حذر أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، من تضخم ملف الديون، موضحاً أنه أصبح مخيفاً وخطراً على التنمية.
ووصف هيكل، في حواره لـ«المصرى اليوم»، الدستور الحالى بأنه رومانسى، مفسرا ذلك باستحالة تنفيذ كثير مما جاء فيه.
وقال إنه يجب تعديل عدد من مواد الدستور حتى يستقيم الوضع، رافضا الاقتراب من مدة الرئاسة وتغييرها.
ونفى أن يكون ائتلاف دعم مصر سائرا على خطى الحزب الوطنى المنحل، مطالبا بإسقاط العضوية عن النواب الذين يثبت أن لهم أعمالا مشينة، كما طالب بإبعاد عدد من الوزراء لعدم كفاءتهم.
وهاجم هيكل قرار تعويم الجنيه موضحا أنه جاء في توقيت خاطئ وغير مدروس، مؤكدا أنه يجب على الحكومة سرعة زيادة شبكة الحماية الاجتماعية للفقراء.
واعتبر أن الرئيس جمال عبدالناصر نفذ العدالة الاجتماعية بطريقة خاطئة رغم نبل الفكرة.. وإلى نص الحوار:
■ في البداية هل أنت راض عن أداء البرلمان خلال الفصلين التشريعيين السابقين؟
لايمكن أن أقول إننى راض تماما أو غير راض بالمرة فهناك أعمال قد تمت تستحق التقدير وأيضا أخرى أجدنى لست راضيا عنها وهذا طبيعى في عمل البرلمانات على مستوى العالم وبالطبع أتمنى أن يكون الأداء في المستقبل أفضل لأننا دائما نتطلع إلى مزيد من التطور والإيجابية.
■ يظهر عدم رضاء بين المصريين عن أداء المجلس الحالى.. لدرجة أن هناك من يمدحون برلمان الحزب الوطنى المنحل رغم أنه كان أحد أسباب ثورة يناير.. من وجهة نظرك ما أسباب ضيق الشارع؟
- أرى أن الحكم الحقيقى والذى يمكن أن نقول إنه صائب يحتاج إلى فترة مستقبلية من الزمن حتى يمكن النظر لكل أعماله، وعندها سيكون بمقدور الجميع أن يرى الصورة بكامل تفاصيلها وبصراحة فإن من يهللون لمجالس الحزب الوطنى السابقة هم أنفسهم من كانوا يسخطون عليها في الماضى أثناء عملها، وهى طريقة لدى بعض الأشخاص أن يذموا في الحاضر ويمدحوا الماضى دون موضوعية وبصراحة هناك من يعرفون متى وكيف ينتقدون وهؤلاء أعتقد أنهم أصحاب نظرة صائبة، وعموما فإن المجلس الحالى سوف يخضع كما خضع غيره للحكم الحقيقى بعد انتهاء فترة عمله وأنا هنا لست مدافعا عن البرلمان ولكن هي قولة حق ويجب ألا ننسى أن الأوضاع مختلفة تماما عن الماضى وهو مايجب أن نضعه في الحسبان حتى لانظلم أحدا.
■ هناك اتهام لائتلاف دعم مصر الذي كنت أحد مؤسسيه بأنه يقوم بدور الحزب الوطنى المنحل داخل البرلمان الحالى من هيمنة على كل شىء وإقصاء للمعارضة والتوأمة مع الحكومة.. كيف ترى ذلك؟
- أولا من الصعب جدا أن يحل الائتلاف محل الحزب الوطنى لأن الأخير لم يكن أحد يجرؤ على مخالفته أو الانفصال عنه وكان معروفا أن كل من يفعل ذلك سيلقى نهاية غير سعيدة، أما الائتلاف فيسمح بحرية الانتقال والاختلاف وأنا شخصيا وغيرى نرفض أشياء كثيرة وتوجد مشادات وتظهر وجهات النظر المتباينة أثناء عملنا كما أن الأوضاع تغيرت، فما كان سائدا قبل ثورة يناير لا يمكن أن يتم حاليا فالهيمنة والسيطرة التي كانت طريقة عمل الحزب الوطنى المنحل لا يمكن أن تتكرر مع غيره وهذا ليس كلاما ولكنه واقع نعيشه والجميع يعرف أن نشأة الائتلاف كانت بهدف عمل تكتل سياسى لإثراء الحياة السياسية في مصر التي تحتاج إلى المزيد من التكتلات والقوى بعيدا عن كثرة الأحزاب دون فاعلية.
