوة أمام ترشحه لرئاسة شركة «اتصالات»، حسب قوله. ونفى «السادات»، فى أول حوار صحفى له، خصَّ به «المصرى اليوم»، عقب اندلاع الثورة، أن يكون نظام مبارك امتدادا لنظام سلفه الرئيس الراحل، مشيرا إلى أن السادات حقن دماء شعبه، فيما نفذ نظام مبارك عمليات قتل متعمدة ضده خلال ثورة يناير.. وإلى نص الحوار.
■ هل كنت تتوقع تصاعد الأحداث فى مصر بهذا الشكل منذ ثورة 25 يناير؟
- لا يوجد أحد فى مصر توقع ما حدث، وسعادتى به جاءت لشعورى بأن ابنى سيعيش حياة أفضل من التى عشت فيها، ورغم حالة عدم الاستقرار التى تتبع أى ثورة فإننى واثق من قدرة الجيش والوزارة الانتقالية على العبور بالبلاد الى بر الأمان.
■ وكيف تقارن بين مصر مبارك ومصر ما بعد الثورة؟
- الثورة كشفت لى أننا كمواطنين كنا نتعرض لعملية خداع ممنهجة، وكان النظام يوهمنا بأشياء كثيرة لم تكن حقيقية ولم أكن أتخيل أن نكتشف ما ظهر لنا عقب سقوط النظام، ناهيك عن المؤشرات التى تؤكد تعمد النظام السابق افتعال أحداث لا لشىء سوى شغل الرأى العام بها، أو الضغط على أطراف بعينها لصرف النظر عن أحداث أخرى، كما أن ما يُنشر الآن فى وسائل الإعلام بعد رفع القيود عنها يؤكد أننا كنا نعيش فى عالم غير حقيقى، خاصة أن الإعلام المصرى تعمّد تضليلنا أثناء الثورة وللأسف كنت ممن صدقوه فى الأيام الأولى، وبعد يومين فقط من اندلاع الأحداث اكتشفت عدم مصداقية الإعلام المحلى فاتجهت للقنوات الإخبارية العربية مثل «الجزيرة».
■ تقصد أن أجهزة الأمن ارتكبت جرائم ضد مصريين لتحقيق أهداف خاصة؟
- ليست لدىَّ مستندات تثبت هذا، لكننى أتابع مثل غيرى ما يتردد عن اتهامات لمسؤولين بتعمد تفجير كنيسة القديسين على سبيل المثال، خاصة أن مصر لم تشهد أى اعتداء طائفى طوال أيام الثورة، رغم اختفاء الشرطة.
■ وما تعليقك على جرائم قتل الأبرياء فى «موقعة الجمل»؟
- للأسف كنت ممن تعاطفوا مع مبارك عقب خطابه الإنسانى قبل تلك الموقعة، لكننى استيقظت على صدمة كبيرة مما حدث، وربنا ينتقم ممن فعلها لأن مشهد القتلى أحزننى وشعرت حينها أن هذا النظام لا يستحق أى تعاطف لأنه قتل أبرياء ليس لهم ذنب.
■ كيف مرت علاقتك بأسرة الرئيس السابق على مدى السنوات الماضية؟
- كنت حلقة الوصل بين أسرتى السادات ومبارك، وكانت علاقتنا تدور فى نطاق بروتوكولى، بمعنى أننا نحضر المناسبات العائلية المهمة مثل الذكرى السنوية لوفاة السادات أو جمال عبدالناصر ولم تكن العلاقة تتجاوز ذلك.
■ لكن البعض يعتبرك صديقا شخصيا لجمال مبارك؟
- غير حقيقى ولم أكن يوما ما مقربا منه، لأن من كانوا حوله معروفون للرأى العام، لكن وسائل الإعلام كانت تحاول دائما إبراز علاقتى بجمال مبارك على أنها علاقة قوية، وهذا لم يكن واقعيا إطلاقا، ولا أعرف إن كان هذا عن عمد أم لا، والحقيقة أن العلاقة بيننا لم تتعد لقاءنا فى الذكرى السنوية لرحيل الرئيس السادات، أو مناسبات اجتماعية عابرة، ومنذ حوالى عام طلبت منه لقاء عاجلا بسبب مشكلات تعرضت لها شركة «اتصالات» فى مصر.
