خبراء: «الأمان النووي» قبل صنع المفاعل.. وهناك 3 مواقع أفضل من «الضبعة»

كتب: نهال لاشين الإثنين 28-03-2011 14:48

 

 

بعد كارثة التسرب النووي التي شهدتها اليابان كنتيجة للزلزال المدمر الذي ضربها منذ أسبوعين بدأت معظم دول العالم التي تنفذ أو تنوي تنفيذ مشاريع نووية تعيد النظر في هذه البرامج، فإسرائيل تدرس مجددًا بناء محطات الطاقة النووية المدنية، وكذل ألمانيا، بينما ترى إيطاليا وتركيا مواصلة برامجها النووية رغم انفجارات المفاعلات اليابانية، فيما قررت الهند وباكستان إعادة التفكير في إجراءات الأمان.

والحديث الآن كما يشير الدكتور ياسين إبراهيم الرئيس التنفيذي لهيئة المحطات النووية، لابد أن يكون في البحث عن إجراءات إضافية للأمان النووي.

وبحسب إبراهيم، فإن النظر في مفردات هذا الأمان تشمل اختيار موقع المفاعل، وطاقم العاملين فيه، وأجهزة الأمان المعروفة لأي مفاعل، واختيار مكان خاص لدفن النفايات والمواد الخام التي تستخدم في تشغيل المفاعل وهي اليورانيوم المخصب.

وحول اختيار موقع المفاعل النووي، والذي تم الاستقرار عليه في منطقة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مرسى مطروح، يقول د. خالد عودة أستاذ الجيولوجيا المتفرغ بجامعة أسيوط : «لم أوافق ولن أوافق على أن يكون المفاعل النووي في منطقة الضبعة لأنه خيار غير آمن».

ويضيف في تصريحاته «للمصري اليوم»: «إذا انفجر المفاعل نتيجة أي خطأ بشري وهذا وارد، أو نتيجة تعرض المنطقة لتسونامي، أو تعرض المفاعل لقذف حربي، فإن الغبار الذري الناجم عنه سيصل إلى القاهرة وما بعدها بكل سهولة، لتتكرر مأساة تشرنوبل».

ويوضح عودة أن تداعيات الانفجار، إذا حدث لأي سبب من الأسباب، تبدأ عادة بخروج سحابة ذرية تنتشر في دائرة نصف قطرها 10كم، ويتبعها الغبار الذري الذي ينتشر في دائرة نصف قطرها 300 كم، تتدرج خطورتها من شديدة في أول 100 كم، إلى أقل خطورة في الـ 200كم التالية، وحتى الـ 300كم الأخيرة.

ويضيف: «يتجه الغبار الذري مع حركة الرياح التي تكون من شمال غرب إلى جنوب شرق، وهو ما يعني وصول هذا الغبار إلى القاهرة التي تبعد عن الضبعة بـ 200كم، ويمتد إلى غرب الدلتا».

ويرى د. خالد أيضا أن هذه المنطقة مرشحة للتسونامي، ولكن ليس بنفس القوة التي حدثت في اليابان، مشيرا إلى أن مركز الزلازل على شواطيء البحر المتوسط، شمال غرب قبرص أي ما بين اليونان وإيطاليا وهذا المركز ممكن أن يوصل تأثير التسونامي إلى الدلتا.

إلا أن الخطأ البشري هو الأكثر وروداً كما حدث في مفاعل تشرنوبل «ومصر غير مهيئة بشكل كامل للسيطرة والتعامل مع كوارث المفاعلات النووية، كما أن إسرائيل هددت سابقا بقذف وضرب السد العالي، وليس غريبا أن تهدد مستقبلا بضرب المفاعل، في ظل أي تطورات سياسية لاحقة» قد يحدث ذلك «فإسرائيل غير محبه للسلم».