■ الحياة البرلمانية تخلو تقريبا من معارضة مؤثرة.. ما الأسباب من وجهة نظرك؟
- بدون أحزاب حقيقية وقوى سياسية راغبة في العمل السياسى لن ترى ممارسة سياسية جادة وللأسف لدينا مايزيد على 100 حزب لكنها لا تعمل ومعظمها لا يعرف أحد عنها شيئا.. والحل من وجهة نظرى هو انصهار جميع هذه الأحزاب في ثلاث قوى بحيث تمثل اليمين والوسط واليسار بحيث يختار أي شخص الانضمام إلى ما يناسبه وتعمل القوى بجدية لخدمة الوطن أما ماعدا ذلك فلن يكون له أي أثر إيجابى.
■ لماذا لم يقدم البرلمان سوى استجواب واحد فقط كان من نصيب وزير التموين السابق خالد حنفى؟
- الاستجواب له شروط تكمن في ضرورة وجود مستندات وأدلة دامغة على الاتهام المقدم بعكس السؤال وطلب الإحاطة لذلك فإن الاستجواب يكون نادرا بالمقارنة بغيره من وسائل المحاسبة البرلمانية، وفى حالة خالد حنفى الذي أعتبر أنه كان وزيرا غير فاسد كانت الحكومة ترفض إقالته حتى واجهناها بمستندات فساد فيما يخص صوامع القمح بعد تقديم الاستجواب بالأدلة فرأت أن تجبره على الاستقالة أفضل من أن تدخل في أزمة احتمال سحب الثقة منها.
■ وهل يمكن أن يرى المصريون جرأة للنواب عن طريق سحب الثقة من الحكومة؟
- طبعا من الممكن أن يحدث ذلك لأنه كما قلت لك الحياة تغيرت عن الماضى وسحب الثقة من الحكومة أمر يمكن أن يتحقق في أي وقت.
■ نشرت الصحف أدلة على بيع بعض النواب تأشيرات الحج مما أصاب الشارع المصرى بالسخط الشديد من البرلمان ما كواليس القصة داخل المجلس؟
- بالطبع بيع التأشيرات فضيحة وإن ثبت ذلك لابد من اتخاذ إجراءات ضد الفاعلين وأنا شخصيا تحدثت مع الدكتور على عبدالعال في هذا الأمر ودخلنا في نقاش طويل وقال لى إنه لم يوجد لديه أي أدلة على وقوع هذا الفعل وأن المدعى لايمتلك وثائق على قوله ولايمكن لأحد صاحب ضمير أن يتستر على كارثة بهذا الحجم وأتمنى أن تظهر الحقيقة كاملة في هذا الأمر، ولايمكن لأى صاحب ضمير أن يصمت على مثل هذه الأفعال أبدا وبكل أمانة برغم هذا الكلام إلا أننى شخصيا أعرف نائبة مسيحية قامت بتوزيع تأشيرات حج على الفقراء من أبناء دائرتها وكانت تقول لهم «ادعوا لنا عند النبى عليه الصلاة والسلام» أقصد أن هناك أشخاصا يستحقون تمثيل الشعب وآخرون يسيئون للمجلس ويجب أن يكونوا خارجه فورا حال ثبوت إدانتهم في أمر مشين.
■ كيف ترى أداء حكومة الدكتور شريف إسماعيل رئيس الوزراء الحالى؟
- هناك بعض الوزراء دون المستوى ولكن يوجد وزراء على درجة عالية من الأداء والاجتهاد، وبكل أمانة فإن الدكتور شريف إسماعيل يمتاز بالاجتهاد وبدماثة الخلق ورقى المعاملة فضلا عن هدوئه ويظهر ذلك من خلال أدائه الوزارى خاصة، ولا يميل إلى الحديث كثيرا، وهى صفة من يعملون في صمت، وبشكل عام فإن أداء الحكومة جيد.
