حمّل تقرير لجنة تقصى الحقائق بشأن أعمال العنف التى ارتُكبت خلال ثورة 25 يناير، حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، المسؤولية المباشرة عن الاعتداء على المتظاهرين وقتل عدد كبير منهم، بحكم مسؤوليته السياسية كوزير للداخلية، ومسؤوليته القانونية عن تابعيه.
وقال التقرير - الذى أعدته اللجنة التابعة للمجلس القومى لحقوق الإنسان برئاسة محمد فائق -: «إن الرئيس السابق حسنى مبارك يتقاسم مسؤولية السياسة الأمنية تجاه الأحداث خلال المواجهة الأمنية للمتظاهرين بحكم مسؤوليته الدستورية، فضلاً عن رئاسته المجلس الأعلى للشرطة، كما يجب مساءلة القيادات الإعلامية التى تورطت فى أعمال التحريض المباشر ونشر أخبار كاذبة على نحو يجرمه القانون، وأيضاً إنشاء مجلس وطنى مستقل للإشراف على الإرسال المرئى والمسموع».
وقال فائق - فى مؤتمر صحفى عقده الأربعاء لإعلان التقرير -: «طالبنا النيابة العامة بأن تتسع تحقيقاتها بشأن المسؤولية الجنائية للحزب الوطنى وقيامه بأعمال بلطجة ضد المتظاهرين، وأن تشمل إجراءات النيابة التحفظ على أموال الحزب لحين التحقق من الفصل بين أموال الدولة والحزب، وسرعة التحفظ على القيادات المشتبه فيها من الحزب لحين استكمال أعمال التحقيقات المتعلقة بجرائم الاعتداء على المتظاهرين».
وأكد رئيس اللجنة ضرورة إصدار قائمة بأسماء الشهداء تنشر فى الجريدة الرسمية لكى تُعتمد كدليل رسمى لذويهم يحفظ لهم كرامتهم المعنوية، لافتاً إلى تعرض الكثير من المتظاهرين للاعتقال عن طريق الخطف، وأنه مازال هناك عشرات من المجهولين إلى الآن لم تتضمنهم التقارير الرسمية.
وقال: «لعبت سيطرة الدولة على وسائل الإعلام دوراً سلبياً تجاه الأحداث، واتخذ الإعلام الحكومى طابع الانحياز، وهو بذلك مسؤول مسؤولية مباشرة عن التحريض ضد المتظاهرين، ويعتبر طرفاً أساسياً وشريكاً فى هذه الجرائم التى ارتكبت بحق المتظاهرين».
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الرسمية التزمت طيلة الأحداث بالتعتيم وغياب الحياد وإلصاق التهم المغرضة بالمتظاهرين.
وأكد أن الحزب الوطنى مسؤول بجانب المسؤولية الجنائية لبعض قياداته، عن إفساد الحياة السياسية فى البلاد، والتلاعب بالنظام الجمهورى للدولة بالتعديلات المتكررة للدستور، وتزوير إرادة الناخبين والتدخل المباشر فى تغيير نتائج الانتخابات على مستوى الجمهورية، كما أنه خلط بين موارد الحزب وموارد الدولة، وقيامه بتشكيل تنظيم سرى شبه عسكرى للقيام بأعمال بلطجة بالمخالفة للقانون.
وأكد التقرير أن إجراءات قمع ثورة يناير السلمية منذ تفجرها شهدت سلسلة من الجرائم الجسيمة بحق نشطاء الثورة وجماهيرها، شملت جرائم قتل عمد، وقتل عشوائى، وإصابة مواطنين بإصابات جسيمة أسفر بعضها عن إعاقة تامة أو جزئية، وكذا اختطاف، واعتقال وتعذيب مواطنين، من جانب قوات الشرطة، وميليشيات تضم «بلطجية» وعناصر أمنية تابعة للحزب الوطنى الحاكم «سابقاً»، فضلاً عن جرائم قتل وإصابة وخطف مواطنين من جانب مجرمين جنائيين فروا من السجون خلال فترة الانسحاب الأمنى بأسلوب يثير تساؤلات خطيرة.