وفي السياق ذاته يؤكد د. أحمد أبو العطا، أستاذ الجيوفيزياء التطبيقية بكلية العلوم جامعة عين شمس، والذي شارك في تحديث الدراسات الفنية الخاصة بمنطقة الضبعة وماحولها لبناء المفاعل، أن منطقة الضبعة كانت المنطقة الوحيدة المتاحة والمناسبة وقتها «وكنت ضمن الفريق الذي قام بدراسة فنية للثلاث مناطق المتاحة وقتها من قبل الدولة، وهي منطقة الضبعة، وجنوب الزعفرانة، وسفاجا».

ويشير أبو العطا إلى أنه بناء على الدراسات التي تم تحديثها عام 2007، وتم العمل عليها لمدة ثلاث سنوات، صدر التقرير النهائي في ديسمبر 2009 بأن الضبعة هي الأنسب بين الثلاث أماكن التي أتاحتها الدولة.

لذا فإن منطقة الضبعة هي الأكثر أماناً، «وكلمة أمانا هي كلمة نسبية إلى حد كبير، لأنه لا مكان أمان بنسبة 100%، والدليل ما حدث في اليابان مؤخرا، وماحدث في تشرنوبل سابقا».

وتعليقا على السيناريوهات التي طرحها د. عودة، يقول أبو العطا: «حدوث أي خطأ بشري وارد، وقد حدث هذا مع أكبر دول العالم تقدما، فحادثة تشرنوبل ليست بعيدة عن الأذهان، ولكن الضبعة كانت أأمن خيار أتاحته الدولة، ولقد بحثنا على سواحل البحرين الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ولكن مع الأسف معظم المناطق تحولت لقرى سياحية».

ويؤكد د. محمد أحمد سلطان أستاذ غير متفرغ بهيئة الطاقة النووية ونائب رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقاً، أن منطقة الضبعة هي أكثر الأماكن المتاحة أمانا «ولقد صرفنا عليها أموالا طائلة حتى تم الاستقرار عليها، وهي تبعد 15 كم حول المفاعل، وهذه المسافة تكفي للأمان، والمناطق السكانية المحيطة بها هي منتجعات وليست مناطق سكنية دائمة».

مشيرا إلى أنه تم استثناء شواطيء البحر الأحمر، لأن احتمالات الزلازل فيها أكبر، مؤكدا على أن المفاعل مصمم بمعايير أمان عاليه جداً.

وأشار أبو العطا إلى أن «منطقة جنوب مرسى علم كانت من المناطق المقترحة منذ أن بدأ التفكير في المشروع النووي، ولكن في النهاية تم الاستقرار على الثلاث مناطق التي أتاحتها الدولة».

 

3 مواقع بديلة

وكان د. عودة قد أشار في حواره لـ«المصري اليوم» إلى 3 مواقع بديلة، أكثر أمانا لبناء المفاعل، كان من بينها «منطقة شلاتين» جنوب مرسى علم، مشيرا إلى أنها بعيدة عن خط الزلازل، «ولو حدث انفجار –لاقدر الله- للمفاعل فإن الغبار الذري سيسقط في البحر الأحمر ولن يصل إلى السعودية».

وأشار أيضا إلى «منطقة «سيدي براني» شرق السلوم، وتبعد عن القاهرة ب 600 كم»،أما المنطقة الثالثة فهي غرب العريش، «بالطبع هي مغامرة، ولكن ستضمن أن إسرائيل هي التي ستسعى لإصلاح أي عطل في المفاعل، لأنها أول من سيتضرر».

وهناك منطقة رابعة تخيلية أشار لها د. خالد: «إذا نفذنا مشروع منخفض القطارة، ممكن يكون مكان المفاعل جنوب غرب منخفض بحيرة القطارة، وفي هذه الحالة لن يؤثر فيه التسونامي»، مشيرا إلى أن المفاعلين ينتجان كهرباء بمقدار، 3200 ميجاوات / الساعة، بينما مقترح منخفض القطارة سيوفر 2400 ميجاوات / الساعة، وبتكلفة أقل بكثير من تكلفة بناء المفاعلين، ودون نفايات مكلفة في التخلص منها، فهو يقوم على شلالات ماء نظيفة، ويعتبر طاقة متجددة.