■ وما طبيعة هذا اللقاء وما أسبابه؟
- الرخصة التى تم منحها للشركة تضمنت الحصول على ترددات لاسلكية منذ عام 2006، لكن واقعيا لم تتسلم الشركة تلك الترددات، وحاولت أن أوضح الأمر من خلال المسار الطبيعى عبر وزارة الاتصالات ومجلس الوزراء دون جدوى، ولم أجد أمامى سوى الاتصال بجمال مبارك، خاصة أننى علمت أن الرئيس وصلت إليه معلومات مغلوطة حول حصول الشركة على كامل حقوقها، وبالفعل اتصلت بنجل الرئيس وطلب منى مقابلته فى مكان ما فى دار القوات الجوية، ولم يسبق لى الذهاب لبيته إطلاقا.
■ لماذا يتم لقاء كهذا فى دار القوات الجوية؟
- لا أعرف، لكن يبدو أن لديه مكتباً هناك، وقابلنى فى صالون المكتب الخارجى ولم يطلب منى الدخول إلى المكتب، ومن ثم فأنا لا أعرف طبيعة المكان بشكل دقيق.
■ هل كانت هناك مشكلة فنية تتعلق بالترددات تحتاج إلى تدخل مباشر من الرئيس؟
- «اتصالات» كمستثمر أجنبى دفعت حوالى 17 مليار جنيه، وكان من ضمن حقوقنا فى الرخصة إيجار 10 ميجارهرتز «mhz» من الترددات اللاسلكية فى 2007 لتمكين الشركة من التوسع لكننا لم نحصل على هذا الحق رغم طرقنا كل الأبواب، واكتشفت منذ أقل من عام أن مبارك لديه معلومات بأن «اتصالات» حصلت على كل الترددات الخاصة بها، ما يعنى أن الرئيس تصل إليه معلومات خاطئة، وعندما حاولت الاتصال به لتوضيح الموقف عجزت عن الوصول إليه، كما لم تسفر مقابلتى بجمال مبارك عن شىء فاتصلت باللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة وقتها، ونجحت فى مقابلته ومعى مستندات تثبت عدم حصول الشركة على ترددات منصوص عليها فى الترخيص، وأبلغت سليمان أن مبارك تصل إليه معلومات مغلوطة ولفت نظره إلى أن رئيس دولة الإمارات لديه علم بتلك المسألة، وينوى مفاتحة الرئيس فيها وهذا ما حدث فعلا خلال آخر زيارة أجراها مبارك للإمارات خلال العام الماضى.
■ وهل نجحت تلك المساعى فى الحصول على الترددات؟
- لم نحصل على شىء حتى الآن، وهو حق مشروع كما أوضحت، ونجرى الآن بعض الاتصالات بالمجلس العسكرى المنوط به إدارة البلاد، وعلى يقين بأنه سوف يرد الحق لأصحابه.
■ هل كان ذلك تعنتا مقصوداً ضد جمال السادات؟
- عقب فوز «اتصالات» الإمارات بالرخصة الثالثة للمحمول، أعلنت الشركة اختيارها لى رئيساً لمجلس الإدارة، وفوجئت بمعوقات غير طبيعية، وكان واضحا جداً عدم وجود رغبة فى أن أشغل هذا المنصب، وتعطلت الشركة كثيراً بسبب عدم رد مصر على ترشيح الشركة الإماراتية لى، وعلمت أن وزارة الاتصالات المصرية ألمحت إلى مؤسسة اتصالات الإمارات بأن تختار شخصا آخر ليتولى المنصب بناء على تعليمات من بعض قيادات الدولة، فطلبت رئيس مجلس إدارة شركة «اتصالات» الأم لأبلغه اعتذارى عن المنصب حتى لا أتسبب فى مشاكل للشركة.
