أكد الرئيس اللبنانى العماد ميشال سليمان أن العالم العربى يشهد تخبطاً فى محاور التنمية المستدامة الثلاثة البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصاد، وقال فى افتتاح المنتدى العربى للبيئة والتنمية والذى بدأت فعالياته ببيروت، الخميس ، تحت عنوان «الاقتصاد الأخضر فى عالم عربى متغير» إن الأرقام تؤكد أن حصة العالم العربى من تجارة السلع والخدمات البيئية هى أدنى من 1%، أى لا تتجاوز 6 مليارات دولار أمريكى من أصل القيمة الإجمالية لهذه التجارة والتى تبلغ حوالى 618 مليار دولار، كما أن نسبة الميزانية التراكمية التى تعرض على البيئة من الصناديق والمصارف العربية لا تتجاوز 6% من ميزانياتها وهو مؤشر متدنٍ.
ودعا «سليمان» خلال كلمته التى ألقاها نيابة عنه د. ناظم خورى، وزير البيئة اللبنانى، الدول العربية إلى البدء فوراً فى تحصيل الضرائب على أساس حجم التلوث، وليس على أساس حجم الإنتاج، مشيراً إلى أن هذا النوع من الاقتصاد الأخضر الجديد يفتح أبواباً أمام القطاع الخاص العربى بهدف إحداث فرص عمل للشباب الواعد، الذى لعب الدور الرئيسى فى التغيير الذى تشهده المنطقة، حيث إن موضوع البطالة والتصدى لها كان أبرز الشعارات التى نادى بها شبابنا.
وقال الدكتور عدنان بدران، رئيس المنتدى العربى للبيئة والتنمية، إن التحول إلى «الاقتصاد الأخضر» يمكن أن يساعد فى نقل العالم العربى إلى الاستقرار فى البيئة كما فى الاقتصاد، وذلك من خلال إعطاء وزن متساو للبيئة، وتلبية هذه الأهداف الثلاثة توفر أساساً سليماً لمعالجة نقاط الضعف فى الاقتصاديات العربية من تخفيض الفقر والبطالة إلى تحقيق أمن فى الغذاء والطاقة يؤدى إلى توزيع أكثر عدالة للدخول.
وأكد أنرو ستر، نائب رئيس البنك الدولى، أن دول العالم حاولت العام الماضى الحد من معدلات ارتفاع درجة الحرارة العالمية فلا يزيد على درجتين مئويتين، وقدمت 90 دولة خططها لتخفيض الانبعاثات الكربونية، لكن الواقع أن الأمر فى مصر الارتفاع بين 3-5 درجات مئوية، وهذ أمر خطير للمنطقة العربية التى ستشهد تأثيرات لتغير المناخ، وقال إن التدهور البيئى يكلف الاقتصاد العربى نحو 5 فى المائة من قيمة الناتج المحلى، وقال خوسية ماريا فيغريس، رئيس كوستاريكا السابق، إن هناك حربين يتعين علينا خوضهما والاستثمار فيهما الفقر وانعدام المساواة من جهة وتغير المناخ من جهة أخرى، وهذا يستدعى إعادة الابتكار فى كل شىء بما يخلق وظائف ونشاطات جديدة، وأشار إلى أن العالم ينفق سنوياً تريليون دولار على التسلح و700 مليار دولار على دعم أسعار البترول، وأن جزءاً ضئيلاً من هذه المبالغ الطائلة يكفى للتحول إلى اقتصاد أخضر يقلص الانبعاثات الكربونية التى ترفع معدلات الحرارة فى العالم.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر إطلاق تقرير «الاقتصاد الأخضر فى عالم متغير» بمشاركة 500 خبير عربى ودولى، وأكد التقرير أن خفض دعم أسعار الطاقة فى المنطقة العربية بنسبة 25 فى المائة سوف يحرر أكثر من 100 مليار دولار خلال 3 سنوات، وهذا يمكن تحويله لتمويل الانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء وتخضير 50 فى المائة من قطاع النقل و20 فى المائة فى قطاع الأبنية وتوفير 4 ملايين فرصة عمل.
وخلص التقرير الذى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه إلى أن الأداء الفعلى للاقتصادات العربية، خلال العقود الأربعة الماضية، كان سيئاً، وأن البلدان العربية تبنت نماذج جريئة للنمو الاقتصادى، لكنها فى هذا السبيل قوضت التقدم فى المسائل الاجتماعية والبيئية، وأسفر ذلك عن أشكال من الفقر والبطالة وتهديدات الأمن الغذائى والمائى والتدهور البيئى، ولفت إلى أن ذلك لا ينم بالضرورة عن معوقات طبيعية، لكنه نتائج خيارات سياسية.