 

الطاقة المتجددة

وعن الطاقات المتجددة ومدى جدواها، تؤكد د. نادية شرارة أستاذ الجيولوجيا والتنقيب عن الخامات المشعة بجامعة أسيوط، أن خيار الطاقات المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية سيكون أفضل من الطاقة النووية، ويمكن أن نستغلها وندير بها مشروعات كبيرة، «فالشمس ساطعة في الدول العربية معظم أيام السنة، والصحراء الغربية بها أنقى أنواع الرمال التي يستخرج منها السليكات المستخدمة في تصنيع الخلايا الشمسية».

أما الطاقة النووية فهي بلاشك طاقة رخيصة ولايمكن الاستغناء عنها تماما، ولكنها خطرة ونفاياتها مكلفة، ولابد أن نفكر في إجراءات الأمان النووي قبل صنع المفاعل، مشيرة إلى «خطورة بناء المفاعل في منطقة الضبعة والتي تبعد عن القاهرة ب 200كم فقط، وهي مسافة لا تحقق الأمان النووي في حال انفجار المفاعل». كما أكدت د. نادية على أهم مفردات الأمان النووي وهو الكوادر العامله في المفاعل.  

 

مفردات الأمان النووي

«طاقم العاملين في المفاعل النووي، إن لم يكن مدربًا بشكل جيد فمخاطر هذا المشروع ستكون أكبر من منافعه»، هذا ما أكدت عليه د. نادية، فلابد أن يكون هذا الطاقم على أعلى مستوى من العلم، وأن يتم إرساله في بعثات خارج مصر للتدريب في مجال الأمان النووي، مؤكدة أن التعاقد على هذا المشروع يشمل بالفعل تدريب الكادر البشري.

أيضا لابد من مراعاة تكنولوجيا السلامة النووية، والتي تتمثل في ضرورة أن يكون المفاعل من الجيل الثالث وهو الجيل الذي يحتمل زلازل بقوة 8 أو أكثر بمقياس رختر، في إشارة إلى أن مفاعلات اليابان كانت من الجيل الثاني والتي تحتمل زلازل بقوة 6 رختر، «فالعامل الزلزالي مهم، وكل المفاعلات التي مر عليها 30 سنة لابد أن تجدد»، وتقرير السلامة النووية يؤكد أن مفاعل فوكوشيما أصابه الشيخوخة ولابد يجدد.

وعن المواد الخام المستخدمة في تشغيل المفاعل، تؤكد د. نادية أن مصر عامرة باليورانيوم، «والأفضل من استيراده هو استخلاصه من الأراضي المصرية وتخصيبه، أو استبداله بيورانيوم مخصب، وبهذا تكون مصر قد استفادة بتشغيل أيد مصرية عاملة في استخراجاليورانيوم».

الأمر الآخر هو تخصيص مكان آمن للنفايات التي تخرج من عمل المفاعل، «وهي غالبا تدفن في أماكن غير عامرة بالسكان وبعيده عن خط الزلازل وبمواصفات معينة وعلى عمق محدد، وهذا مكلف جدا».

ويضيف عودة «أن النفايات النووية لابد أن تدفن على عمق 1000 م على الأقل وفي تربة رسوبية، لا تحوي مساما كثيرة، حتى لا تلوث المياه الجوفية، والصحراء الشرقية أفضل لأن طبيعة التربة فيها رسوبية».

وبعيدا عن التشاؤم والتفاؤل، يوضح د. ياسين أن طاقة الشمس والرياح والطاقات المتجددة عموما، لا يعول عليها بشكل كبير في تلبية احتياجات المستقبل من الطاقة، إلا أن الخيار النووي ليس مجرد مشروع للتنمية المستدامة، ولكنه مشروع يتعلق بمستقبل بلد بأكمله ولا يمكن المخاطرة بهذا المستقبل من خلال قرار غير مدروس أو عاطفي. وكل دولة تحسب حساباتها حاليا ومصر ستتخذ القرار الذي يتماشى مع المصلحة العامة.