قال الباحث بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، إنه «من الصعب التكهن بمستقبل مصر والطريق الذي ستسلكه في الفترة المقبلة»، مؤكدًا أن «هناك مزيجًا بين خطوات إيجابية نحو التحول الديمقراطي وبين مؤشرات لدولة سلطوية، لكن الواضح الآن أن كفاح مصر مستمر».
وأضاف كوك، في كتاب نشره مؤخرا تحت عنوان «الكفاح من أجل مصر.. من ناصر إلى ميدان التحرير»، أنه مع سيطرة الجيش على البلاد في الفترة الانتقالية «يبدو أن أشباح بداية الخمسينيات تعود من جديد لتطغى على المشهد السياسي المصري»، مقارنا بين ثورة 25 يناير وثورة يوليو 1952.
وتابع: «النشوة التي تحيط بتولي المجلس العسكري إدارة المرحلة الانتقالية والتوقعات أو الآمال في الانتقال إلى نظام برلماني وحكومة مدنية تبدو مألوفة»، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات العمالية في 14 فبراير الماضي ذكرت المراقبين بالاحتجاجات في كفر الدوار في أغسطس عام 1952».
وأوضح أن الضباط الأحرار استخدموا القوة في التعامل مع هذه الاحتجاجات لكن المجلس العسكري اكتفى بإصدار البيان السادس الذي حذر فيه من الآثار السلبية لاستمرار هذه المظاهرات، ودعا العمال والاتحادات المهنية إلى الالتزام بواجباتها.
ويحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان «مصر للمصريين»، وفيه يتحدث كوك عن ثورة يوليو 1952، مستعرضًا الأحداث التاريخية التي أدت إليها منذ حرب فلسطين عام 1948، ومشيرا إلى أن ثورة الضباط في 1952 هي امتداد لسبعة عقود من «الفكر الوطني» منذ ثورة عرابي في عام 1882، مستعرضا دور الصحافة والإسلاميين في تشكيل هذه العقود السبعة بدءًا من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، والأسئلة التي طرحوها حول مصر والإسلام والعالم، ولماذا تخلف العالم الإسلامي عن باقي الدول؟.
ويستعرض الكتاب في هذا الفصل ظهور جماعة الإخوان المسلمين والدور الذي لعبته بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، مشيرًا إلى أنها كانت الحركة «الأهم» في مصر خلال تلك الفترة، ويوضح الكاتب الأسباب التي أدت إلى حظر الجماعة ويقول: «الإخوان المسلمين والوفد لعبا دورًا مهمًا في عدم استقرار البلاد»، مشيرًا إلى سلسلة الاغتيالات السياسية في تلك الفترة.
في الفصل الثاني من الكتاب يتحدث كوك عن «صعود ضباط الجيش»، ويقول إن «عبد الناصر ورفاقه لم يكونوا يسعون إلى حكم البلاد بشكل مباشر لأنه لم تكن لديهم خطة واضحة لذلك، إضافة إلى أنهم كانوا يفضلون إجراء إصلاحات في النظام بدلًا من تغييره، لكن الواقع المصري خلق شيئًا مختلفًا عن الإصلاح الذي ادعى الضباط رغبتهم فيه».
وتحت عنوان «خطوة للوراء.. وثورة» يتحدث كوك في الفصل الثالث عن 3 عوامل أسهمت في بناء النظام المصري بعد حركة الضباط وهي محاولة اغتيال عبد الناصر التي حولته فجأة إلى بطل شعبي، واعتقاد الناس أن الضباط يحققون أحلامهم في العدالة الاجتماعية وإن «لم يكن ذلك حقيقيًا»، على حد قوله، والعامل الثالث هو قرار عبد الناصر تأميم قناة السويس، مستعرضًا العدوان الثلاثي عام 1956 ونكسة 1967.
ويقول كوك إن «احتلال إسرائيل لسيناء كان مفيدًا من الناحية السياسية لعبد الناصر، لأن وجودها كان الخطر الأكبر الذي يهدد مصر، وكان هذا مبررًا لفرض حالة الطوارئ، والتي استفاد منها النظام البوليسي الذي أنشأه ناصر في السنوات التالية»، مشيرا إلى أن «هزيمة 67، وانتفاضة الطلبة شكلت بداية نهاية الولاء لنظام ناصر».
وتحت عنوان «بطل العبور» تحدث كوك في الفصل الرابع عن أنور السادات، وحرب أكتوبر 1973، مستعرضا حرب الاستنزاف ووفاة عبد الناصر، وتولي السادات حكم البلاد، وقال: «العبور كان له تأثير على وضع السادات السياسي وحوله إلى بطل، وزاد من قوته بحيث أمكنه الإطاحة بالمشير الشاذلي الذي خطط للحرب، وإقالة محمد حسنين هيكل من منصبه بالأهرام، والذي كان في تلك الفترة معارضًا للسادات ويقول إنه سمم ناصر ليتولى الرئاسة».
وأضاف أن «السادات جاء للسلطة بوعود بالرخاء والديمقراطية مع التركيز على القيم الإسلامية وانتماءاته العربية، ولكنه لم يستطع هو أو سلفه أو خلفه فيما بعد تكوين دولة مؤسسات، وبنهاية عصره كانت مصر أكثر أصولية من أي وقت مضى».
وفي الفصل الخامس يتحدث كوك عن اغتيال السادات وتولي مبارك حكم البلاد في ظل حالة طوارئ، ثم يستعرض بعد ذلك «قلقه من المشير أبو غزالة، والذي انتهى بتخلصه منه عام 1988»، ويقول إنه بغض النظر عن أبو غزالة فإن «المشكلة الأساسية التي واجهها مبارك في الثمانينيات وبداية التسعينيات هي الاقتصاد»، مشيرا إلى خطوات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذها بتوصيات من صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة.