■ وكيف سارت الأمور بعد ذلك؟
- شعرت بمرارة شديدة من التعامل معى بهذا الشكل فى هذه الفترة، خاصة بعد أن أبلغ الدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات السابق، الشركة الإماراتية بعدم رغبة مصر فى رئاستى للشركة، لأسباب تبدو لى غير مفهومة، وعلى الفور أجريت اتصالات ببعض المقربين من الرئيس لأستطلع الأمر، وأخبرتهم بأننى سوف أنسحب إذا لم يكن للرئيس رغبة فى وجودى على رأس الشركة، كما أجريت اتصالا بالسيدة سوزان مبارك وأخبرتها بأننى ألقى معاملة غير لائقة، وأخبرتها بأننى قابلت مبارك فى حضور مسؤول إماراتى قبل حصول الشركة على الترخيص، وأخبرته بأننى سأسعى مع الشركة الإماراتية للحصول على الرخصة، وكان مرحبا للغاية، لكننى الآن ألقى معاملة سيئة وغير مبررة، ولا يوجد لها سبب واضح وبعد هذه المكالمة بساعة فوجئت باتصال من جمال مبارك، قال لى فيه: «انت زعلان من إيه يا جمال؟»، فقلت له إننى لا أقبل هذه المعاملة لأننى لم أسىء لأحد، فقال لى إن اختيارك يخص الشركة الإمارتية، وتمنى لى حظا سعيدا، وشعرت حينها أن كل مؤسسات الدولة ضد ترشيحى باستثناء مبارك، وعقب ذلك علمت أنه أعطى تعليماته لمسؤولى الحزب الوطنى للموافقة على ترشيحى.
■ ما الانطباع الذى شعرت به من بعد هذه التجربة؟
- لا يليق بدولة بحجم مصر أن يكون تعيين رئيس مجلس إدارة شركة استثمارية خاصة فى يد رئيس الجمهورية ومن حوله، وما الأهمية التى تمثلها هذه الشركة للرئيس؟، لذلك أنا سعيد بهذه الثورة التى ستغير مفاهيم إدارة الحكم فى مصر.
■ لكن البعض كان يردد أن القبول الذى تحظى به شعبيا كان مثار غيرة من جمال مبارك؟
- لا أستطيع أن أؤكد ذلك، وأطراف مشتركة بيننا أشارت إلى هذا الأمر، وحينما شعرت أن الموضوع قد يكون لافتاً للنظر، آثرت الابتعاد عن الساحة نهائيا، وكنت أرفض الظهور الإعلامى حتى لا تتضرر الشركة بسببى، لأننى لم أكن امتلك أى طموح سياسى، ولم أسع لأى عمل عام، وكنت أخاف من المقارنات بينى وجمال مبارك، وأفضل أن أعيش فى حالى، وزوجتى ووالدتى كانتا تقولان لى: لا تظهر فى الإعلام، وبالفعل اتخذت هذا القرار وكنت أحمد الله على القبول الذى ألقاه فى الشارع.
■ هل أنت راض عن المعاملة التى تلقتها أسرة السادات خلال عهد الرئيس السابق؟
- تعلمت من والدى أنه لا يصح إلا الصحيح، والتاريخ سيحكم فى النهاية على الرئيس السادات، وما لقيته أسرته من بعده.
■ ما الأمور التى كانت تجعلك تتصل بمبارك لمقابلته؟
- فى الحقيقة كانت هناك صعوبة بالغة فى الوصول إليه، وعندما طلبت مقابلته منذ عامين لم أكن أتلق أى رد، ويبدو أن من حوله كانوا لا يوصلون إليه إلا ما يريدون أو كانوا يحددون شخصيات يقابلها وأخرى لا يقابلها.
■ وكيف كانت علاقتك بعلاء مبارك؟
- كنا نلتقى فى المناسبات فقط، ونفس الشىء بالنسبة للسيدة سوزان مبارك، ولم يكن بيننا أى اتصالات بعيدا عن المناسبات باستثناء مكالمة واحدة أجريتها معها بسبب رفض البعض وجودى على رأس شركة «اتصالات».
■ هل أجريت اتصالات بأسرة الرئيس السابق خلال الثورة أو بعدها؟
- لم يحدث.
■ البعض ينظر لنظام مبارك على أنه الامتداد الطبيعى لنظام السادات؟
- السادات والدى، وبالتالى فشهادتى مجروحة، لكن حرب أكتوبر 73 تشهد أنه فعل الكثير من أجل مصر بعدما تمكن من طرد الاحتلال الإسرائيلى، وهذا لا يعنى أنه ليست هناك أخطاء، لكنى على قناعة تامة بأن والدى لم يكن ليسمح بإراقة دماء المصريين مثلما فعل نظام مبارك أثناء الثورة، كما أن السادات لم يكن يسمح بالفساد بهذا الشكل الذى نراه الآن، وهذا لا يعنى أنه لم يكن هناك فساد فى عهد السادات، لكنه لم يكن بهذا الشكل المرعب.