■ ما تقييمك لنتائج الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الدولة لمعالجة الأزمة في هذا المجال؟
- بكل وضوح فإن الإجراءات التي تمت لإصلاح الاقتصاد كانت صحيحة وحتمية، لكن أرى أن قرار تعويم الجنيه جاء في توقيت خاطئ ولم يكن مدروسا بشكل جيد لأنه قام بإلغاء الدعم عن عدد من السلع وزيادة في أسعار الكهرباء وهذه الخطوات زادت من أعباء الناس وجاء التعويم ليزيد الطين بلة، وكان يجب تأخيره إلى وقت مناسب يكون فيه المواطن قادرا على تحمل كل هذه الضغوطات، وعموما أنا بالنسبة لى المشكلة الكبرى تكمن في ملف الديون الذي أصبح مخيفا بعد أن وصلت ديون مصر الخارجية إلى أكثر من 80 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 120 بعد الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى وإقامة المحطة النووية، وقد أخبرتنى وزيرة الاستثمار منذ فترة بأن معظم مخصصات القروض كان من نصيب وزارة الكهرباء، وبالطبع فإن 120 مليار دولار رقم ضخم وغير مقبول مطلقا لأنك بكل بساطة لم تقم بإنتاج شىء لتصديره بالدولار، فضلا عن عدم وجود سياحة في الوقت الذي تعانى فيه إرهاقا من الديون وتقوم بسداد أقساط عليها فوائد، والمؤسف أن الاحتياطى النقدى لديك ليس حقيقيا حيث يدخل ضمنه الودائع المملوكة للإمارات والسعودية ويجب ألا ننسى زيادة عدد السكان وزيادة الالتزامات المحلية، مما يجعلك في أزمة كبرى مع القروض وكيفية سدادها، والغريب أن الدولة لم تقم بشرح خطتها للتعامل مع هذا الدين، لذلك أنا شخصيا قلق من هذا الملف.
■ ولماذا لا يكون للبرلمان تدخل في إيقاف القروض طالما أنها أصبحت تمثل أزمة كما قلت؟
- القروض من اختصاصات وعمل الحكومة وقد صمت الجميع على عدد من القروض أهمها قرض صندوق النقد الدولى نظرا للظروف التي تمر بها البلاد ودخولها في أزمة اقتصادية عنيفة بسبب مشاكل موروثة من الماضى إضافة إلى آثار الثورات السلبية، وبكل صراحة هناك ضجر داخل البرلمان من زيادة القروض وتوجد أحاديث كثيرة في هذا الموضوع، وأتوقع تدخل المجلس في هذا الأمر لوقف الاقتراض ووضع حد للديون الخارجية نظرا لعدم وجود احتياطى نقدى كاف، وسوف يظهر ذلك قريبا جدا لأنه ملف خطير يهدد التنمية في مصر.
■ يوجد ضيق داخل الطبقات المتوسطة والفقيرة جراء الإصلاح الاقتصادى نظرا لزيادة الأسعار وهو ما ضاعف أعباءهم المالية.. كيف ترى دور الدولة في هذا الجانب؟
- كان على الدولة أن توجد شبكة حماية اجتماعية تستوعب كل المحتاجين والفقراء في مصر لكن ذلك لم يحدث وإن كانت الحكومة تحاول عمل ذلك إلا أنها مازالت غير قادرة على احتواء الجميع ببساطة لأنه لم ينفذ بخطة مسبقة بها جميع الاحتمالات وهى الآن مطالبة بالإسراع في إيجاد حلول لغير القادرين والذين أصبحوا في معاناة يومية جراء الإصلاحات وما صاحبها من إلغاء الدعم ورفع الضرائب وغيرهما، ومن الضرورى شرح كل الظروف للشعب لكن للأسف النظام السياسى يفتقد إلى أداة وأشخاص قادرين على عمل خطة إعلامية الهدف منها الشفافية وإعلام الشعب بكل تفاصيل العملية الاقتصادية ولذلك تجد دائما غضبا في الشارع مع كل قرار يتم اتخاذه والناس معذورة لأنهم لا يعلمون شيئا ولا يسمعون سوى عن رفع الأسعار ولم تقع أعينهم على أشخاص يشرحون لهم مثلا مستقبل الغاز في مصر والفوائد التي تعود عليهم أيضا، فهم يحتاجون لمن يوضح لهم توقعات نجاح الإصلاح الاقتصادى والهدف من رفع الدعم وغيرها من الأمور الحياتية التي يمكن أن تجعلهم يتحملون دون قلق.
