قال الدكتور «بيير تالييه»، رئيس البعثة الفرنسية فى وادى الجرف ومكتشف البرديات، إن الصحيفة البريطانية قد تكون أغفلت الإشارة مباشرة إلى أنه من عثر على هذه البرديات وأعلن عن اكتشافها عام 2013.
وأوضح، لـ«المصرى اليوم»، أن بعثته الفرنسية بدأت العمل فى وادى الجرف منذ عام 2011، بينما يعود تقرير الصحيفة البريطانية وفيلمها المسجل إلى الأيام الحالية.
وأضاف «تالييه»: هذا بخلاف معرض البرديات الذى يعد الأول من نوعه والذى أقيم خلال مؤتمر صحفى عقد العام الماضى بمتحف التحرير.
ويروى «تالييه»: منذ عام 2011 نقوم بأعمال الحفائر فى موقع وادى الجرف، وكشفنا خلال هذه الفترة عن آثار لميناء يعتبر، حتى الآن، أقدم ميناء ليس فقط فى تاريخ مصر، وإنما فى تاريخ الملاحة البحرية العالمية، إضافة إلى موقع ميناء مرسى جواسيس جنوب سفاجا وميناء العين السخنة جنوب السويس، وهم يمثلون مجموعة الموانئ الفرعونية، وهى تعد الأقدم فى تاريخ الإنسانية حتى الآن.
وأوضح «تالييه»: تم بناء ميناء وادى الجرف على شاكلة الميناءين الآخرين ولكن على مساحة أكبر، ومن خلال الأختام الطينية والبرديات والنقوش الصخرية التى تم اكتشافها فى هذه المنطقة فمن الممكن تأريخ هذا الموقع بعصر الدولة القديمة.
ويقول «تالييه»: وفى عام 2013 عثرنا على مجموعة رائعة من البرديات عند مدخل مغارتين، وكانت هذه البرديات مدفونة بين الكتل الحجرية التى تم استخدامها لإغلاق المغارة بعد الانتهاء من العمل، مفترضا أن تكون هذه المغارات تستخدم كورش عمل ومخازن وأماكن سكنية. ويضيف تالييه: هذه البرديات تؤكد أن هذا الموقع كان مستخدما خلال عهد الملك خوفو، وأن فريق العمل الذى كان يعمل فى هذا الموقع هو نفسه الذى عمل فى بناء الهرم الأكبر، مما يشير إلى القدرة العالية للجهاز الإدارى فى عهد هذا الملك.
السيد محفوظ، أستاذ الآثار المصرية بجامعة أسيوط ورئيس البعثة المصرية بوادى الجرف حتى عام 2010، يقول لـ«المصرى اليوم»: هذا الكشف الأثرى المهم يعود الفضل فيه كاملاً إلى الدكتور بيير تالييه وبعثته الفرنسية.
ويضيف محفوظ أن «البردية أعلن عنها عام 2013، وتم عرضها فى معرض بالمتحف المصرى بالتحرير، موضحا أن عملية الترميم ودراسة النصوص الهيراطيقية تأخذ وقتا طويلاً».
ويروى «محفوظ»، المعار حالياً أستاذ التاريخ القديم والآثار بجامعة الكويت: اعتباراً من 2010 وحتى الآن تقوم بأعمال الحفائر فى الموقع بعثة مشتركة بين جامعة السوربون والمعهد الفرنسى للآثار الشرقية برئاسة البروفيسيور «بيير تالييه»، كشفت البعثة خلال عملها عن آثار لميناء يعتبر حتى الآن هو أقدم ميناء ليس فقط فى تاريخ مصر، وإنما فى تاريخ الملاحة البحرية العالمية، وهو إلى جانب موقع ميناء مرسى جواسيس جنوب سفاجا وميناء العين السخنة جنوب السويس تمثل مجموعة الموانئ الفرعونية وهى الأقدم فى تاريخ الإنسانية حتى الآن.
وأضاف «محفوظ»: يتميز موقع وادى الجرف بأنه الأكبر حين يقارن فى مساحته الكبيرة بالميناءين الآخرين، وهو فى هذا يرتبط بطبيعة الدولة القديمة وآثارها الضخمة، خصوصاً الهرم الأكبر وهو العصر المؤرخ به موقع الميناء من خلال الأختام الطينية والمخربشات على الكتل الحجرية والبرديات التى كُشف عنها فى الموقع.
وتابع: كما كُشف فى الموقع على مجموعة رائعة من البرديات والتى تؤكد استخدام الموقع فى عهد الملك خوفو وأن أطقم العمال التى كانت تعمل فى الموقع كانت هى نفسها التى كانت تعمل فى بناء الهرم وهو ما يشير للقدرة العالية للجهاز الإدارى فى عهد هذا الملك.
