«الحرب ضد الإرهاب» هى إحدى أكبر المغالطات التى تشيعها الحكومات الغربية، فالإرهاب هو شريكها الأصيل فى الحكم. كانت إهانة الحدود، خصوصًا الحدود الثقافية، أحد الأسباب المهمة التى دفعت بعض الشباب المسلم أيًا كانت جنسيته إلى حمل السلاح دفاعًا عن الدين.
والرأسمالية تعرف كيف تستفيد من كل شىء، فالخوف الذى يصنعه الإرهاب هو وسيلتها للسيطرة حتى على شعوبها ومنعها من التذمر على الفروق الرهيبة بين البشر التى خلقتها الرأسمالية الاستهلاكية. لهذا تدعو الرأسمالية على الإرهاب وتغضب ممن يقول «آمين»، لكنها لا يمكن أن تتسامح مع المعارضة المدنية المعولمة، التى لم تتأخر عن الظهور.
كانت أولى الحملات الدولية الضخمة عام ١٩٩٢ ضد قمة الأرض فى ريو دى جانيرو بالبرازيل، كما انطلقت الحملة ضد البنك الدولى عام ١٩٩٤ تحت شعار «خمسون عامًا تكفى» وقد تحققت فى تلك المبادرات فكرة العولمة، أى حرية انتقال الأفراد وتشبيك المعترضين، فى مقابل تشبيك رأس المال. ضمت حركات الاحتجاج ناشطين من مختلف دول العالم. لكن الرأسمالية تمكنت من إحباط هذه المعارضة الراشدة ذات البعد الإنسانى، وحولتها إلى فلكلور مصاحب لاجتماعات صندوق النقد واجتماعات الكبار الاقتصادية.
اطمئنان الرأسمالية إلى نصرها، جعلها على ما هى عليه من الغرور. وبدلاً من أن تحمل العولمة الانفتاح إلى الشرق، باتت أبواب التغيير معدومة فى الغرب، وإن اختلفت الطريقة بين السيطرة بالسلاح وهندسة الموافقة التى تقوم بغسيل الدماغ وتصدير الخيار المطلوب تصعيده، بحيث يختار المواطن الحر ما تريد له كارتيلات السلاح والنفط أن يختاره. والنتيجة تحول مناسبات الانتخاب إلى مجرد مهرجان للإثارة!
أصبح واضحًا أن الانتماء يتحول إلى الطبقة لا إلى الانتماء الوطنى، إذ بات رجل الأعمال فى أى بلد من المستعمرات السابقة أقرب إلى نظيره فى بلاد المستعمرين السابقين، بينما صار الفقراء فى الجانبين أمة واحدة تعانى بكيفيات مختلفة.
لم تدرك الأغلبية الفقيرة بعد هذه الحقيقة المهمة، لكن يبدو أن الأقلية الواعية تدركها وتتمسك بعولمة الاحتجاج، فى مقابل عولمة القمع. ومن بين الحركات تبدو حركة «آفاز».
ولدت الحركة عام ٢٠٠٧ فى شكل منصة إلكترونية بسبع عشرة لغة، بينها العربية، لجمع التوقيعات، وتضم الآن ما يزيد على ٤٠ مليون عضو من مختلف دول العالم، وهو ما يقارب عدد سكان دول متوسطة الحجم، لكن آفاز، هذه الدولة الافتراضية، تختلف عن كل الدول القائمة فى الواقع، فشعبها مختار (بكسر الميم، وليس ضمها) هو الذى اختار أن يكون عضوًا فى مجتمع آفاز، لم يختره الله، أو ديكتاتور ينتقى شعبه، وهو كذلك الذى يختار القضية التى سيقف وراءها، من خلال توقيع العرائض لتعزيز قضايا الحريات والمساواة والقضايا البيئية، كما تقوم بجمع التبرعات للاجئين.
ويستطيع أى مواطن فى آفاز بدء حملته الخاصة، لكن الديمقراطية ليست بلا ضوابط، حيث تعرض القضية على عينة من ألف شخص، فإن حازت أغلبية بينهم يتم طرحها للتصويت العام.
تفخر آفاز بنجاحاتها فى العديد من القضايا، التى يوثقها الموقع، لكن أهميتها تنبع من كونها الاستعداد المبكر لعالم تسقط فيه الحدود بين البلاد بكتلها البشرية متضاربة المصالح، لصالح الحدود بين الطبقات. وهذا الاحتمال الذى يبدو خياليًا قد يتحقق.