وقال فائق، وزير الإعلام الأسبق: «إن اللجنة استندت فى مصادرها على الشكاوى التى تلقتها، والبلاغات الصادرة عن أسر الضحايا، والمصادر الرسمية، والإدارات المتخصصة فى المستشفيات التى استقبلت جثث القتلى والمصابين فى القاهرة وعدة محافظات ومنظمات حقوق الإنسان والمصادر الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة.
وأكد التقرير أن عدد الضحايا بلغ وفقاً للتقديرات الرسمية الأولية لوزارة الصحة فى 15 فبراير 365 شهيداً و5500 مصاب، وينتظر وفقاً للوزارة ذاتها أن يتضاعف هذا الرقم بمقدار مرة ونصف عند استكمال الحصر، جراء قيام بعض المواطنين بدفن جثث ذويهم دون تصريحات دفن، ووجود بلاغات بالعديد من المفقودين لم يتم بعد إجلاء مصيرهم.
ولفت إلى أن وزارة الصحة قامت بتحديث بياناتها عن عدد القتلى فى 21 فبراير، فبلغت 385 قتيلا، بينما وثقف إحدى الهيئات الشعبية جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر قائمة تضم 685 شهيداً حتى 7 مارس 2011.
وعن أنماط القتل ضد المتظاهرين والتعذيب البدنى – وفق التقرير – كان منها القتل العمد، والقتل العشوائى، والقتل الخطأ. كما تنوع مرتكب هذه الجرائم بدورهم تنوعاً مماثلاً، فنسب بعضها إلى عناصر الأمن ونسب بعضها إلى تنظيم يضم عناصر أمنية، وبلطجية تابعين للحزب الوطنى، كما تم بعضها على أيدى بلطجية وسجناء فارين.
كما رصدت البعثة عدداً كبيراً من الحالات التى يمكن أن ينطبق عليها صفة القتل العمد، وكان أبرزها وأوسعها نطاقاً تعمد إصابة المتظاهرين بالرصاص الحى فى الرأس والصدر، بالمخالفة لأحكام القانون، فضلا عن جرائم القتل العشوائى فى عدة مدن ومنها بنى سويف.
وتظهر من بين أعمال القتل - التى شهدتها الفترة التى يغطيها التقرير - وقائع ينطبق عليه طابع الإعدام خارج القانون. وكان نموذجها البارز واقعة قتل 12 نزيلا فى سجن دمنهور.
واتهم التقرير قيادات الحزب الوطنى بالقيام بأعمال عنف ضد المتظاهرين، وأن مسؤولية القتل والاعتداءات البدنية تقع على عاتق قيادات منه، كما أنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن تلك الاعتداءات، كان أبرزها حشد البلطجية للاعتداء على المتظاهرين فى ميدان التحرير يوم 2 فبراير المعروف إعلامياً بـ«موقعة الجمل» وما أعقبها من اعتداءات.
وألقت النيابة العامة – حسب التقرير - القبض على 26 من المشاركين فى هذه الاعتداءات وذكروا تلقيهم أموالاً من عبدالناصر الجابرى، ويوسف خطاب، عضوى مجلس الشعب عن دائرة الهرم. فيما أشار التقرير إلى مسؤولية عناصر تابعة للدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، فى ترتيب هذه الأحداث.
من جانبه، قال الدكتور فؤاد رياض، عضو اللجنة والقاضى السابق، إن المسؤولية الجنائية لأحداث الثورة والاعتداء على المتظاهرين تشبه كثيراً قضايا تم رفعها أمام المحاكم الدولية، وأن المسؤول عن قتل المتظاهرين فى أحداث ثورة يناير هو كل من أعطى أمراً مباشراً أو كان فى موقع المسؤولية فى نطاق منصبه.
وأضاف: «يجب ألا تكون التعويضات التى يتحصل عليها أسر الشهداء من أموال الشعب أو دافعى الضرائب بل تكون من أموال المسؤولين جنائياً عن هذه الأحداث».
وأكد أنه يمكن بهذا التقرير محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك فى حين تقوم السلطات المصرية المعنية بالأمر برفع القضية أمام المحكمة الجنائية، مشيراً إلى أن التقرير وثيقة مهمة جداً فى معرفة سرد الأحداث، وتوثيق تاريخى يساعد القضاء المصرى فى حكم نزيه.