■ ومن المسؤول عن الفساد الذى وصلت إليه مصر؟
- أعتقد أن النظام بالكامل يتحمل المسؤولية، ويتحمل أيضا مسؤولية تدخل شخصيات أخرى فى إدارة شؤون الدولة، لأن السادات لم يكن يسمح لزوجته أو أولاده بالتدخل فى إدارة البلاد، ولم أكن أجرؤ على أن أستغل وضعى كنجل للرئيس من أجل تصعيدى إلى أى منصب سياسى، أو أن أساعده فى إدارة البلاد، وقيل إن والدتى كانت تحكم مصر، وهذا غير صحيح إطلاقا لكنها كانت تبدى رأيها فى أشياء كثيرة، ولم يكن والدى يأخذ به فى كل الأوقات، ولم يكن أحد يجرؤ على أن يتدخل فى أى شىء يخص السياسة.
■ وكيف ترى الضجة المثارة الآن حول تورط مبارك فى اغتيال السادات؟
- لا شك أن والدى تعرض لمؤامرة كبيرة يوم اغتياله، لدرجة أن هناك شواهد وأشياء غير منطقية حدثت، من بينها انسحاب عناصر مكافحة الإرهاب ومدرعات تأمين المنصة التى من المفترض أنها كانت تقف على الناحيتين اليمنى واليسرى منها.
■ إذن كيف قتل السادات من وجهة نظرك؟
- عندما تم إلقاء القنبلة الأولى على المنصة اختبأ كل من كانوا فيها أسفل الكراسى باستثناء السادات الذى وقف وجاءته إحدى الطلقات من رشاش آلى ماركة «كلاشينكوف» أطلقت عليه من فوق السيارة المدرعة ثم اصطدمت بالمنصة ذاتها وارتدت إلى أسفل منطقة البطن من الناحية اليسرى واستقرت فى رقبته وكانت كفيلة بالتسبب فى وفاته فى الحال، لاسيما أنه تلقى رصاصتين إحداهما نفذت من ساعده الأيمن والأخرى نفذت من ساقه اليسرى، وتوفى فى المنصة وليس فى المستشفى كما يعتقد البعض.
■ هل تعتقد أن خالد الإسلامبولى لايزال على قيد الحياة كما قالت رقية السادات؟
- أعتقد أنه ومن معه تم إعدامهم وليسوا على قيد الحياة لأن أحد الضباط أخبرنا أنهم أعدموا، وأنا مقتنع تماما بذلك.
■ وكيف تنظر للاحتفاء بعبود وطارق الزمر بعد خروجهما من السجن؟
- لا أعترض على خروج عبود أو طارق الزمر لأنها مسألة قانونية لا تخصنى فى شىء خاصة أنهما قضيا العقوبة، لكن عبود فى نفس الوقت خطط لقتل نفس بريئة ولا يمكن أن أكون سعيداً بالاحتفال الذى صاحب خروجه فى هذا التوقيت، والتهافت عليه بهذا الشكل أعطى له مظهرا بطوليا لا يستحقه، لأنه لم يعبر مثلا قناة السويس ولم ينفذ عملا بطوليا يستحق عليه هذا الاحتفاء ولا يمكن أن أقبل بمعاملته كبطل.
■ ألا يقلقك تنامى دور الجماعات الإسلامية فى هذا الوقت؟
- الإسلام دين سماحة ويسر لو فهمناه بالطريقة الصحيحة، ومن ثم فإننى لا أخشى ظهور جماعات إسلامية معتدلة مادامت أنها تلتزم بقواعد الدين الصحيحة دون أى أفكار متطرفة لأن الدين من وجهة نظرى ليس عبادات فقط بل معاملات حسنة وأخلاق حميدة وسماحة ويتماشى مع كل العصور، وأعتقد أن تلك الجماعات كانت مكبوتة بشكل كبير ومنهم بعض المتزمتين مثلهم مثل نظرائهم فى أديان أخرى كثيرة لكن من يفهم الإسلام بشكل صحيح يدرك أنه دين عظيم ويحمى حقوق أصحاب الديانات الأخرى.
■ ألم تفكر فى النزول لميدان التحرير خلال الثورة؟
- نزلت الميدان مع أحد أصدقائى صباح يوم الجمعة الذى أعلن الرئيس فيه التنحى وكان لدىإحساس بأن مصر تشهد تحولا تاريخيا ويكفى أن ابنى سيعيش فى مناخ ديمقراطى ومستقبل أفضل.