الأب والغريب من هو الأب ومن هو الأجنبى؟

كتب: اخبار الإثنين 28-03-2011 19:44

من ذكاء الشركة الموزعة لهذا الفيلم «الإيطالى» هو اختيار توقيت عرضه الآن مع صعود نجم عمرو واكد بعد مشاركته فى ثورة 25 يناير. وحتى لو كان توقيت العرض محدداً سلفا فمن حسن حظهم أن يتم فى الفترة الحالية، رغم ضعف الإقبال على دور العرض!

 لأنه فى كل الأحوال لم يكن ليحقق إقبالا كبيرا بحكم كونه فيلماً إيطالياً فى سوق تسيطر عليها السينما الأمريكية التجارية، ووسط جمهور ضعيف الإرادة سينمائيا أمام التغيير!

وإن كان هناك أمل كبير فى أن الحالة الثورية التى اجتاحت كل مناحى الحياة السياسية تصل إلى «تثوير» ذوق الجمهور وإعادة صياغته بشكل أكثر رقيا ونضجا.

الترجمة الحرفية للعنوان هى الأب والأجنبى وليس الغريب، وإن كان الغريب أكثر غموضا، لكن الأجنبى تتسق والمنطق السردى والفكرى العام للفيلم. فمن التترات تضعنا الموسيقى ذات اللون الشرقى والكلمات العربية المبهمة المغناة بصوت أنثوى رقيق فى جو أسطورى يشبه ألف ليلة وليلة..

هذا اللون التراثى سواء صوتياً أو بصرياً نجده طاغيا على أغلب مشاهد الفيلم التى تخص شخصية وليد «عمرو واكد» ذلك العربى الغامض، وهو لون تراثى مصبوغ إلى حد كبير بلون النظرة الغربية لأجواء الشرق السحرية وليالى الفانتازيا العربية.

البطل الدرامى للفيلم ليس «دييجو» الأب الإيطالى، الموظف، صاحب السمعة الحسنة والتجربة الإنسانية الأليمة التى يعانى منها، نتيجة إصابة ابنه جيكومينو بالأوتيزم، لكن البطل هو وليد، رجل الأعمال السورى، الذى يلتقى بدييجو فى مصحة علاج الأطفال ذوى الحالات الخاصة، أثناء علاج ابنه يوسف مع جيكومينو، حيث تتحرك الأحداث بناء على قرارات وأفعال وليد ليصبح دييجو هو البطل أو «الأنتى هيرو» الذى لا تمثل قراراته السبب فى حركة الدراما ولا تطور الصراع، وإنما هى ردود أفعال ونتائج لما يقوم به وليد!

وتحديد كتلة البطولة الدرامية هنا مهم لتحليل طبيعة العلاقة الفكرية بين وليد ودييجو، أو بين الشخصية العربية والشخصية الأوروبية الإيطالية. فى الفصل الأول نجد أن العلاقة تتطور بسهولة شديدة بينهما نتيجة مأساتهم المشتركة وتلك الحميمية التى يعامل بها وليد دييجو، والتى تصل فى درجة من الدرجات إلى عملية تلقين مستمرة من وليد للكثير من الحكمة والأقوال الماثورة النابعة من خلفيته العربية، التى تجعل دييجو مثل طفل صغير يتلقى عن «أبيه» خلاصة تجربته الثرية فى الحياة ومع البشر، وهنا يصبح وليد هو الأب وليس الأجنبى.

 فى الفصل الثانى عندما يتصور دييجو أن علاقته بوليد قد أكسبته مزيداً من القوة والحكمة فى التعامل مع ابنه المريض وتبدأ تصرفات وليد تزداد غموضا، حيث يدعو دييجو إلى حفل عربى بملهى «أرابيسك»- ولاحظوا الاسم- ويمضى كلاهما الليلة فى الرقص مع راقصة «مغربية» ترقص رقصا شرقيا غير متقن، وتشبه راقصات قصص الليالى العربية فى المخيلة الشهوانية الغربية!

