امتحان حقوق الإنسان

د. ياسر عبد العزيز السبت 28-10-2017 21:59

س: ألست معى فى أن الدول الغربية الكبرى كثيراً ما تنتهك حقوق الإنسان؟

ج: نعم.. إن هذا الأمر يحدث باستمرار، خصوصاً عندما تقع حوادث إرهابية، تفرض على القادة اتخاذ إجراءات أمنية بعينها من أجل حماية «الأمن القومى». لقد حدث هذا مثلاً بصورة واضحة عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة، وصدر قانون «باتريوت أكت»، الذى وصفه خبراء وسياسيون أمريكيون بأنه «انتهاك واضح لحقوق الإنسان الأمريكى، واعتداء على الدستور». حدث ذلك أيضاً فى فرنسا، وفى المملكة المتحدة، التى قالت رئيسة وزرائها أخيراً إنها ستفعل كل ما بوسعها لتغيير قوانين ذات طابع حقوقى يمكن أن تعطل آليات حماية الأمن ضد الهجمات الإرهابية.

س: ولماذا ينتفض الغرب ضدنا عندما تصدر أخبار عن «انتهاكات لحقوق الإنسان» فى مصر، ويشن علينا حملات سياسية وحقوقية وإعلامية ضارية؟

ج: لا يمكن اعتبار أن كل تلك الحملات ممولة ومأجورة وجزء من «المؤامرة على مصر». ورغم أن هناك قدراً واضحاً من الاستهداف المغرض وغير المسوغ، فإن الأكيد أن جزءاً من الانتقادات والمطالبات يتصل بمشكلات حقيقية، وسياسات مثيرة للجدل، وأخطاء نرتكبها، ضمن مواجهتنا الحرجة للإرهاب وبعض المنابر المعادية التى تستثمر تلك المواجهة لإرباكنا والنيل من استقرارنا.

س: هل هناك بالفعل عوار فى حالتنا الحقوقية يبرر انتقادنا والضغط علينا من قبل تلك المنابر؟

ج: نعم.. بكل تأكيد. لا توجد دولة، متقدمة أو نامية، تواجه تحدياً إرهابياً كذلك الذى يستهدفنا، من دون أن تتأثر منظومة حقوق الإنسان بها، وتتضرر حالة الحريات، أضف إلى ذلك أن إشكال حقوق الإنسان فى بلدنا جوهرى وعميق؛ فهو يتزود بمصادر من الفقر والجهل، والإدارة السياسية الشمولية، وخلط السياسى بالحقوقى.. وأخيراً بعدم وجود رؤية أو إرادة أو خطة متكاملة للتعامل معه.

س: وكيف يمكن تقييم ردود الرئيس على الأسئلة المتصلة بحالة حقوق الإنسان ضمن زيارته الأخيرة لفرنسا؟

ج: تعكس هذه الردود الإشكال الذى نعيشه فى تعاطينا مع هذا الملف بوضوح. فمن ناحية يشعر الرئيس، ونحن معه، بأن الغرب يتعامل فى الملف الحقوقى العالمى بانتقائية، ويستخدم معايير مزدوجة، كما أنه يسخرها أحياناً للضغط والابتزاز، كما يعلم الرئيس أن بعض السائلين أصحاب أغراض مشبوهة، وأن بعض الأسئلة تحركها «مؤامرات»، وأن بعض مضيفيه من الزعماء الأجانب يهتمون بمشتريات الأسلحة، أو التنسيق الاستراتيجى، أو مصالح إسرائيل، بأكثر مما يهتمون بحقوق الإنسان الفرد فى أعماق مصر.

ومن ناحية أخرى، علينا أن نعى أن جزءاً من المطالبات والملاحقات والإدانات والأسئلة يتعلق بانتهاكات وسياسات خاطئة نرتكبها أحياناً، ونتحمل المسؤولية عنها.

س: ماذا تعنى بتحملنا المسؤولية عنها؟

ج: فى أجواء الاستهداف، وتوالى نشاطات الضغط المكثفة، واستمرار ارتكاب بعض الأخطاء، يمكن أن تتحول الأسئلة المحرجة، والانتقادات السياسية، إلى إجراءات تكبلنا، وتزعزع صورتنا، وتنعكس فى سياسات وقرارات أممية أو ثنائية مكلفة.

س: ... والحل؟

ج: لا نتحدث عن حقوق الإنسان إلا بوصفها عالمية، وغير قابلة للتجزئة، وأصيلة، وتطويرها فى حاجة إلى إرادة.. نمتلكها ونحرص عليها، وعلينا أيضاً أن نعلن رؤية، تعقبها سياسات، لإصلاح حالة حقوق الإنسان الوطنية (المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وأن نشغل العالم بها، ونحدثه عنها، بدلاً من أن نترك الساحة خالية لاستهدافنا وتقويض صورتنا.