■ أيضا من الملفات التي تلقى غضبا من النخبة والشارع على السواء عدم تطبيق الدستور كما جاء على لسان كتاب وسياسيين لماذا لا يكون للبرلمان تدخل لصالح تفعيله كاملا؟
- الدستور وجد لكى لا يخالفه أحد فإن كانت هناك مخالفة دستورية فالجهة الوحيدة التي يحتكم إليها هي المحكمة الدستورية العليا أما المقالات فهى تعبر عن آراء كتابها فقط.
■ مارأيك فيما تردد الأيام الماضية عن رغبة البعض وكان منهم نواب برلمانيون في تعديل مدة الرئاسة لرفعها من أربع إلى ست سنوات؟
- رغم أن أربع سنوات قليلة نسبيا على مدة الرئاسة إلا أننى أرفض أي تعديل في مدد الرئاسة وأعلنها صريحة أننى ضد الاقتراب من هذه الجزئية، ولقد سألت بنفسى شخصيات ورموزا كبرى في أجهزة مهمة ولم أحصل على تأكيد برغبة أحد في تعديل مدة الرئاسة وأعتقد أنها شائعة ليس أكثر، وأتذكر أن أحد النواب كان قد تحدث في الأمر منذ فترة ولم يلق قبولا داخل المجلس وتم نسيان الأمر، لكن بكل صراحة أرى أن الدستور يحتاج إلى تعديل أشياء كثيرة غير هذه النقطة، فالدستور الحالى رومانسى ويصطدم عند تطبيقه بواقع مختلف تماما عما جاء فيه، مما يجعل أشياء منه مستحيلا تنفيذها، وأضرب لك بعض الأمثلة فالمادة 18 تلزم الدولة بتخصيص ما لا يقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى وأيضا هناك إلزام لتخصيص 4% للتعليم كما تلزم المادة 21 تخصيص 2% للتعليم الجامعى و1% للبحث العلمى وهذه النسب يستحيل تطبيقها نظرا لضعف الناتج الإجمالى مقارنة بالخدمات والالتزامات الأخرى وربما كان الأفضل عدم تحديد نسب لأن هذا يعتمد على سياسة الحكومة وإن كان ضروريا تكون النسبة من إجمالى الموازنة العامة وليس من الناتج المحلى الإجمالى، أيضا هناك مادة غريبة وهى 241 حيث تتحدث عن ضرورة إجراء مصالحة وطنية ولا يوجد تفسير لها سوى بين الدولة والإخوان وهو أمر مرفوض تماما من الشعب والدولة على السواء وكيف أقر بأن الإخوان تنظيم إرهابى ثم أضع مادة في الدستور للمصالحة معهم؟ بالطبع هذا تناقض واضح لا يستقيم طالما نحاول أن يكون لدينا دستور مطبق للاستقرار والنهضة ولا ننسى أن لدينا مادة 236 أعتبرها قنبلة موقوتة سوف تفجر مشكلة كبرى وهى التي تلزم الدولة بحق عودة أهالى النوبة إلى أماكنهم القديمة خلال 10سنوات من كتابة الدستور بالرغم من أن معظم تلك المناطق قد غطتها المياه ويستحيل السكن فيها، والمقصود مما سبق أن هناك حاجة ملحة إلى تعديل الدستور لعدم إمكانية تطبيق بعض مواده عمليا بالرغم من كونها جميلة ورومانسية نظريا وكان يجب على واضعى الدستور الابتعاد عن التفاصيل لأن الشيطان يكمن فيها بحيث تخرج بعمل احترافى يمكن تطبيقه على أرض الوقع.
■ معنى هذا أننا سوف نرى تعديلا للدستور في المستقبل القريب؟
- لا أعرف.
■ ما أسباب كتابة الدستور بشكل رومانسى كما تقول يستحيل تنفيذه؟
- هذا الدستور مع كافة الاحترام لواضعيه شارك في إعداده فئات مختلفة وكان الحرص على تمثيل الفئات أكبر من الحرص على المهنية في إعداده.