وأكد أن مواطن الضعف فى أداء الاقتصادات العربية، ساهمت بشكل كبير فى تدهور الأوضاع الاجتماعية، وأدى استمرار الفقر والبطالة إلى تهميش اجتماعى، زادت تباينات المداخيل فى تفاقمه، وتسببت التأثيرات الكلية لهذه النواقص فى عدم استقرار اجتماعى وسياسى، وتظهر مطالب التغيير فى البلدان العربية أن التوترات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتعاظمة، وما ينتج عنها من تداعيات على الأمن المعيشى، أصبحت لا تحتمل.
ودعا التقرير الصادر عن المنتدى العربى للبيئة والتنمية (أفد)، إلى نموذج تنموى متجذر فى اقتصاد أخضر، فمن المبادئ الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساوٍ للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية.
وأشار التقرير إلى أنه يمكن فهم التوترات العامة، التى تسببها نماذج التنمية العربية، من خلال فحص المؤشرات فى مجموعة من الأبعاد، ولفت إلى أن الفقر مازال يهيمن على 65 مليون نسمة فى البلدان العربية، إضافة إلى انعدام الأمن الاقتصادى وتفاقمه مع ارتفاع مقلق لمعدلات البطالة، التى بلغت 14.8٪ من السكان، وهى تصل إلى 27.3٪ فى صفوف الشباب. وبشكل إجمالى، سجلت هذه الاقتصادات ارتفاعاً يقل عن 0.5٪ فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد من عام 1980 إلى 2004. وأضاف أن الموارد المائية تواجه أزمة حادة فى معظم البلدان العربية، مدفوعة غالباً بسياسات تشجع على الإفراط فى الاستهلاك وتجيز المبالغة فى استغلال الموارد المائية الشحيحة المتوافرة، ما يجعل الأجيال القادمة تدفع ثمن السياسات الحالية.
وأشار إلى أن الأمن الغذائى يشكل تهديداً كبيراً آخر، يدفعه بشكل رئيسى إهمال القطاع الزراعى وتخلفه، ما يؤدى إلى سوء الإنتاجية الزراعية وانخفاض كفاءة الرى وضعف خدمات الإرشاد الزراعى المقدمة للمزارعين، وأوضح أن الفاتورة الصافية لمستوردات السلع الغذائية الرئيسية 30 بليون دولار خلال 2008، بما فيها 18.3 بليون دولار للحبوب، وأن تصاعد فواتير المستوردات الغذائية يسبب عجزاً تجارياً كبيراً، ويرهق الموازنات العامة للبلدان العربية، ويجعلها عرضة لحظر الصادرات من قبل بلدان أخرى.
وحسب التقرير يفتقر نحو 60 مليون نسمة فى البلدان العربية إلى خدمات طاقة يمكن تحمل نفقاتها.
وأوضح أن سياسات النقل فى البلدان العربية ركزت على إنشاء الطرق السريعة والعادية بدلاً من النقل العام الجماعى، وأدى غياب سياسات تدخل فعالة فى قطاع النقل إلى زحمات سير خانقة فى المراكز الحضرية، وسوء نوعية الهواء فى كثير من المدن، وتدهور الأراضى.
وأكد أن المدن العربية تعانى من حالات فوضوية فى أنماط استخدام الأراضى، ومن تمدد حضرى مفرط، ما يجعل نظم البنى التحتية غير قادرة على دعم سكانها بالشكل المناسب.
وذكر أن قطاع إدارة النفايات فى البلدان العربية يعانى من التخلف ونقص الاستثمار وممارسات عالية الخطورة للتخلص من النفايات، ومن أنظمة غير وافية وضعف معايير التخلص من النفايات.
وعن التحولات فى سياسات قطاع المياه ذكر التقرير أنها يجب أن تبدأ بإدخال إصلاحات مؤسسية وقانونية تؤثر فى استخدام المياه وتنظيمها وحوكمتها. وطالب البلدان العربية بأن تركز على سياسات تضبط وتنظم الوصول إلى المياه، وتعزز كفاءة الرى واستخدام المياه، وتمنع تلوثها.
وأكد الدكتور نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى، أن التخطيط الاقتصادى السائد فى الدول العربية لايزال مرتبطاً بنمو قصير الأجل للناتج المحلى الإجمالى، وبحلول سريعة، مع إهمال الأسباب الكامنة للفقر، وانعدام العدالة، والبطالة، والتدهور البيئى، ولفت إلى أن الاستجابة السياسية لهذه النواقص وما يرتبط بها من تباينات فى الدخل والقدرات لم تكن كافية على الإطلاق.
ودعا «صعب» إلى استجابة ترتبط بالتحول نحو اقتصاد أخضر وشدد بقوة على أن المنطقة غير مضطرة إلى الاختياربين التنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية والنظم الأيكولوجية السليمة، لأن الاقتصاد الأخضر، فى تصميمه، يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية، والتغيرات التى يقترحها التقرير تحتاج إلى تحولات فى السياسات والنظم الاقتصادية.