وأضاف: «منذ بداية عام 2000 بدأ الحديث عن مبارك باعتباره مرحلة انتقالية ستقود البلاد من الحكم السلطوي في عهد عبد الناصر إلى دولة أكثر ديمقراطية، وظهر هذا في خطبه»، وإعلان الحزب الوطني عن «مبادرة فكر جديد»، كخطوة نحو مصر الديمقراطية، معتمدًا على لجنة من رجال الأعمال والسياسيين الشباب كان أهم الشخصيات فيها جمال مبارك، ليبدأ الحديث عن خليفة مبارك.
وضرب كوك مثلًا لتوضيح الفرق بين الدولة التي ورثها مبارك عام 1981 والدولة التي تركها من خلال شركة «عمر أفندي»، التي تمثل العهد السابق، و«سيتي ستارز»، التي تمثل النموذج الذي جلبه مبارك، وقال: «لا توجد معلومات واضحة حول تأثير الخصخصة على البطالة في مصر».
وتحدث كوك في هذا الفصل عن بداية ظهور حركات المعارضة في الشارع وعلى الإنترنت، واتجاه نظام مبارك لقمع المعارضة وحبس المدوّنين، والإخوان المسلمين، في الوقت الذي كان يتحدث فيه عن الإصلاح والديمقراطية، ضاربًا المثل بأصوات ليبرالية مثل سعد الدين إبراهيم، وأيمن نور، وغيرهما من المدونيين.
وأشار كوك إلى أنه مع دخول مبارك سن السبعين بدأ الحديث عن خلافته والسؤال من سيأتي بعد مبارك، وبدأ الحديث عن المرشحين المحتملين، عمر سليمان وجمال مبارك، لافتا إلى لقاء جمال مع المسؤولين الأمريكيين في عام 2003 و2004، وقال إن جمال لم يعلن أنه ينوي الترشح للرئاسة، لكنه كان يقود حملات في البلاد لتوضيح سياسة الحزب الوطني الإصلاحية.
وتحدث كوك في الفصل السادس تحت عنوان «فقد الاتصال الراداري» عن العلاقات المصرية- الأمريكية، وبدأ بحادث تحطم الطائرة المصرية على شواطئ المحيط الأطلنطي، والتفسيرات المختلفة لدى الجانبين حول سبب الحادث، بدءًا من اعتقاد الأمريكيين أن «البطوطي قائد الطائرة انتحر»، مرورًا باعتقاد المصريين بأن الجيش الأمريكي أسقطها أو أن هناك خطأ في تصميم الطائرة كما ادعت الحكومة المصرية.
وأضاف كوك أن الولايات المتحدة «كان لها دور في الإجابة عن السؤال الذي يشغل المصريين عن ماهية البلاد»، مشيرا إلى أن القاهرة كانت ولعقود «تعتمد على المساعدات الخارجية»، مستعرضًا تاريخ المساعدات التي قدمتها واشنطن للقاهرة منذ عام 1952، سواء كانت اقتصادية أو غذائية أو عسكرية، وصولًا إلى عام 1979 عندما تم الاتفاق على أن تمنح واشنطن مصر معونات اقتصادية وعسكرية سنوية.
ويتناول كوك في الفصل السابع والأخير ثورة 25 يناير، ويشير إلى أن «انتفاضة الشعب للمطالبة بحقوقه في عام 2011 هي امتداد لثورة المصريين ضد حكامهم منذ ثورة عرابي عام 1882، لكن الكفاح من أجل مصر هذه المرة نما بشكل أكبر»، مستعرضا الظروف التي قادت إلى الثورة وعلى رأسها الانتخابات البرلمانية التي شابها التزوير، وكيفية الدعوة لمظاهرة في عيد الشرطة، لم يخطط الشعب لتحويلها إلى ثورة، وتفاصيل الأيام الـ18 حتى تنحي مبارك.
وقال كوك: «لا يعرف أحد مَن الذي أصدر قرارًا بإطلاق سراح وائل غنيم يوم 7 فبراير»، مشيرا إلى أن «أحد المسؤولين ربما يكون قد اعتقد من خلال متابعته لتويتر أن الإفراج عنه سيهدئ الشارع»، وأضاف: «ليس مهمًا معرفة سبب إطلاق سراحه، لأنه لم يكن أمرًا مهما، الشيء المهم هو ما حدث بعد ذلك».
وأشار كوك إلى حوار غنيم مع قناة «دريم»، والذي حدد من خلاله أن «انتفاضة المصريين هي من أجل الكرامة»، وقال: «في اليوم التالي للحوار اتسعت رقعة المظاهرات وشارك فيها المحامون والعمال وجميع فئات الشعب»، وأكد أنه «لا يوجد أحد يعرف على وجه اليقين ما الفرق بين مظاهرات 25 يناير وبين مظاهرات كثيرة سبقتها».
وتحت عنوان «أشباح الخمسينيات» يتحدث كوك عن سيطرة المجلس العسكري على المرحلة الانتقالية، ويقول إن «التحديات التي تواجه طنطاوي هي ذاتها التي كانت تواجه الضباط الأحرار في الخمسينيات، فالمجلس العسكري ليس لديه خطة عن كيفية تحويل مصر إلى دولة مدنية، لكن دخولهم المفاجئ للسلطة يعطيهم عذرًا لعدم استعدادهم».
ويختتم كوك كتابه بالقول: «من الصعب التكهن بمستقبل مصر والطريق الذي ستسلكه في الفترة المقبلة، فهناك مزيج بين خطوات إيجابية نحو التحول الديمقراطي وبين مؤشرات لدولة سلطوية، لكن الواضح الآن أن كفاح مصر مستمر».