■ كيف ترى المشهد السياسى في مصر الآن؟
- بالطبع المشهد السياسى أصبح مستقرا، فالدولة مستقرة وأفضل كثيرا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، حيث كان هناك انهيار في كل شىء، ولن ننسى الأحداث التي مرت بها البلاد منذ ثورة يناير وحتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى وما صاحبها من ضياع الأمن والأمان وانتشار البلطجة في الوقت الذي تلاشت فيه المؤسسات ويمكن المقارنة بين تلك الفترة وما بعدها وستجد الإجابة كافية بأن الأجواء مختلفة تماما عن السابق.
■ وما انطباعاتكم عن مجال الحريات العامة في البلاد حاليا؟
- عمليا لا يمكن التضييق على الحريات العامة وأهمها التعبير عن الرأى، فالمجال أصبح مفتوحا فإن سيطرت الدولة على الصحافة والإذاعة والتليفزيون مثلا لن تستطيع السيطرة على الإعلام الإلكترونى مثلا ولن تستطيع منع مشاهدة القنوات الأجنبية.
■ أثارت المصالحة بين الدولة المصرية وحركة حماس الفلسطينية لغطاً وجدلاً في الشارع المصرى كون أن الحركة متهمة بأنها إرهابية وامتداد لجماعة الإخوان.. ما أسباب التقارب بين الجانبين من وجهة نظركم؟
- الأمن القومى المصرى من أهم جوانبه استقرار دولة فلسطين ووحدة القضية الفلسطينية، وهذا الاستقرار لن يتحقق قبل إجراء مصالحة بين الفرقاء «فتح وحماس»، واستطاعت القاهرة بالفعل عمل ذلك ترسيخاً للوحدة وإيجاد قوة فلسطينية، ولابد أن نثنى على دور المخابرات العامة المصرية لنجاحها الكبير في هذا العمل الوطنى، ولابد أن نتذكر جميعاً أن السياسة لا تعرف القطيعة المطلقة أو المصالحة الدائمة «لا صديق مستمر ولا عدو باق»، لأنها في النهاية تخضع لعوامل ومصالح أوطان تختلف باختلاف الزمان والأشخاص، ولا أخفى عليكم سراً أننى كنت قلقاً على رئيس المخابرات المصرية عند سفره إلى غزة، ولكن سرعان ما تبدل قلقى إلى اطمئنان عندما علمت أن الشعب الغزاوى يسعد بالمصريين ولديه شوق في بدء صفحة جديدة معنا، ولقد شاهدنا جميعاً إسماعيل هنية وهو يرفع علم مصر احتفالاً بفوز منتخبنا وصعوده لكأس العالم، وأعتقد أن أحد أهم أسباب تغير طريقة وتصرفات حماس هو منع التمويل القطرى لهم خلال الفترة الماضية، وعلينا الحذر في كل الحالات.
■ بمناسبة قطر.. كيف تفسر تصرفاتها مع مصر؟
- قطر تعادى مصر منذ سنوات مضت دون مبرر واضح، وهى تتبنى منظمات تعمل ضد الأمن القومى في المنطقة وتدعم الإرهاب اعتقاداً منها أن ذلك يسهم في تكبير حجمها وإيجاد قوة لها، وهى موهومة بهذا التفكير، ولقد طالت خروقاتها كلاً من السعودية والإمارات والخليج بأكمله، والواضح للجميع أن النظام القطرى ديكتاتورى يعمل وفق مصالح وأهواء خاصة، ولا يهتم مطلقاً باستقرار المنطقة وأمنها، ويستخدم إعلامه لتشويه مصر وإسقاط نظم عربية منها سوريا وليبيا، ويحاول لى ذراع الحقيقة، إلا أن العالم أصبح مدركاً لأكاذيب المنابر الإعلامية له وبات أمره مكشوفاً للجميع.