ويشير «محفوظ» إلى أنه فى مواجهة مدخل المغارة وبين الكتل الحجرية التى كانت تستخدم لإغلاق المغارات بعد انتهاء الأعمال، كشفت البعثة الفرنسية فى موسم الحفائر 2013 عن عدة مئات من قطع البردى بعضها يصل طوله لحوالى 80 سنتيمترا، ويبدو أنه قد تم دفن هذه الوثائق البردية بين كتل غلق مداخل المغارات التى كانت تستخدم كورش عمل ومخازن وأماكن للسكنى فى آخر مراحل استخدام الموقع وهى مؤرخة بوضوح من نهاية عهد الملك خوفو.
وأوضح «محفوظ»: هذه البرديات تعد أقدم برديات مكتوبة باللغة الهيراطيقية فى تاريخ الدولة الفرعونية، وبها بعض أجزاء بالهيروغليفية مختصرة تاريخ بعام تعداد الماشية رقم 13 من عهد الملك «خوفو»، والمعروف أن تعداد الماشية يتم مرة كل عامين وهو ما يعنى أن التاريخ المذكور هنا هو العام 26 من عهد «خوفو» وهو ما يعنى أن حكم هذا الملك قد امتد لهذا التاريخ وهو أمر لم يكن معروفا من قبل.
ويقول «محفوظ»: يظهر فى النص التاريخى فى السطر الرأسى الأول «تعداد الماشية رقم 14» واسم الملك الحورى فى السطر الثانى (مچدو) ثم اسم الملك التتويجى «النسوبيتى»، «خنوم- خوف- وى» يليه اسم فريق العمل فى الموقع ثم يوميات العمل.
وأضاف: عدد كبير من قطع البردى التى عثرت عليها البعثة يمثل جداول ترتبط بتوزيع الحصص اليومية للأطعمة والتى كانت تستجلب من مناطق عديدة فى دلتا نهر النيل. وهى تظهر دون شك سيطرة الجهاز الإدارى على شؤون البلاد بمختلف أنحائها وضواحيها بصورة مركزية ووفق تنظيم دقيق وواضح وشديد الوطأة، والنص الوارد على البردية من النوع المحاسبى، حيث يتناول عملية توزيع حصص الأطعمة والمناطق المجلوبة منها وهى منظمة فى شكل جدول يظهر فيه اسم السلعة والمكان القادمة منه وكمياتها.
ويشير «محفوظ» إلى أن «من أبرز البرديات المكتشفة فى موقع ميناء وادى الجرف مجموعة قطع يزيد بعضها فى عرضه على 50 سنتيمترا، تكتسب نصوصها أهمية كبيرة حيث إنها تقرير يومى بأنشطة أكبر كبار الموظفين المسؤولين من العاصمة منف وهو مسؤول عن أحد عن فرق العمل الفنية فى الموقع، وهو المفتش «مرر» والذى كان يقود فريق عمل مكونا من 200 رجل».
ويوضح محفوظ: نص البردية يظهر فيه الشهر فى شكل سطر كبير باعتباره عنوانا وتحته فى أسطر رأسية يفصل بينها خطوط تمثل خانات تبدأ برقم اليوم وتحته فى سطرين رأسيين، تقرير بالنشاط الذى أداه فريق المفتش «مرر» فى هذا اليوم، هذه اليوميات لا تشير لأنشطة تمت بموقع الميناء كما هو متوقع، ويبدو أن تقريره الخاص بالميناء قد جاء بالجزء المفقود من البردية. ولكن كثيرا من هذا الميناء يشير لأنشطة وأعمال مرتبطة بالأعمال الإنشائية فى الهرم الأكبر وعمليات قطع أحجار الحجر الجيرى الجيد من محاجر طرة والمعصرة والتى كانت تستخدم فى كسوة الهرم.
ويضيف «محفوظ»: تشير اليوميات أيضاً لتفصيلات ووصف لعملية نقل الكتل الحجرية من موقع المحاجر، «را-آو الجنوبية ورا-آو الشمالية» لمكان إقامة الهرم عبر نهر النيل والقنوات والترع المرتبطة به، وتشير نصوص البردية إلى أن هذه الكتل كانت تستغرق عملية تسليمها أربعة أيام لمنطقة «آخت خوفو» وهو اسم هرم الملك خوفو.