بعدها يختفى وليد وتلقى مباحث أمن الدولة القبض على دييجو وتستجوبه، ليكتشف أن وليد ليس مجرد رجل أعمال غريب الأطوار، ولكنه عميل مخابراتى يعمل ميدانيا ضمن عمليات تبادل المعلومات والصفقات السرية بين إيطاليا و«بعض» الدول العربية، ويفاجأ دييجو بهذه المعلومات للدرجة التى تجعله يشعر بأنه «أجنبى» فى بلده! هنا إذن يفصح السيناريو عن مغزاه الفكرى الذى يغلفه بعض الأكشن، خصوصا عندما يبدأ دييجو فى البحث عن وليد، ويتعرض للضرب والمطاردة من قبل بعض الأشخاص الذين يستجوبونه عن مكان وليد، ويكتشف فى النهاية أنهم ليسوا سوى أمن الدولة أنفسهم!

أزمة السيناريو هى مبالغته فى تصور الفانتازيا العربية، التى تصل إلى حد اكتشاف دييجو أن الحفلة التى دعى إليها ورقص فيها ما هى إلا جنازة يوسف ابن وليد، حيث يقول له وليد إننا فى الموت نحتفل ونرقص كى لا يبقى الميت فى صمت بمفرده! وهو ما لم نسمعه من قبل عن العرب فيما يخص الموت! خصوصا مع كم الشهوانية المفرطة التى غطت أجواء هذا المشهد!

والتى قدمت من وجهة نظر دييجو وعكست المخيلة الغربية وراءه. ولا تجدر الإشارة إلى أن خصم وليد «ميشيل» وهو مصرى أرمنى (وغد) كما يطلق عليه، فهى مجرد جنسية عابرة لا أظن أن وراءها شيئاً مغرضاً فى ضمير صناع الفيلم ضد مصر، وربما كانت دلالة على كونه شخصاً غير نقى الأصول أو مزدوج الانتماء، خصوصا عندما نعلم أنه كان يدبر هجوماً إرهابياً فى سوريا من قبل متطرفين إسلاميين، ونراهم من خلال عين دييجو التى تعكس لنا نفس النظرة الغربية التقليدية عن الإرهاب «الدينى».

كما تعكس لنا تصوره عن المرأة العربية التى تجسدها زهيرة/ نادين لبكى بأنوثتها المفرطة وحجاب رأسها الخفيف الذى ترتديه على فستان قصير عندما تكون فى بلدها! وتمثل زهيرة والراقصة المغربية نموذج النساء العربيات من وجهة نظر دييجو/ الغربى فى مقابل زوجته، الأم، الفنانة التى تعتنى بابنه وترفض ممارسة الجنس عندما تشعر بأن زوجها يستغل إعاقة ابنها ليتقرب من وليد. وهى نظرة لا تحمل الكثير من التقدير للمرأة العربية فى مقابل المرأة الأوروبية، وأيضا على العكس من نظرة السيناريو للعربى/ الأب فى مقابل الأوروبى/الأجنبى!

وربما لو استطاع الفيلم أن يتخلص من تأثير ألف ليلة وليلة لاعتبر مساهمة معقولة من السينما الإيطالية التجارية فى تقديم صورة متوازنة للعرب، خصوصا أن الإخراج يحتفى بالصحراء العربية بشكل جيد فى المشاهد القليلة المصورة فى الصحراء، حيث يدعو وليد دييجو فى النهاية- بعد اكتشاف الحيلة التى مارسها ليتخلص من تبعية المخابرات- إلى أن يأتى إلى الصحراء هو وابنه وزوجته، لكى يشاهدوا الغروب من فوق التلة المقام عندها قبر يوسف الصغير، فلا يوجد عربى فى المخيلة الأوروبية دون صحراء، ولا توجد صحراء عربية دون قبور صغيرة تروى حكايات غامضة عن أصحابها.

وحتى نهاية الفيلم تبدو تكريسا لنفس المنطق الاحتفائى بالشخصية العربية، فدييجو ينجب ولدا يسميه يوسف، وعبر صوته الداخلى نسمعه يردد ما تعلمه عن الأبوة من وليد/ الأب، ونراه على شاطئ البحر مع زوجته الحسناء كنموذج للأسرة الأوروبية النموذجية، التى لم يعد دييجو يشعر معها «بالغربة» مثلما كان قبل أن يلتقى.. بوليد!

ريفيو

الاسم التجارى: الأب والغريب

بطولة: عمرو واكد– إليخاندرو جسمان– نادين لبكى

سيناريو وإخراج: ريكى توجنازى

عن رواية: جينكارلو دى كاتلدو

مدة الفيلم:110ق

إنتاج: إيطالى