■ وكيف تقرأ أداء الإعلام المصرى حالياً؟
- لست راضياً عن الأداء الإعلامى الذي يقدم، لأنه للأسف لدينا مثلاً قنوات فضائية كثيرة لا تفكر في تقديم عمل جيد ولكنها تتبارى في إيجاد حالة من الصراخ والفضائح فقط، وابتعدت عن المهنية تماماً، وأصبح إعلامنا غير عابر للحدود، أيضًا نجد مشكلة كبيرة في الصحافة، حيث انخفض عدد قرائها عن السابق كثيرًا، ويزداد هذا الانخفاض مع مرور الأيام والأسباب تكمن في انصراف معظم القراء إلى المواقع الإلكترونية الخارجية، لأن بها محتوى ومعلومات أفضل مما تقدمه مثيلاتها في مصر، وأن المادة الصحفية أصبحت غير جاذبة للقراء، ويجب الانتباه إلى أن الصحافة الورقية تتلاشى ولابد أن نواكب العصر ونهتم بالإعلام الإلكترونى وتوفير مقومات نجاحه كما يفعل الخارج حالياً، لكن البقاء محلك سر دون الأخذ بأسباب التقدم أمر في غاية الخطورة.
■ وماذا عن قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي من المفترض أن يقوم بتنظيم عمل الهيئات الثلاث ومازال في جعبة البرلمان؟
- بدأنا في مناقشته داخل لجنة الإعلام، وهو قانون مهم لأنه يحكم عمل تلك الهيئات وبواسطته نستطيع أن نعرف مدى فائدتها وتقييمها بطريقة عادلة، لأن التقييم دون وجود قانون تسير عليه يكون تقييماً منقوصاً.
■ هناك من اتهمك بأنك كنت وراء اختيار رؤساء تحرير الصحف ورؤساء مجالس الإدارات في المؤسسات القومية؟
- لم أتدخل في هذه الاختيارات مطلقاً، ولا أعرف من أين جاءوا بهذه الشائعات.
■ وما ردك على اتهامك بأنك توقف إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامى التي ترأسها؟
- لا تقل أوقف الإنتاج، ولكننى أوقف الخسائر، ولك أن تعلم أن حجم المديونيات للمدينة الآن أصبح «صفر» بعد أن كان 180 مليون جنيه قبل ثلاث سنوات عند بداية تسلمى المهمة، حيث كان الإنتاج الدرامى يسير بنظام المصالح المشتركة بين الأشخاص والشركات، بمعنى أن تشترى المدينة أعمالاً بأضعاف ثمنها الطبيعى بهدف مصالح خاصة ما بين الطرفين، في الوقت نفسه يؤدى ذلك إلى خسارة المدينة، فمثلا تجد أن هناك مسلسلاً تم بيعه للمدينة بـ20 مليون جنيه وهو لا يساوى أكثر من 10 ملايين، فضلاً عن المشاركة بين المدينة وبعض المنتجين وفقاً لشروط الأخير دون النظر لمكاسب المدينة، وتجد في النهاية أرقاماً على الورق فقط، أما الحقيقة فهى صادمة، حيث تكون خسائر فادحة، لذلك قمت بإيقاف تلك الألعاب حماية لمدينة الإنتاج الإعلامى وفى الوقت نفسه قمت بإزالة مشاكل المدينة وأصبحت جاذبة للأعمال، ولك أن تعلم أن هذا العام قفزت مكاسبها لأكثر من 55 مليون جنيه، ونتوقع أن تتضاعف في الأعوام المقبلة.