ويتابع: تشير تقارير المفتش «مرر» كذلك لمرور معظم الإجراءات التنفيذية بمركز إدارى هو «را-شي-خوفو» والذى يبدو أنه كان مركزا لوجستياً تتوقف عنده فرق العمل قبل تسليم ما يحملونه فى منطقة هضبة الهرم بيوم واحد. وتشير النصوص إلى أن هذا المركز اللوجستى كان تحت إشراف أحد كبار موظفى الدولة وهو المدعو «عنخ- حاف» وهو أخ غير شقيق للملك «خوفو»، وكان المشرف على كل الأعمال الملكية وله مصطبة بالجيزة (G7510) وهى ثانى أكبر مقبرة فى جبانة الجيزة وكشف عنها العالم الأمريكى «چورچ رايزنر» وهناك تمثال نصفى رائع له محفوظ فى متحف الفنون الجميلة ببوسطن.
ويقول «محفوظ»: تؤكد هذه اليوميات رؤية «رايزنر» حول مكانة هذا الموظف فى الدولة فهى تشير إلى أنه ربما كان يقوم بأعمال الوزير والمهندس المسئول عن المشروع القومى لإقامة الهرم فى مراحله الأخيرة وبالتأكيد كان الهرم فى مراحل إنشاءاته الأخيرة مع اقتراب نهاية حكم الملك «خوفو»، ويبدو أن ما يفسر وجود مثل هذه التقارير المهمة فى موقع ميناء وادى الجرف أن نفس فرق العمل التى كانت تعمل فى البرامج الإنشائية للمقابر الملكية كانوا مسؤولين عن معنيين بمشروعات الدولة الأخرى ومنها ما كان يتم فى وادى الجرف، فربما كانت هذه الفرق الموجودة فى الموقع معنية بإحضار النحاس من مناجم النحاس بجنوب سيناء وهو النحاس المستخدم فى تصنيع أدوات تستخدم فى الأعمال الإنشائية بالهرم.
ويتابع «محفوظ»: تولى بعدها المفتش «مرر» وفريقه عملية غلق موقع الميناء ومغاراته بكتل حجرية ضخمة وكان هذا فى العام الـ27 من حكم خوفو، وهو تاريخ يرتبط بتوقف أعمال استخراج النحاس والفيروز من مناجم جنوب سيناء وربما يرتبط بتاريخ انتهاء الأعمال فى إنشاء الهرم، على حد قوله.
الدكتور الحسينى عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، يقول إن أجزاء البردى المكتشفة تعد الأقدم فى تاريخ الكتابة المصرية حتى الآن، حيث إنها أقدم من برديات الجبلين التى تعود إلى نهاية الأسرة الرابعة وبرديات أبوصير التى تعود لنهاية الأسرة الخامسة، ويصل عددها إلى حوالى 30 من برديات خوفو، وموجود منها فى مخازن المتحف المصرى بالتحرير حوالى 6 أجزاء منها.
وأوضح «عبدالبصير»، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، أن هذه البرديات تصور الروتين اليومى للعمال الذين نقلوا أيضا مواد البناء من الميناء فى البحر الأحمر إلى الجيزة، كما أنها تعد وثيقة مهمة من عهد الملك خوفو، صاحب الهرم الأكبر وتوضح قوة الإدارة فى عهد الملك، وارتباطها بالسلطة المركزية فى الجيزة.
ولفت «عبدالبصير» إلى أن أهمية هذه البرديات تكمن فى أنها تؤكد أن مشروع بناء الهرم الأكبر كان مشروعا قومياً، وأن الهرم بناه المصريون القدماء، كما تنفى هذه البرديات أى ادعاءات كانت تتعلق ببناء الأهرام المصرية، مشيراً إلى أنه من خلال هذه البرديات تم التأكد من مدة حكم الملك خوفو والذى امتد لنحو 26 عاماً.
وأكد «عبدالبصير» أنه من أهم تلك البرديات، بردية تخص أحد كبار الموظفين ويدعى «مرر»، وكان يشارك فى بناء الهرم الأكبر وأمدتنا بمعلومات عن ثلاثة أشهر من حياته الوظيفية، مما جعلنا نعرف الكثير من الأمور عن حياة الموظفين فى عصر الأسرة الرابعة ومنها قيام فريق العمل بنقل كتل الحجر الجيرى من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل إلى هرم خوفو عبر نهر النيل وقنواته.
وأوضح «عبدالبصير» أن أغلب البرديات المكتشفة توضح توزيع الحصص اليومية للأطعمة التى كانت تستجلب من مناطق عديدة فى دلتا نهر النيل، مشيرا إلى أنه من بين أهم هذه البرديات واحدة يظهر فيها بوضوح وبخط هيروغليفى مختصر تعداد الماشية رقم 13 فى عهد الملك خوفو والذى كان يتم مرة كل عامين، بما يعنى أن حكم هذا الملك امتد لنحو 26 عاماً، وهو أمر لم يكن معروفاً من قبل.