■ ولماذا قمت بفصل ما يقرب من 400 موظف بالمدينة؟
- لم أفصل أي أجد تعسفيًا، ولكننى اكتشفت بمجرد دخولى المدينة قبل سنوات أن عدد موظفيها أضعاف المطلوب، حيث كانوا 2552 والمفروض أنها تحتاج فقط لـ700 فرد، وكانت هناك عقود وأشخاص لا يعملون وقمت بتطبيق القانون، أولاً بعمل تحليل مخدرات للجميع ومن ثبت تعاطيه يتم تنفيذ القانون عليه، وقد حصل بالفعل أيضاً إيقاف المجاملات وإبعاد من يتواجدون فقط بأسمائهم على الأوراق دون تواجدهم الفعلى بالمدينة، ولتتخيل أنها كانت تحتوى على 13 قطاعاً تعمل دون قيادة موحدة، وهى قطاعات معظمها ليس له أي فائدة، وأنشئت فقط للمجاملات، وقمت بتخفيضها إلى 7 قطاعات، وسوف تقل عن ذلك أيضاً وكان استمرار المدينة بهذه الطريقة واستخدامها للقروض أمراً يهدد بقاءها، وبكل أمانة هناك من تعاون معنا بشكل ممتاز وهو الجهاز المركزى للمحاسبات، والآن نستطيع أن نقول إن المدينة أصبحت تقف على أقدام صلبة بعيداً عن الفساد الذي كان يضربها، وللعلم فإن هؤلاء الفاسدين حالياً يحاولون عرقلتنا بالتشويه والشائعات، إلا أن الواقع أقوى منهم، ولم ولن ألتفت إلى تصرفاتهم، نحن نعمل دون خوف لإيجاد شركة مساهمة مصرية تساعد في نهضة وتقدم الوطن، والجديد أننا سوف نقوم بعمل امتداد للمدينة في العاصمة الإدارية الجديدة.
■ كيف ترى الفساد في مصر؟
- الفساد مؤسسى وممنهج وهو قديم، وبدأ في التضخم منذ ما يقرب من 20 عاماً مضت، ولكن الآن بكل صراحة نجد رغبة عليا في محاصرة الفساد وضرب الفاسدين، والدليل إطلاق يد الرقابة الإدارية في العمل، مما أنتج القبض على رموز كبرى ومسؤولين في كل يوم، ولكن نحتاج أيضاً إلى رغبة شعبية بحيث تتضامن مع إرادة القيادة السياسية لمواجهة وكشف الفاسدين، أيضا نحن في حاجة ماسة إلى تفعيل القانون بواسطة القائمين على تطبيقه، وهذا يتطلب أن يكون صاحب القرار نظيف اليد صاحب ضمير يقظ وهى مهمة تقع على عاتق الحكومة، بحيث يجب عليها تعيين المخلصين الشرفاء في المواقع مع إزاحة أصحاب الضمائر المعدومة والمرتعشين من أجل مصر قوية ناهضة، ومن خلال هذا الحوار أقول إن مصر تحتاج إلى منظومة تعليم جديدة يكون هدفها إعادة غرس القيم المصرية الأصيلة التي نشأ عليها الرعيل الأول وأنتجت عظماء في كل المجالات، والتى كانت بمثابة الدستور الداخلى لكل إنسان يسير عليها ويتعايش بها وهى مجموعة من القيم والمبادئ الأصيلة التي تنمى الوطنية والإخلاص وحب الآخر والأدب في التعامل ومواجهة الفساد وحب الوطن وغيرها مما كان سائداً في العصور الفائتة.
■ من وجهة نظرك ما أسباب تلاشى تلك القيم الجميلة عن طباع المصريين؟
- لقد فكرت في هذا الأمر كثيراً ووجدت أن السبب الرئيسى في ضياع القيم المصرية الأصيلة يرجع إلى فكرة العدالة الاجتماعية التي أطلقها عبدالناصر منذ بداية حكمه، ولكنه نفذها بشكل خاطئ، فالعدالة الاجتماعية تعنى أن الكل، غنى وفقير، يحصل على نفس الخدمة وبنفس الكفاءة، فالغنى يعالج الفقير وعلى يد نفس الطبيب مثلا، أما تطبيق الأمر بالأخذ من الغنى ومصادرة أرضه وماله لإعطائه للفقير أدى إلى خلق موجات من الحقد توارثتها الأجيال، وفى النهاية لم تعد هناك خدمة تقدم فأصبح الغنى يسافر للخارج لتلقى العلاج والفقير عليه أن يتسول الخدمة في المستشفيات الحكومية، نفس المنطق في مجانية التعليم التي وصلت بنا إلى أنه لم تعد هناك مجانية ولم يعد هناك تعليم، وهذا الوضع الحرج يحتاج إلى قدرة هائلة لإصلاحه، ولكن أصبح هذا الوضع الحرج في حد ذاته مقاومة عنيفة لأى إصلاح فإذا أردت أن تنشئ تعليماً راقياً ثار ضدك المفسدون والمستفيدون من الوضع الحالى، والأمثلة أمامنا كثيرة في كل مكان.